دراسات بطرس غالي ومقالاته تصدر في جزأين

محمد الحمامصي

يجمع هذا الكتاب “رؤية للسياسة الخارجية المصرية والقضايا الإقليمية والدولية” للباحث والسياسي الراحل د.بطرس بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والصادر في جزءين عن مركز الأهرام للنشر، اسهاماته المعرفية الواسعة الموزعة بين كتبه المتعددة الجامعية والعامة، ودراساته ومقالاته على مدى أكثر من ستة عقود، وأهم ما كتبه فى مجلة “السياسة الدولية” التي أسسها عام 1965، وكتب افتتاحياتها منذ عددها الأول الصادر في أبريل/نيسان من العام نفسه، وحتى ترك رئاسة تحريرها عند توليه الأمانة العامة للأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني 1992، لكنه عاد إلى كتابة افتتاحيتها بشكل استثنائي قبل عام واحد على رحيله، وكأنه كان يودعها، وبعد نحو ربع قرن على آخر افتتاحية كتبها فى عدد يناير/كانون الثاني 1992، وكان ذلك بمناسبة حلول الذكرى الخمسين للمجلة فى أبريل/نيسان 2015، وصارت هذه الافتتاحية التي كان عنوانها “عصر التحولات الكبرى في العالم” آخر ما نشر له قبل أن يغادر عالمنا.

قدم للكتاب د. وحيد عبدالمجيد مؤكدا أن تأسيس د. غالي لمجلة “السياسة الدولية” كان امتدادا لواحد من أدوار عدة اضطلع بها، وترك في كل منها ميراثا حافلا بالمعرفة والعمل والإنجاز، وهو دور الأستاذ المعلم صاحب الرؤية الواسعة العميقة، التي احترمها من اختلفوا معها، أو مع بعض جوانبها، مثلهم في ذلك مثل من اتفقوا معه فيها. فقد كان د. غالى ممن يختلف معهم، ولكن لا يختلف عليهم.

وأضاف “نقل د. غالى علمه ومعرفته في العلوم السياسية والقانون الدولي إلى أجيال متوالية من خلال التدريس بعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1949. حيث عمل أستاذا في جامعة القاهرة. وتتلمذ على يديه عشرات الآلاف من أجيال عدة في كلية الحقوق، ثم في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي شارك في تأسيسها.

كما نهل من علمه ومعرفته أعداد أكبر قرأوا كتاباته الأكاديمية والعامة. وأسهمت “مؤسسة الأهرام” في وصول معرفته إلى أعداد لا تحصى قرأوا كتاباته في مجلتي “الأهرام الاقتصادي” و”السياسة الدولية”، فضلا عن الصحيفة اليومية.

ورأى د. عبدالمجيد أن دور د. غالي التعليمى والتنويرى في “السياسة الدولية” كان هو الأقرب إلى عمله الجامعي، إذ تعلم من كتاباته فيها كثير من الطلاب والخريجين الذين لم تتح لهم فرصة لأن يكونوا بين تلاميذه في الجامعة. وينطبق ذلك على الجيل الذي تخرج في الجامعة بالنصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، والأجيال التالية.

وكما فعل في الجامعة، فقد فتح د. غالي الباب أمام كثير من أبناء هذه الأجيال للكتابة في مجلة “السياسة الدولية”، في سياق حرصه على تشجيع الشباب وتمكينهم من إطلاق طاقاتهم. ولم أكن وحدي الذي أتيح له أن يكتب للمرة الأولى في هذه المجلة خلال دراسته الجامعيية وقبل التخرج.

وتعرض الدراسات والمقالات التي ضمها الكتاب الضخم لوجهات نظر ومواقف ورؤى وأفكار د. غالي حول القضايا العربية والإقليمية والدولية، خاصة قضايا القومية والعروبة وفلسفة الرئيس جمال عبدالناصر، واستراتيجية الدبلوماسية المصرية في القارة الإفريقية، والصراع العربي – الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، والدبلوماسية المصرية تجاه قضية السلام، سواء على المستوي العربي، أو على الصعيد الدولي، بعد زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس، ليؤرخ لفترة تاريخية مهمة مليئة بالأحداث، تمتد من فترة حكم الرئيس عبدالناصر ومرورا بالرئيس السادات وانتهاء بالرئيس حسني مبارك.

في مقاله الافتتاحي المنشور عام 1977 تحت عنوان البترول العربي في مواجهة تحدياته قال د. غالي إن هناك أزمة قائمة وسوف تستمر بين الدول العربية المنتجة للبترول والتي تزداد ثراء ورخاء والدول العربية غير المنتجة للبترول التي تزداد تخلفا وفقرا، وهذه الأزمة ستزداد باتساع الهوة الاقتصادية بين المجموعتين، وهذا كله ييتطلب وضع استراتيجية بعيدة المدى ومدروسة لسد هذه الهوة، ولوضع الأسس الاقتصادية السليمة، لتكامل اقتصادي شامل بين جميع الدول العربية”.

ورأى د. غالي في مقاله المنشور 1993 بعنوان “نحو دور أقوى للأمم المتحدة” أن الاستقرار السياسي ليس هدفا في ذاته وإنما هو شرط لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الدائمة ولتحقيق القدرات الإنسانية، ومن الضروري في نفس الوقت من الاعتراف بوجود روابط لا تنفصم بين السلام والتنمية وأنه من الأهمية بمكان فهم هذه الروابط، ولقد شهد العالم كيف يؤدي التدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى نشوء الصراع السياسي والنزاع العسكري، لذا لا ينبغي أن يخون الاضطلاع بأنشطة الأمم المتحدة المتعلقة بالسلم والأمن على حساب مسئولياتها عن التنمية، وإنما من الضروري السعي إلى تحقيق السلام والتنمية بطريقة متكاملة تشد بعضها أزر بعض، ويمكن للمرء أن يسوق أمثلة كثيرة على حالات قامت فيها الأمم المتحدة بالحفظ على السلم أو على الأقل بمنع تصاعد الصراعات ولكن سجلها في الجانب الإنمائي ليس مشجعا كثيرا، وهناك مليار من البشر يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، ويموت الأطفال في أرجاء كثيرة من العالم بغير داع بسبب أمراض يمكن علاجها بسهولة.

وتجاهد المرأة لتكسب قوت أسرتها وتدبير شئون بيتها وسط أحوال لا تطاق من المعاناة القاسية، فضلا عن تضاؤل فرص العمل والأزمة أعمق بكثير من مجرد أن تكرر ظاهرة أخرى من ظواهر التفاوت المألوف بين الدول المتقدمة النمو في الشمال والدول النامية في الجنوب، هذا النمط من التفاوت الواضح المعالم ليس له وجود في عالم اليوم، فبلدان أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق تناضل لتتخطى المرحلة الانتقالية صوب الديمقراطية والاقتصاد القائم على السوق، وحتى دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ليست في مأمن من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فالفقر والبطالة والإجحاف والاحساس المتزايد بعد الأمان كلها موجودة عمليا في جميع أنحاء الكرة الأرضية، وهذا يغري حتى أغنى البلدان بالاتجاه نحو الداخل لعلاج مشاكلها الخاصة ولكن عالم اليوم لم يعد فيه وجود لتجاهل مشاكل الآخرين ذاك أن عالمية الاقتصاديات ووسائل الاتصالات رسخت الاعتماد المتبادل بين الجميع.

إن لمسئوليات الأمم المتحدة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية دورا محورا في تحقيق أهداف ومبادئ الميثاق”.

وتحت عنوان “عصر حقوق الإنسان بامتياز” أكد د. غالي أن قضية حقوق الإنسان أصبحت قضية القضايا فى العالم المعاصر، حيث تأثرت بشكل كبير بثورة الاتصالات وتطورات العولمة.

وقال: “لقد أدت الثورة الاتصالية وتكنولوجيا المعلومات إلى تناقص المسافات وتلاشي الحدود والحواجز بصورة مذهلة، فلم تعد هناك سلطة أمنية – مهما بلغت – قادرة على إغلاق السماوات المفتوحة أمام الفضائيات أو حجب المعلومات. بل إن ظهور المدونات قد تغلب أيضاً على عائق ضرورة توافر الإمكانيات المادية لإنشاء محطات فضائية، مما أسهم فى انتشار الأنباء المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان بصورة فائقة السرعة، محدثة ردود فعل في جميع أنحاء المعمورة وبينما عزز ذلك بشكل كبير من إمكانية الدفاع عن حقوق الإنسان فإنه من الناحية الأخرى أدى إلى ظهور نوع جديد من الانتهاكات يتعلق أساسا بالخصوصية”.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى