الروائي محمد شكري وإبداعه في «الرواد»

نور الدين محقق

من بين البرامج الثقافية التي قدمها التلفزيون المغربي على القناة الأولى وأعاد تقديمها نظراً إلى أهميتها، نجد برنامج «الرواد». هذا البرنامج يمكن القول إنه برنامج وثائقي يتحدث عن حياة شخصيات مغربية فاعلة سواء في الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية.
ويتم هذا الحديث من خلال مقدم البرنامج الذي يؤطر كلامه بشهادات لأناس عايشوا هذه الشخصية عن قرب، ومن خلال صور للشخصية في مختلف مراحل حياتها. وهو بهذا يسلط الأضواء من جديد على ما قامت به هذه الشخصية من أعمال ويجعلها في متناول المشاهد المتابع للحلقات التي يقدمها في شكل فني. ومن أبرز الحلقات، تطل الحلقة الخاصة بالكاتب المغربي الشهير محمد شكري، إذ ركز مقدم البرنامج على استعراض المحطات الأساسية في حياة هذا الكاتب المغربي الاستثنائي الذي ترجمت أعماله الإبداعية إلى مختلف اللغات العالمية، واشتهرت روايته، السيرة الذاتية «الخبز الحافي»، وأصبحت إحدى معالم الكتابة الأدبية ذات الجرأة في تشريح الذات من جهة، والبنيات المجتمعية التي تواجدت فيها من جهة أخرى. كانت كلمات مقدم البرنامج مركزة جداً بحيث أحاطت بسيرة محمد شكري في شكل دقيق. وقد عززت من أهميتها مرافقة صور محمد شكري لها، تارةً لوحده وتارة أخرى بصحبة مجموعة من المشاهير في دنيا الثقافة.
في البداية تحدث عبدالعزيز شكري، وهو أخ الكاتب، عن علاقة محمد شكري بوالدته التي كان لها دور مهم في حياته. كما تحدث عن ذهابه إلى مدينة وجدة وقضاء بعض الوقت عند خالته هناك، ليعود من جديد رجلاً إلى مدينة الناظور. تحدث أيضاً رئيس مؤسسة محمد شكري الشاعر عبداللطيف بنيحيى، عن كيفية انتقال أسرة الكاتب من الناظور، ونزوحها إلى مدينة تطوان قبل أن يصل محمد شكري إلى مدينة طنجة حيث عاش طفولةً قاسية. واستطاع أن يمارس العديد من المهن الصغيرة مثل نادلٍ لمقهى وماسح للأحذية ومطرب يغني أغاني محمد عبدالوهاب، حيث تعايش مع فضاء السوق الداخلي من أجل الحصول على لقمة العيش.
وفي تلك الفترة التقى بالسيد حسن العشاب الذي نصحه بالالتحاق بالمدرسة من أجل الدراسة. تحدث أيضاً الكاتب والصحافي محمد بوخزار عن محمد شكري وكيفية دخوله عن طريق المباراة إلى مدرسة المعلمين في مدينة العرائش حيث أصبح بعد التخرج منها معلماً في مدرسة تقع في أحد الأحياء الشعبية في مدينة طنجة، وما لبث أن انتقل منها إلى مدرسة ابن بطوطة الابتدائية في المدينة ذاته. وأصبحت له مكانة اعتبارية ساعدته على مواصلة الكتابة والاهتمام بها. وفي هذه المرحلة كتب مجموعة من القصص عُرف بها في الوسط الثقافي.
أحب محمد شكري كما صرح بذلك أخوه عبدالعزيز مدينة طنجة كما أحب القراءة والكتابة في شكل كبير. وقد اتسعت علاقاته بالكُتاب مثل محمد برادة وعبدالجبار السحيمي ومحمد العربي المساري وغيرهم. وكي يتفرغ للكتابة على رغم قلة إمكاناته المادية طلب التقاعد النسبي من الوظيفة. وعاش لحظات قاسية إلى أن عمل في إذاعة البحر الأبيض المتوسط (ميدي 1) حيث أشرف على تقديم برنامج «أشياء من الحياة».
وتحدث مدير إذاعة طنجة سابقاً محمد البوكيلي وهو صديق للكاتب محمد شكري، عن علاقة شكري بهذه الإذاعة وهو يقدم برنامجه الثقافي فيها الذي كان يحمل عنوان «شكري يتحدث». أما علاقة شكري بالقراءة فـقد كانت قوية بحيث لم يكن يستطيع الجلوس في المقهى من دون أن يقرأ الجرائد أو المجلات كما ورد ذلك في شهادة عبد الله الوهابي صاحب مقهى «الرقاصة» التي كان محمد شكري يرتاده باستمرار.
هناك شهادات قوية أخرى قدمها البرنامج مثل شهادة الأديب الشاعر والروائي حسن نجمي الذي شدد على أهمية سيرة محمد شكري «الخبز الحافي» وريادتها القوية في الحكي عن الذات بطريقة غير مسبوقة في الأدب العربي. كما تحدث عن رغبة شكري الدائمة في محاولة كتابة نصوص إبداعية قوية متفوقاً على ذاته باستمرار، لكن مسألة التلقي كان لها رأي آخر حيث ظلت ترتبط بكتابه «الخبز الحافي».
وأكدت شهادة الأديب المسرحي الزبير بن بوشتى أهمية كتابات محمد شكري الإبداعية وضرورة الاهتمام بها، وليس الاهتمام بحيثيات حياته فقط. كما كان هناك شهادة للأديب والمترجم ابراهيم الخطيب الذي تحدث عن مكانة محمد شكري العالمية وشهرته الكبيرة وعن طباعة كتابه «الخبز الحافي» في طبعة ألمانية رائعة. وتحدث الفنان الفوتوغرافي رشيد الوطاسي عن علاقته بمحمد شكري وعن تكريمه لهذا الكاتب من خلال الصور التي ضمنها كتاب «محمد شكري وطنجة» الذي أعده مع رشيد التفريسي.
كما تم تقديم شهادة الكاتب الروائي بهاء الدين الطود الذي كرم شكري من خلال روايته «أبو حيان في طنجة» والتي جمع فيها بين كل من أبي حيان التوحيدي ومحمد شكري في توليفة إبداعية سردية جميلة.
بالإضافة إلى كل هذه الشهادات العميقة، قدمت فتحية الخياطي التي اشتغلت في بيت محمد شكري، والتي ظل يعاملها مثل فرد من عائلته كما أعلنت ذلك، شهادةً مؤثرةً تعود للحظات معرفته بإصابته بالمرض والدموع في عينيها، كما قدم ابن أخيه أيضاً شهادةً عن هذه اللحظات.
وقد تحدث هؤلاء الأصدقاء الكتّاب عن محمد شكري وعن الاهتمام الرسمي والشعبي الذي حظي به والشهرة الكبيرة التي تمتع بها مغربياً وعربياً وعالمياً سواء في حياته وحتى بعد مماته. كان محمد شكري كاتباً بارعاً كما كان إنساناً مرحاً مع أصدقائه وكريماً معهم ومع الغرباء. كان «إنساناً رائعاً»، كما قال الشاعر عبداللطيف بنيحيى. كان يحب الكتابة والقراءة كما كان يحب الموسيقى استماعاً وأداءً… ويحب الطبخ ويجيده في شكل كبير.
هكذا قدم هذا البرنامج التلفزيوني، «الرواد»، صورة مميزة عن محمد شكري كاتباً مبدعاً وإنساناً بهياً.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى