محمد الغربي عمران: الثورة القادمة هي ثورة الوعي

منير عتيبة

التقيت المبدع اليمني محمد الغربي عمران منذ سنوات فى مؤتمر الرواية الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة، تبادلنا الكتب والمحبة وصرنا صديقين في الحال، وكأن مقولة “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها أئتلف” كانت لنا، ورغم أننا لم نتقابل سوى مرة واحدة بعد ذلك إلا أن لقاءنا كان مستمرا عبر الإيميل، نتحدث ونتناقش، وأقرأ مخطوطات عمله الروائي “ظلمة يائيل” الذي وجدته عملا فذا فرشحته للنشر في سلسلة “إبداع عربي بالهيئة المصرية العامة للكتاب” ثم نظمت له ندوة للمناقشة بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية.

يأخذك المبدع اليمني محمد الغربي عمران إلى عمق الروح اليمنية، ترى جبالها وتشم رائحة الهواء في القمم، ورائحته في السفوح والكهوف، يوغل بك في سراديب تاريخية ونفسية واجتماعية ودينية قلما تجد لها نظيرا في شعوب أخرى، وهو يقدم لك هما إنسانيا في إبداع متميز.

أما الغربي الإنسان فلديه قدرات مذهلة على اكتساب الأصدقاء، وإنتاج الأفكار الخلاقة، والحركة النشطة المنتجة.

لذلك تجده محترما كمبدع ومحبوبا كإنسان، وهو ما يندر اجتماعه لكثيرين.

الأديب اليمني محمد الغربي عمران هو رئيس نادي القصة وعضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب، وهو أيضا نائب برلماني سابق وأمين عام اتحاد البرلمانيين اليمنيين السابقين، أصدر خمس مجموعات قصصية هي: الشراشف، الظل العاري، حريم، المنارة سوداء، ختان بلقيس، كما أن له روايتين هما: مصحف أحمر، وظلمة يائيل الفائزة بجائزة الطيب صالح 2012.

• لماذا كانت الكتابة هي سلاحك الأول في معانقة الحياة وفي مواجهتها، كيف اجتذبك سحر الكتابة وما كان النداء الذي سرت خلفها لأجله؟

ـ تركيب النفس البشرية من شخص إلى آخر يختلف. وأعتقد بأني من الفئة التي ينقصها القدرة على التواصل بالآخر. أو هكذا في بداية حياتي.. فكانت الكتابة حواري مع نفسي أولا.. وجسر تواصل بالآخر.. ولذلك ستجد من يكتبون أو يرسمون وجل من لهم صلة بالإنتاج الإبداعي في بداية حياتهم منطوون على أنفسهم. يبحثون عن طريقة تصلهم. عن وسيلة ليقولوا نحن هنا. ثم كانت الكتابة وأجناس الإبداع الأخرى خير صلات. والكتابة بالنسبة لي حياة تنقذني من الأمراض الروحية.. وسحر أخرجني من قوقعتي.

وإن كنت أعتقده شيئا من الجنون ذلك الذي يجعلني أقضي ساعات حبيس غرفتي وبشكل يومي. وأظن أن على المجتمع إقامة سرايا بلون غير الأصفر لكل من يتعلق بالكتابة أو الفن ويغرم به. سرايا لعلاجهم مما هم فيه. وإن كنت أتمنى أن يكون علاجا مختلفا.. يركز على الروح والعقل.

• كتبت القصة القصيرة زمنا طويلا حتى عدك البعض واحدا من المخلصين لها مثل محمد حافظ رجب وسعيد الكفراوي في مصر وزكريا تامر في سوريا، فما الذي جعلك تتحول إلى الرواية فتكتب “مصحف أحمر” ثم “ظلمة يائيل”؟

ـ الرواية هي قصة.. فقط طويلة.. والقصة عالمي.. فأنا أكتبها بشكل دائم.. حتى حين أكتب مقالا.. وصف لرحلة قمت بها فإن كل شيء لدي سرد.. والحياة مجرد سرد بالنسبة لي. وكل فرد مجرد كائن ما هو إلا حكاية منها القصيرة والطويلة والطويلة جدا. ولذلك أكتب الومضة.. أو الأقصوصة. وكتابات نقدية كقارئ لما أقرأ. تصادفني فكرة لومضة وفكرة تصلح لقصة قصيرة.. وفكرة لقصة هي أكبر أو أطول. أي تحتاج لتنفيذ تلك الفكرة إلى صفحات لرصد الأمكنة ومتابعة تنامي الأحداث.. ورصد الشخصيات هناك تنتج ما يسمونها رواية. وهي في الأصل فكرة قصة طالت فخرجت عن إطار القصة القصيرة. أي أن الفكرة تفرض عليك القالب.. فأنا أكتب الرواية بنفس ما أكتب القصة. وبعض قصصي كنت أحاول أن أختصرها حتى لا تتمدد كالسرطان.. وحين تركت لقلمي الإبحار اكتشفت أنها الفكرة من تتحكم بالطول والقصر.

• لديك ما تريد أن تقوله بكل وسائل التعبير الممكنة، فما الملامح التى يمكن رصدها في مشروعك الحياتي الكتابي عموما والإبداعي بالذات؟

ـ تجربتي الحياتية متنوعة.. ففي طفولتي المبكرة.. قرأت في المعلامة (الكتّاب) أو الخلاوي. رعيت مع صبيان قريتنا الجمال في الشعاب المجاورة للقرية. وحين بلغت العاشرة سافرت مع عمي للدراسة في السودان (مدرسة قبطية) أهلية. هناك قضيت من الصف الأول إلى الثالث ابتدائي. ثم عدنا لأكمل المرحلة الابتدائية بمدينة يمنية (الحديدة) لأسافر من جديد خارج اليمن، إلى مكة وجدة كمغترب، قضيت عدة سنوات امتهنت بائع ثلج وبائع خضار. سنوات هجرة واغتراب. كنت فيهما أدرس بالمدارس المسائية حتى أكملت الإعدادية. انتقلت بعدها إلى المنطقة الشرقية في السعودية. هناك اشتغلت في مجال البناء.. ثم مقاول مباني.. لأعود وأكمل ما تبقى من تعليمي الثانوي في مدينتي (ذمار) التحقت بجامعة صنعاء كلية الآداب.. ثم واصلت الدراسات العليا تمهيدي ماجستير.. حضرت أطروحتي في التاريخ الحديث لنيل الماجستير. في الوقت الذي انتخبت في المجالس المحلية.. ثم رئيسا للمجلس المحلي بمديرتي.. ثم عضوا برلمانيا منتخبا.. ثم وكيل لأمانة العاصمة.

هذا التنقل والتنوع.. تنوع حياتي من الاغتراب إلى العمل في عدة أعمال.. أكسبني خبرة غنية، حين أكتب أجد معطيات وتجارب تثري كتاباتي.. إضافة إلى أني متعلق منذ وقت مبكر بالكتاب. أقرأ بشكل يومى بمتعة من تواسيه القراءة كعالم يبعدك عما هي عبثية الحياة. وأعتقد بأن الكاتب ينهل من تجربته الحياتية ومن قراءاته. ولذلك علينا أن نجعل الكتاب لصيقنا بشكل عضوي.

• المكان يكاد أن يكون سمة مشتركة لكل أعمالك.. لماذا المكان لديك حضوره قوي؟

ـ يقول الروائي العراقي شاكر خصبك – وهو علم من أعلام الجغرافيا – إن أعمالي الروائية يمكن أن نطلق عليها بالرواية الجغرافية. كما هي الرواية التاريخية. المكان يسحرني.. خاصة وبيئتي جبلية.. وتلك التضاريس تفرض تأثيرها على السكان.. فشخوص أعمالي دوما جبليين بحكم تضاريس اليمن وبالذات منطقتي التي تقع في أعلى قمم جبال السروات التي تبدأ من العقبة جنوب الأردن. وتمر بالساحل السعودي والحجاز لتصل إلى الذروة في الارتفاع في اليمن جنوب الجزيرة العربية. والمكان عندي أدرسه قبل أن أكتب عنه. أجمع معلومات عن مكوناته. حتى إذا ما أتيت للكتابة أعرف على أي أرض ينسج خيالي تلك الأحداث. وفي أي بيئة تعيش شخوص روايتي، بل إن المكان يصل إلى مكانة الشخصية الفاعلة في الرواية.

• ماذا يشغلك حتى تكتب.. هناك من النقاد من يلاحظ أن الدين وأسئلته الكبرى ما يلفت في أعمالك الروائية.. وآخر المرأة.. وقلة يقولون الحرية. فماذا تقول أنت؟

ـ الدين شاغلي.. ليس الدين الإسلامي بالذات.. بل الدين ذلك الفكر الذي جاء به البشر كي يسعدوا.. ليتحول إلى أداة للتسلط والقمع.. للفرقة والفتن والحروب.. الدين يكاد يكون محور أعمالي وهمي.. ومنه أدخل لأعالج قضايا الحرية وقضايا العدالة. وهنا تدرك أن الدين له صلة بما تعيشه المرأة من دونية واضطهاد وظلم، فالدين في كل المجتمعات البشرية لا يزال المحرك الأول. وأنا مهموم بذلك.

• يلاحظ كثرة رحلاتك ومشاركاتك خارج اليمن.. ماذا أضافت لك تلك المشاركات؟

ـ أن يدرك الكاتب أين يقف لا تكفيه القراءة.. أو الكتابة.. بل عليه أن يشارك محاضرا ومستمعا.. والملتقيات العربية خاصة في الجانب الإبداعي ربطتني بصداقات مع كتاب من مختلف الأجيال. أن تشارك وتستمع شي عظيم وأنا أسعى لذلك. وأن تهدي كتبك ويهدى إليك كتب. خاصة تلك الكتب التي لا توزع في كل الوطن العربي شيء كبير لتعرف بحق أين تقف قدماك.. لتواصل المسير.

• حلم الكاتب بترجمة أعماله إلى لغات أخرى.. ماذا يمثل لك ذلك؟

ـ هو حلم أن يصل نتاجك إلى أكبر عدد من البشر.. فإذا كتب الكاتب بغاية الكتابة ليس إلا فلمَ يكتب؟ وفي ظل قصور توزيع الكتاب على الكاتب أن يرعى نتاجه بعد الإصدار. أي أن يعمل على نشر كتابه ووصوله قدر الإمكان من خلال دور نشر وتوزيع – وإن كانت تلك الدور غير موجودة بالشكل المرضي – ومن خلال العمل على ترجمته إلى لغات أخرى. فالأدب في النهاية عمل إنساني علينا أن نعمل على انتشاره ومن ضمن ذلك الترجمة الحلم.

• أنت رحال فى البلاد العربية، رحال كإنسان وكمبدع، فكيف ترسم الخطوط العريضة للحالة الثقافية العربية؟ وأين تضع اليمن منها؟

ـ كما حدثتك.. أنا منذ طفولتي الأولى عشت في بيئات مختلفة.. وامتهنت أعمالا مختلفة.. وذلك زرع فيَّ حب التنقل والسفر.. البعض يهاب الفراق.. والبعض إن سافر يفكر من أول يوم بيوم العودة.. أرى أن المبدع وطنه كل بقاع الكرة الأرضية، مواطن عالمي.. ولذلك أعيش السفر ومتاعبه بمتعة لا أروع منها.. وأحب أن أتعرف على كل ما هو قديم وشعبي.. لا تبهرني المباني الزجاجية والخرسانية العالية.. أعجب بالمدن المزدحمة.. بكل ما له صلة بروح الإنسان.. الأسواق.. الأحياء القديمة.. المشغولات.. العادات والتقاليد.

والمشهد الإبداعي في الوطن العربي في تنامي مزدهر رغم أثر الدمار الذي يحدث لثقافتنا وموروثنا.. لكنني أرى الفن ينهض.. إبداعا كتابيا.. وتشكيليا وموسيقيا.. وإن كان هناك بعض ظواهر الإخفاق نتيجة لما يصنعه السياسي بغبائه. لكن الغد سيكون أروع من الحاضر.

اليمن حاضرها أفضل من ماضيها إبداعيا.. ولذلك أرى الغد أكثر انطلاقا.. فالرواية والتشكيل.. والنقد. أفضل اليوم من الأمس.. واليمن ضمن منظومة عربية وإنسانية تنشط.

وإن كان الموقع الجغرافي يؤثر.. لكن الوسائط في تقدم وعبرها سنتجاوز البعد الجغرافي.. وستصل إبداعات أكثر ممن نعرفهم.. وأرى المشهد اليمني أكثر ديناميكية وتطور.. فقط كيف نصل إلى أصدقائنا في الوطن العربي من مبدعين وقراء؟ وكيف يصلون إلينا؟

• يشكو كثير من المبدعين من النقد والنقاد سواء عدم الاهتمام أو عدم الفهم، فما علاقتك كمبدع بالنقد؟

ـ النقد في وطننا العربي كسيح.. وما نراه لا يعبر بشكل دقيق عما يمكن أن يكون.. وهو لا يوازي غزارة الإنتاج الإبداعي في الرواية والشعر والقصة.. والغريب أننا نرى كثيرا ممن بدءوا كنقاد ونجحوا في ذلك.. يحاولون كتابة الرواية.. أو الشعر.. والقصة.. فأرى بعض أعمالهم لا تليق بما وصلوا إليه فى مجال النقد ليظهروا كالمهرجين.. يحطون بتلك الأعمال الركيكة من وعيهم.. وكان الأفضل أن يمضوا في تخصصاتهم.. أن يؤسسوا لأنفسهم مكانة فيما يجيدون فعله.. لا أن يعيد الفرد صياغة نفسه بشكل مضحك.. هناك نقاد كانوا قد وصلوا إلى مرحلة متقدمة في مجال النقد.. بل والبعض أضحت لهم أسماء معروفة.. ليفاجئنا بتغيير جلده.. وتحويل ذاته إلى كائن مهزوز.. النقد رغم وجود أسماء قوية لم يصنع تيارات ومدارس عربية.. بل ظل صدى مشوها لما يعتمل في الغرب.. ولم يضع ألوانا.. عدا تلك الأسماء في المغرب التي تعمل على الاستفادة من اقترابها من المشهد النقدي في أوروبا وبالذات في فرنسا.. وإن معظمه صدى!

والصنمية.. أو تكريس بعض النقاد أو الأدباء كأصنام أدبية أساءت للنقد وللمشهد الثقافي في المشرق العربي.. ولذا يجب على النقاد أن يعرفوا أن لا إبداع متجدد دون نقد قوي.. فالناقد كائن خلاق يدفع للتجدد ضمن آله كبيرة.. وعليه أن يرى نفسه في هذا الإطار.

• يبدو أن المبدع والسياسي من الصعب التقائهما، من حيث أن الأول حالم بالمستحيل، والثانى متحرك مع الممكن، فكيف التقى الاثنان فى شخصك، وكيف أثر كل منهما على الآخر فيك؟

ـ وجدت نفس في البداية أكتب المقالة لم أكن أفكر يوما بالأدب.. العمل الحزبي جذبني.. جذبني بجماهيريته.. مع مرور الأيام اكتشفت بأن كل ذلك حرب طواحين الهواء.. العمل السياسي مقلق وفيه من الخبث تصل إلى درجة اللا أخلاق.. فيه من القبح ما يجعلك تكتب أدبا.. رواية “مصحف أحمر” بنت العمل السياسي.. وكذلك رواية “ظلمة” استفدت من تجربتي في العمل السياسي بشكل جيد.. الأدب نادرا ما يحرق أصابعي.. لكن السياسية حريق دائم.. خاصة في مجتمع تخالطه القبيلة.. فالسياسة شبيهة بأعمال المنكر.. والإبداع صلاة تمحو ذنوب السياسة.

ولذلك أكتب رواية الآن وقد شارفت على الانتهاء منها بصورة أولية وظفت فيها تلك المعرفة والتجربة في كواليس السلطة.. والكاتب عليه أن يستفيد من كل تجاربه ليحولها إلى أعمال إبداعية.

لقد نكأت جرحي بسؤالك.. وجعلتني أتأمل قبل أن أجيب.. فوجدت أني قد استفدت كثيرا مما عشته وأعايشه.. فالعمل في كواليس السلة ليس سيئا.. وعلى المبدع أن يحوله كما يحول غسيل الأموال.

• ما مدى تأثير ممارستك للعمل الثقافى كرئيس لنادى القصة اليمنى وعضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فيك كمبدع سلبا وإيجابا؟

ـ طبيعة العمل النقابي طبيعة جيدة.. خاصة في أوساط الأدباء.. ونادي القصة واتحاد الأدباء من أوجدني إبداعيا.. فأنت سنة بعد سنة تدرك بأنك تعايش أجيالا تفيد وتستفيد.. لا تشعر بما يعود عليك. لكن مع سيرك المتواصل في أيام تجمعك بأدباء وأديبات تدرك بعد حين كم ذلك جميل وخلاق.

ولذلك لا أرى إلا أن العمل في تلك المنظمات الإبداعية إيجاب وما السلب إلا نكران مني لفضل مكونات تلك المنظمات ولا أريد ذلك. والمبدع الحقيقي عليه أن يستفيد من كل لحظة يعيشها أينما كان بما يخدم مبادئه التي يعيش لأجلها ومن أجل إبداع يقدمه بشكل مختلف. أنا لا أستطيع أن أعدد مواطن الإيجاب لي كانسان وككاتب وسط زملاء من أعمار مختلفة. وما أنا فيه يرجع الفضل لتلك الحياة الثقافية.

أعيش سعادتي حين نلتقي لمناقشة ما علينا فعله.. أو أثناء تنفيذ ما خططنا له.. وأنت تعرف أن العمل طوعي في تلك المنظمات ولذلك يمنحني الرضا والسعادة. وتأثيره عظيم على المستوى الاجتماعي أو الثقافي.

• تبدو الحياة الثقافية اليمنية للمثقف العربى العادى وكأنها غير نشطة وغير فاعلة، حيث يمكن أن نعتبر اليمن دولة “هامش” ثقافى وليست دولة مركز كمصر ولبنان وسوريا مثلا، وحيث لا نعرف سوى اسمين أو ثلاثة يتصدرون المشهد ويخفون من خلفهم، فكيف تصف هذه الحالة؟

ـ أدباء مصر والشام والعراق الأكثر حظا في الانتشار.. لعدة أسباب.. منها: الموقع الذي يتوسط بين المشرق والمغرب وخاصة مصر.. فتوزيع الكتاب لا يصل الأطراف إلا فيما ندر.. وكذا نتاج الأطراف لا يصل. إضافة لظروف تاريخية واقتصادية.. فمصر والهلال الخصيب ناتج تلاقح حضارات.. وتمازج أعراق أدى إلى تمازج الثقافات.

اليمن موقعها هامش.. وكما هي دول الخليج خاصة عمان.. أو دول المغرب. وإن جدت معطيات جديدة الآن مثل إمكانيات لبعض الدول كما هي بعض دول الخليج.. وكذلك وسائط التواصل الحديثة بدأت تغطي تلك الفجوة الجغرافية.. فالمغرب اليوم لم يعد هامش.. وكذا دول الخليج.. والمركز لم يعد ذا قطب أحادي بل تعددت المراكز.. وزالت المقولة “القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ” ويمكننا أن نصيغ مقولة أخرى تناسب الوضع.

اليمن مرت بمصاعب وخلافات.. وعدم استقرار وما كان شبه انقطاع عن الساحة الثقافية العربية نرى بأن الأفق الثقافي يبشر بالخير من خلال عدة مؤشرات.

• ماذا تقترح لتجسير الفجوة الثقافية العربية بحيث نستطيع أن نتحدث فعلا عن مجتمع عربى واحد ثقافيا على الأقل؟

ـ نحمد هذا الأفق من المحيط إلى الخليج يقرءون بحرف واحد عكس بعض الشعوب.. خاصة محدودة العدد والمساحة.. وما يحصل الآن من حراك للتغيير إنما هو يصب في صالح الثقافة. فالعسكر الذين جثموا على صدورنا أكثر من نصف قرن استنفدوا أدواتهم. وعلى المجتمع أن يخلق آلية جديدة.. العسكر ساروا في خط معوج أفضى بهم إلى ثقتهم بأنهم يصلحون أن يكونوا ملوكا. أي أنهم تمكنوا من أن نسير في خط دائري نعود بعد خمسين سنة من حيث بدأنا.. وما حصل من تغيير إنما ناتج ثقافي ووعي متطور.

هذا ما سيعكس نفسه على الثقافة والمشهد الثقافي العربي.. فحسب ما ذكرت لك لم تعد الهوامش هوامش والمركز تناسخ إلى أكثر من مركز.

وأجزم ما حصل من تغيير ليس ثورة كما يعتقد البعض.. بل هي إرهاصات لثورة قادمة.. ثورة ليست بالرصاص.. ولا بالقتل.. ثورة الكلمة والحرية ثورة الدساتير التي تضمن حقوق المواطنة المتساوية.. ثورة الديمقراطية الحقة.. ثورة الوعي. لينتج استقرار حقيقي وانتعاش اقتصادي فعلي. هنا ستنتعش الثقافة والفنون.. وتنتشر في الوطن العربي نتاج المبدعين.. من خلال وسائط الاتصال وتعدد المنابر والملتقيات. الوطن العربي على مشارف عصر جديد لكنه لا يتحقق بين يوم وليلة.. بل خمس عشر عشرين سنة.

• حصلت على جائزة الطيب صالح، لكن لك رأى في حال الجوائز في عالمنا العربى؟

ـ هناك ما هو أكثر من قيمة من الجائزة.. صحيح أن الجائزة تفيد العمل من حيث الانتشار وكذلك العائد المادي للكاتب. لكني أرى التكريم الحقيقي هو ذلك التواصل بقرائك.. وذلك الاحتفاء بأعمالك من مؤسسات أكاديمية.. وغير ذلك من وسائل الاحتفاء بالعمل.

وكلنا يعلم أن الحكم على أي عمل في تلك المسابقات خاضع لسياسة الجائزة وتوجه أربابها ثم مزاج لجنة التحكيم.. فمثلا جائزة البوكر.. ستلاحظ بأنها تكرس لأدباء مجلس التعاون الخليجي.. بل وأعلن مؤخرا بأن لجنة التحكيم استثنت أعمالا لكتاب كبار كهدى بركات وواسيني الأعرج وغيرهم. وكلمة استثنت.. تعني الإقصاء.. ليفوز بها كويتي مغمور.. وقبلها سعودية مع كاتب مغربي مناصفة.. وقبلها سعودي.. ماذا يعني لك ذلك؟ وقس هذا على بقية الجوائز.. والحكم لك.

وأنا لا أنطلق في آرائي من منطلق ذاتي.. بل كقارئ.. أقرأ دوما الروايات الست التي وصلت إلى القائمة القصيرة لأجد أن هناك أعمالا قوية لكنها أقصيت. لصالح العمل الأضعف. ثانيا هناك في الوطن العربي مسألة حرب الهوامش والمركز.. فدول الخليج تود انتزاع المركز لتكون هي المركز بما لديها من قدرات مالية.. وأعتقد أن سلاح المال له الدور الأكبر الآن في الفساد الذي نتلمسه. فبقوة المال تركزت أبرز الجوائز في تلك الدول من: بوكر إلى العويس.. إلى الشيخ زايد….الخ.. لتتحول بقية الجوائز في الوطن العربي إلى جوائز هامشية سواء في قيمتها المادية أو المكانة المعنوية.. ونلاحظ أيضا كيف تخدم تلك الجوائز إعلاميا ما يجعلها تلفت انتباه الجميع.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى