زياد الأحمدية.. أتمنى لو كنت أعايش عصر سيد درويش

جوسيلين الأعور

يواصل زياد الأحمدية تقديمه ثلاثة أعمال فنيّة على مسرح «مترو المدينة» في الحمرا، وهي «هشّك بشّك» الذي ما يزال عرضها مستمراً منذ آذار 2013، و «بار فاروق» الذي بدأ في «مهرجانات بيت الدين» في العام الفائت، ثمّ نُقل عرضه إلى «المترو». كما أنّه يشارك في عرض ثالث هو عبارة عن حفلة للفنان عبد الكريم الشعّار تقام مرّة واحدة في الشهر، ويقدَّم خلالها أغنية واحدة لأم كلثوم، بكل مقاطعها ولوازمها الموسيقيّة. حول ذلك كله كان هذا اللقاء.

بعد ثلاثة أعوام ونصف عام، إلى ماذا تعزو استمراريّة عرض «هشّك بشّك»؟
ربّما لأنّه عرض «أوريجينال»، لا يشبه أي نوع من العروض المسرحيّة، فكرته مبنية على جو «الكاباريه» المصري القديم، والأغاني مستمدة من أعمال سيّد درويش، وأغاني الأفلام، وحتّى أغاني المسرح التي كان يطلق عليها حينها أغاني العوالم، وصولاً إلى أعمال السينما المصرية في مرحلة الستينيات من القرن الماضي، كل ذلك يقّدم بتوزيع موسيقي وإخراج بصري حديث وغير متوقّع حاملاً الكثير من الفرح والترفيه، بالتالي هو عرضٌ غنيٌ موسيقياً وبصرياً إلى جانب الأزياء والإضاءة. أظن أيضاً أن التجانس الكبير وغير المسبوق الذي يجمع أفراد العمل هو سبب رئيسي في الاستمرارية، بين الموسيقيين والممثلين والمغنيين والراقصة، والشغف الذي يجمعهم، وحبّهم الكبير لما يقدمونه هو عامل إضافي لنجاح العمل. بالإضافة إلى الإخراج بين المسرح والشاشات التي تعكس خلفيات مختلفة. وختاماً لا يمكن تجاهل نقطة مهمّة هي تقديم العرض موسيقى عربية حقيقية يندر سماعها في مكان آخر.

برأيك اليوم ألم يعد هناك موسيقى عربيّة حقيقيّة؟
هناك أعمال تقدّم التراث كما هو، من دون العمل عليه مسرحيا، أو أعمال لفنانين يؤدون أغاني شرقيّة، ولكن للأسف يخترقها الكثير من عناصر التشويه التي تؤذي الموسيقى. أقصد بالموسيقى الشرقيّة الحقيقية في «هشّك بشكّ» هي التناغم بين العود والكمان والأكورديون والإيقاع وطريقة الغناء الفريدة والصحيحة.

انحطاط فني
في مرحلة الانحطاط الفني التي نشهدها، هل يمكنك تحديد جمهور «هشّك بشّك»؟
أظن أننا بعد ثلاث سنوات ونصف سنة وصلنا إلى الجمهور كلّه على اختلاف الفئات العمريّة والثقافيّة والاجتماعية، وبرأيي أنّه عندما يتم تقديم عمل جيّد راق للناس سيروق لهم ويشاهدونه حتماً.

ما هي الأعمال التي تتابعها في خضم انشغالاتك؟
أتابع أعمال المؤلفين مثل عبد الله المصري، أحمد قعبور، مرسيل خليفة، زياد سحّاب، شربل روحانا، وأشاهد أيضاً الفرق الشبابيّة التي تقدّم أفكارها على مسرح المترو.

هل من نشاطات فنية تعمل عليها، إضافة إلى أعمالك المسرحية؟
أعمل على الموسيقى التصويرية لمسلسل لبناني يدعى «الشقيقتان»، من إخراج سمير حبشي، وإنتاج Eagle Films وبطولة نادين الراسي، باسم مغنية، رولا حمادة، جوزيف أبو نصّار، مازن معضّم وغيرهم من النجوم. نحن في مرحلة المونتاج، وهو المسلسل الرقم 16 لي.

في أي نوع من الأعمال الموسيقية تجد نفسك أكثر؟
أجد نفسي بالموسيقى عامة، فعلى المسرح الآلة الموسيقية تحكي أفكاري، وفي الاستديو التأليف يوصّل هذه الأفكار، حتّى ولو كان على الموسيقى التصويرية أن تلحق المشهد التمثيلي، ولكن في النهاية هناك الجملة الموسيقية التي تشبهني وتعبر عن ذاتي، إيقاعياً أو مقامياً أو نغمياً. كانت لي تجارب في السياق نفسه في السينما حيث الموسيقى التصويرية تكون في غاية الدقّة. في نهاية الأمر أنا موجود بكل مشاعري وأفكاري وجوارحي في كل مكان يقدّم موسيقى صحيحة.

هل يتعرّض الموسيقي الراقي للظلم؟
نعم، فسعادة الموسيقي الراقي تختلف عن سعادة النجوم الذين يغنون الإيقاعات الصاخبة، نحن نتوجّه بموسيقانا إلى جمهور يملك الثقافة والذوق الرفيع، ويتقن فن الإصغاء، لذا تجديننا حريصين في الاختيار، وباذلين مجهوداً كبيراً في كيفية تقديم العمل. هنا أشير إلى أنّ عروض المترو فيها مجهودٌ موسيقي ضخم جداً. الإعلام أحياناً ينصفنا، وأحياناً اخرى للأسف يسلّط الضوء على مكان آخر أو فنانين لا يستحقون أقل اهتمام.

زكي ناصيف
إذا أردت العيش في عصر موسيقي، أي عصر تختار؟
عربياً، أتمنى لو كنت أعايش عصر سيّد درويش من المرحلة 1900 إلى 1930. أما عالميا فأحب الكثير من المؤلفين الموسيقيين، وأظن أنّني أتمنى لو عشت في عصر الباروك مع جوهان سيباستيان باخ، هذا المؤلّف الكبير الذي ما تزال الموسيقى العالمية تغرف من أعماله القيّمة وأفكاره حتّى اليوم. كنت أتمنى لو رأيته كيف يعيش، وكيف يعزف، خصوصاً أنّه من أكثر العازفين مهارة.

كيف كانت أصداء حفلة زكي ناصيف في مهرجانات بيت الدين؟
سعدت كثيراً بأصداء الحفل ونسبة الحضور الكثيفة، حتّى أن التذاكر نفدت قبل العرض، كما شعرت بالفرح لأنني أشارك في حفلة تكريمية لفنان لبناني مميّز بألحانه، وشفافيّته، وروحه، وببراءته النادرة. أجد أنّ خطوة توجيه تحيّة له جميلة جداً من قبل إدارة مهرجانات بيت الدين، وكان لي الشرف أن أقف أيضاً إلى جانب زملائي في الحفل من غي مانوكيان، وإيلي العليا، وسمية بعلبكي، ورنين الشعّار، وجوزيف عطيّة. هم أصدقاء أعطوا الكثير على المسرح. الأصداء كانت إعلامياً وصحافياً وجماهيرياً ممتازة، ونأمل أن تستكمل هذه الخطوات مع فنانين آخرين في مهرجانات أخرى، مثل فيلمون وهبي، حليم الرومي، جورج فرح والكثير من المؤلفين اللبنانيين الذين يستحقون أن تعرف أعمالهم التي نجهلها، سواء من العاملين في موسيقى الأغنية، أو الموسيقى الكلاسيكية.

هناك قول إنكليزي يقول: وراء كل أغنية قصة، هل هناك أي أغنية تعبّر عن زياد الأحمدية؟
عندما كنت فتى في الثالثة عشرة من العمر، كنت أعزف على الأورغ الموسيقى الشبابيّة الرائجة. حينها طلب مني أهلي أن أظل أعزف هذه الموسيقى، ولكنهم تحدوني في أن أستطيع عزف مقطوعات أكثر صعوبة، وعندها اختاروا لي أغنية «النهر الخالد» لمحمد عبد الوهاب، ومنحوني وقتاً للتمرن عليها، أذكر أنني بقيت مدة أسبوع كامل أحفظها، ولم أكن حينها أقرأ النوتات الموسيقية. ومنذ تلك التجربة عرفت أنّه ينبغي ألا أقول «كلا» لأي نوع موسيقي، بل علي أن أحفظه وأفهمه جيداً، ثمّ أحكم عليه.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى