«الهودج» … وثائقي العرس المغربي

مبارك حسني

نحو ساعة تمتد كل حلقة من برنامج «الهودج» الذي يعرض على القناة المغربية الأولى، وهي فترة تتمدد بالعرض والطول لخصوصية المادة المقدمة، شأنها في ذلك شأن كل ما يتّصل بالثقافة في الجانب المتعلّق بالمعيش والموروث.
والهودج كما هو معروف، يعني ما تُحمل عليه العروس ليلة العرس، تلك الليلة التي تفصل ما بين حياتين وبين حالتين إنسانيتين. وهو عنوان ذكي لهذا البرنامج ورصد بالتفاصيل الدقيقة لهذه اللحظة كما هو رصد لما يسبقها بقليل وما يليها من أيام. هو عرض لاستعدادات الاحتفاء بالزواج وعرض للمتطلبات التي تحكمه. وهي تقاليد وعادات وسلوكيات موروثة ومتعاقبة منذ قرون، حافظت على دقائق مراحلها وكل ما يشكل فرادتها وخاصيتها.
الملاحظة التي لا يمكن إلا أن يبديها المشاهد، تتعلق بداية بإمكان استمرار برنامج تلفزيوني يتناول ظاهرة تبدو ظاهرياً لا تحمل ما قد يخلق التنوع والاختلاف اللازمين للوجود في برمجة تلفزيونية لا ترحم. لكنّ مشاهدة الحلقات الكثيرة التي قدمت الى حد الساعة تبيّن أنه نجح حقاً في منح المشاهد حفلة الزواج في حلة مغايرة في كل مرة. وهو يساهم ربما عرضاً في التأكيد الملموس لغنى وتنوّع المجتمع المغربي وتعدده. أولاً، بمناطقه المميزة بجغرافية خاصة من جبل وسهل وصحراء وبحر، والتي عرفت بروز لحظات تاريخية قوية ومؤثرة. كما أنها تتميز بوجود لغات محددة، عربية وأمازيغية، وبوجود تلاحم ما بين المعطى الإنساني العربي واﻷمازيغي والأندلسي والزنجي والعبري.
وطبعاً، تتأثر حفلات الزواج بالطابع المحلي والتاريخ المتراكم واللغة والعرق. وفوق هذا وذاك، يتم الزواج تحت تعاليم الدين وتبعاً للسنة المتبعة بحذافيرها.
وهكذا نشاهد في حلقة زواج مراكشي نَفَس الجنوب وجو مدينة عتيقة على أنغام الدقة المراكشية المعروفة، حيث العرس فرح بثقافة التاريخ واﻷسوار. وفي منطقة دكالة الخصبة، تسود اﻷهازيج البدوية المتناغمة مع اﻷرض والحرث والنسل، ما يجعل العرس طقساً من أجل استدرار النعمة. وفي مدينة أبي الجعد المتميزة بوجود مدينة عتيقة روحانية الطابع والسهرة وسط منطقة فلاحية بدوية، تكتسي حفلة الزواج شكلاً ممتزجاً من هذا وذاك. وفي الصويرة مدينة الرياح الدائمة، يتلون الزواج بتعدد الساكنة وتعدد ثقافتها. أما في وجدة، أقصى الشرق المغربي، فتحضر في العرس نفحات أغنية رقصة العلاوي الشهيرة والعادة المتأنية في الحرص على التفاصيل واحترام التقاليد.
هي نماذج فقط للتدليل على أهمية مشاهدة حياة بلد من خلال أحد أهم تجليات نشاطه المجتمعي الذي عنوانه التعدد. لكن الذي لا يلغي بتاتاً وحدة راسخة يبرهن عليها وجود علامات لا تتغير من قبيل دور المرأة المحدد في الاختيار والإعداد، ووجود الحناء في الشكل ذاته في كل ناحية، وعادة تناول الشاي، الخ
لكن الأهم أن البرنامج لا يُشاهد كتوثيق عن الـــزواج المـــغربي بطريقة عادية. فمعدته مليكة حاتـــم، صحافية قديرة ولها حضور ملحوظ في المجال الثـقافي. وهو ما ينعكس في تصور البرنامج الذي قبل أن ينشر مادته الرئيسية، يحرص على تقديم تعريفي عن المدينة أو البادية المختارة: تاريخها، إسهامها الثقافي والسياسي، خاصيتها التي تشتهر بها. ويتم التقديم بلغة أدبية منتقاة وصورية اﻷسلوب تجعل السامع يقترب أكثر ويهتم. كما أن الشكل المختار يعتمد على سيناريو مسبق بلحظات متنامية وسلسة مع مقدار من التوابل الدرامية. وهو من كتابة مخرجه محمد بن رمضان. كل هذه الأسباب تمنح لوحات غنية بالألوان الزاهية واﻷهازيج الطربية وحركات للرقص والفرح والانتشاء بلحظة نادرة في مشوار الحياة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى