«سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية».. رسالةُ سلامِ إلى العالم

وئام يوسف

كان حفلُ افتتاح «مهرجان سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية» بحقّ «رسالة سلام» كما هو شعاره. أصواتٌ قَدِمت من أنحاء العالم لتُبدع في شدوٍ استحقّ أن يصفه الفنان انتصار عبد الفتاح – مدير المهرجان – بأنه «قُدّاس صوفيّ كونيّ امتزجت فيه الأسطورة بالواقع لتؤكد تلك الأصوات على لحظة خاصّة ومتفرّدة، هي لحظة التواصل الإنساني وعمق مفهوم الأديان بمعناه الكوني».
بين القاهرة الخديوية (وسط البلد) والأخرى الفاطمية (قبة الغوري والقلعة) تُقام فعاليات الدورة التاسعة لـ «مهرجان سماع» برعاية من وزارات مصرية عدة كالثقافة والشباب والسياحة والتخطيط، ويشهد المهرجان عِناقاً بين روح الفن وعراقة التاريخ، خاصة أنه يتزامن بين اليوم العالمي للسلام 21 أيلول واليوم العالمي للسياحة 27 أيلول، بمشاركة 23 دولة جمعتها الموسيقا الروحية كلغة إنسانية عابرة للزمان والمكان ترتقي بمسامعنا إلى فضاءات لا حدود لها، بعيداً عن بشاعة الكون وعنفه.
ضيف شرف
وقد حلّت أندونيسيا ضيفة شرف المهرجان لكونها بلداً غنياً بالثقافات والتراث الموسيقي، بمشاركتيَن من فرقة «نونا أسري»، وفرقة «داعي الندا للإنشاد الديني»، إلى جانب مشاركة فرقة كورال الأطفال من المدرسة الأندونيسية بالقاهرة.
هي المشاركة الأولى لفرقة «ولاد شيّاد العيسوية» الجزائرية، حسب قول مديرها حاتم الشيّاد، مؤكداً لـ «السفير» أهمية المهرجان كمنصة روحية تعزز التواصل بين منشدي العالم. تأسست فرقة «ولاد شيّاد» عام 1995 وتُعنَى بالمديح على الطريقة العيسوية وهي طريقة مغاربية نسبة للشيخ محمد بن عيسى من مدينة مكناس، وله أتباع في أنحاء المغرب. يضيفُ مدير الفرقة «نقدم الأناشيد التي تتغنّى بخصال النبي والأولياء الصالحين دون الغوص في الشُركيات، متكئين على اللحن التقليدي الأصيل والكلمة المنتقاة والهادفة، نسعى دائماً لتأليف كلام جديد يؤسس لطريقة مدح جزائرية أصيلة».
«الشرقية للإنشاد الديني» واحدةٌ من الفرق المصرية التي شاركت في «سماع». وهي فرقة معتمدة لدى وزارة الثقافة تمثلها في العديد من المهرجانات المحلية والدولية، تختص بالمدائح التي تحكي قصة النبي محمد بالاعتماد على التراث الإسلامي، كما يقول أحمد أحمد عبدو أحد منشديها؛ مضيفاً لـ «السفير» «يمثل المهرجان طفرة جميلة في مجال الإنشاد الديني بين مصر والدول العربية والغربية، فثمة خيط موسيقي يجمع كل الفرق المشاركة يجسد الانصهار في مجال الحس الروحي لدى البشر، فالمتابع يستشعر الاتصال الروحي بين جميع المشاركين». من الصعيد المصري أيضاً قدمت فرقة «السباعية» لتقدم أداء خاصاً قوامه الإيقاعات التقليدية مصحوبة بالدفوف والرق، تأسست الفرقة عام 2008 وسعت لتقديم لون جديد للإنشاد الديني عبر قصائد تؤديها من تأليف مشايخ الطرق الصوفية.
مدائح وتسابيح
تُعتبر سوريا من البقاع التي صدحَت سماؤها بالتواشيح والمدائح والتسابيح منذ أكثر من ثلاثة قرون، برزَ خلالها منشدون لم تبرح أصواتهم الذاكرة لِما تميّزوا به من جمال وقوة في الصوت إلى جانب الدراية بالمقامات الشرقية وحُسْن مواءمَتها مع القصائد والتسابيح.
فليس غريباً أن تحلّ مُكرَّمة في المهرجان من خلال المنشد عبد القادر المرعشلي الذي دأب منذ تأسيس فرقته بداية ثمانينيات القرن الماضي على خطّ نهجٍ استثنائي يرتكز على أشعار ابن الفارض مجدولةً بالإيقاعات الحضارية المعاصرة، بعد ذلك جمع أعماله في ألبومات ما لبثت أن انتشرت في احتفالات المناسبات الدينية كالإسراء والمعرج وليلة القدر والموالد النبوية، ثم عمل على تطوير فرقته «الرضوان» التي أعاد تشكيلها في ما بعد برفقة أولاده الأربعة، فوشاها بألوان من الموسيقا الروحية التركية والخليجية، ومزجها ببعض الهارموني الغربي والأكابيلا. في حين أدخلت الفرقة مؤخراً الموشحات الأندلسية التي لم تؤدَّ بعد.
يستقر المرعشلي وفرقته في مصر منذ عام 2011 وقد حققت نجاحاً كبيراً، من خلال مشاركتها في العديد من الموالد والأفراح ومهرجانات الإنشاد الديني. إلى جانب عبد القادر المرعشلي يُكرِّم المهرجان الراحل الشيخ مصطفى اسماعيل 1905-1987 صاحب الصوت الذهبي الذي مزج بين عبقرية التلاوة وعلم المقامات الموسيقية، فاستحقّ ما قال عنه الدكتور سعيد بدوي أستاذ اللغة العربية وعلم الصوتيات في الجامعة الأميركية في القاهرة «لو أردنا أن نمزج علوم الموسيقا وعلوم القرآن كلها في معادلة كيميائية لكانت النتيجة صوت وأداء الشيخ مصطفى اسماعيل». أيضاً يكرم المهرجان الراحل فهيم جرجس رزق كبير مرتلي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ورئيس مرتلي وشمامسة الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية، والدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق.
تصوير فوتوغرافي
ضفة أخرى يقدّم فيها المهرجان ورشتين إحداهما للتصوير الفوتوغرافي تقدمها الفنانة أميرة بهي الدين بعنوان «سماع وثقافات الشعوب»، وأخرى للرسم يقدمها الفنان محمد عبلة، موضوع الورشة مستوحى من السماع وفنون الإنشاد. إلى جانب ذلك يحاول المهرجان إبراز جمال شارع المعز وقيمته التاريخية من خلال عرض منتجات تقليدية وشعبية (نحاس، خشب، خزف، فخار، خيامية) تقدّمها مراكز للحرف التقليدية تتبع الهيئة العامة لقصور الثقافة وهيئة تنشيط السياحة.
فعالياتٌ متنوعة أثرت مهرجان «سماع» إلى جانب أصوات تطرب القلب والوجدان مجسدةً قمّة الذوبان الروحي والإنساني ليكون الحبّ هو دنيانا وديننا، كما يقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي «أدينُ بدينِ الحبّ أنَّى توجهَتْ ركائبُه.. فالحبُّ ديني وإيماني».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى