سبهان آدم في «الآرت هاوس»: شفير الدّم

سامر محمد اسماعيل

 

لم يغادر سبهان آدم (الحسكة، 1972) دمشق على العكس من العديد من نجوم الفن التشكيلي السوري، بل واظب في مرسمه الكائن بشارع «العابد» على الرسم يومياً تحت القصف والقذائف، مُنجزاً عشرات الأعمال الضخمة عن الحرب ووحشيتها لتعرف طريقها إلى صالات جنيف ولندن ونيويورك. وهاهو بعد خمس سنوات ونصف من الاقتتال الدموي الدائر في بلاده، يعلن اليوم عن معرضه «لوحات جديدة» (آرت هاوس، 10 تشرين الأول – 10 تشرين الثاني) مُقدّماً ثلاثة وعشرين عملاً (أكرليك على قماش، مترين × متر وعشرين سم).
الأعمال التي كان آدم قد اشتغل عليها قرابة الأربعة أشهر، يأخذنا عبرها إلى ما يسميه: «شفير الدم» حيث المقطعيات اللونية الصادمة والخطوط التي تشبه الشرايين والأوردة لكائناته المتوحدة، مطوّحاً بنا إلى قلب عالمه الغرائبي الذي قال عنه الشاعر أدونيس في كتاب مشترك معه («دار فرغمان إديشن»، 2005) بأنه: «انفجار في أحشاء الفن العربي والإسلامي» لتعود كائنات هذا المصوّر الخاص إلى تقديم عاهاتها الأصلية كنموذج عن إنسان الألفية الثالثة، كائنات منغولية لطالما رممها سبهان بفيتاميناتٍ خاصة، كي تقوى على الحياة والحركة بعيون تبدو وكأنها تشخص نحو المجزرة، وبرؤوس منتفخة وقامات محدودبة تقدم كتلها المنعزلة في فضاء اللوحة.
قوة الخطوط وصراحتها في أعمال آدم تعيد إلى الأذهان تلك النزعة التعبيرية الغامضة لكل من (أيغون شيلي 1890ـ 1918) و(أوسكار كوكوشكا ـ 1886ـ 1980) لكنها في تجاربه هذه تكتسب شخصيتها من تنقيب الرسام المضني في ثنائية الوجود والعدم، مستلهماً مغزى تلك التصاوير من كونها ذات احتياجات خاصة، سواء على مستوى بينة اللوحة وعناصر توازنها، أو حتى من خلال الاغتراب عن المحيط وانزوائها المقيم خلف أزيائها المهرّجة وجلوسها أو وقوفها للعرض كموديلات مشوّهة ومنقطعة عن الخارج وضوء النهار، إذ تبدو أعمال التشكيلي السوري ملغّزة بطريقة تعكس نظرته الشخصية برؤية الواقع مائلاً وأكثر انضواء تحت يافطة الجنون والقبح الجماعيين.
الصدمة
الجديد في هذه الأعمال التي شكّلت صدمة في المحترف التشكيلي السوري منذ أول معرض لـ آدم عام (1994، معهد غوته)، هو القدرة على ترويض الأسلوب الذي أنتج (سبهانات) عديدة قلّدت أعماله وحاكتها عبثاً، من دون أن تتمكن من إعادة إنتاج طلاسمها رعبها البشري، حيث تتجسد قدرة عجيبة لدى صاحب «هرقل في المرحاض» على التنويع في مختبره العجائبي واشتغاله يوماً بيوم على ترميم بحثه المطوّل عن كائناته المصابة بالإعياء وفقر الدم المزمن، لتبدو في معرضه الجديد أكثر ميلاً لاسترداد طاقتها الأولى في مباغتة المتلقي ومداهمته بصرياً بحضورها المربك وعوَرها المفزع وتشويهاتها الولادية. هكذا يعيد الرسام الإشكالي دورة حياة مخلوقاته، منتقماً لصفاء جذورها البيولوجية الأولى، نحو إبداع ما يشبه حيوانية خلاقة، عبر سلالة لا تنتهي من مسوخٍ بشرية استمدت مشروعيتها من مناظر الحرب ومعجم التناحر المذهبي والطائفي والعرقي، فوق أرضٍ تبدو في راهنها المعاصر أكثر اهتزازاً وتفريخاً لمختلف أنواع القتل والخراب النفسي والمادي. جدلية الفنان واللوحة تعيد أيضاً مرافعاتها عن جدوى الكائن الإنساني كخليفة عن قوى الغيب، واحتكامه إلى أعتى أساليب العنف لإقامة حفلات قطع الرؤوس جراء احتكار النص للحقيقة، والذي جاء اسم الفنان هنا ضداً لها في ترجمة طريفة للكائن في «أحسن تقويم» لتصبح على نحو: «سبَّ وهان آدم».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى