فرويد والشعر

شاكر لعيبي

من بين من أهتمّ بهم فرويد من الكتّاب والشعراء يُذكر الكاتب السويسريّ كارل شبيتلر (1845 ـ 1924) الحائز «نوبل» عام 1919، الشاعر الألمانيّ فريديرك روكرت (1788- 1866). وهو أيضاً مترجم مقامات الحريريّ تحت عنوان «أطوار أبي زيد»، سوفوكلس، أريستوفان، هوراس، شيللي، أناتول فرانس، هوفمان. ويُذكر من المُفضّلين لديه من الشعراء شكسبير وشيللر وهاينه وغوته.
تقدّم دراسة الباحثة الفرنسية كلير باغيس «فرويد والمرجعية الشعرية»، تصوّراً عن علاقة فرويد بالفن الشعريّ وطريقة قراءته له، من وجهة نظر موصولة، بالطبع، بمرجعيات العالم النمساويّ ومعتقداته. في البدء هاكم هذا التصوّر الفرويديّ عن الشعراء: «أعتقد أن الشعراء يشتكون بأن روحَين اثنين يسكنان في صدر الإنسان، وعندما يتحدث المحللون النفسيون الشعبيون عن الصدع في أنا الإنسان، [فهم يتحدثون عن] هذا الانفصال الخارج من علم نفس الأنا، بين الإلحاح النقديّ وبقيّة الأنا اللذين [يقعان] في الذهن، ولا [يتحدثون] عن علاقة التناقض التي اكتشفها التحليل النفسي بيت الأنا والمطمور اللاواعي» (1916-1920)، وهو تصور عام وعريض بعد. سوف يشكّك فرويد في ما بعد بـ (علم النفس غير العلميّ) الذي يطبع كلام المبدعين، والشعراء على رأسهم: «ألم تلاحظوا أن كل فيلسوف وشاعر ومؤرخ وكاتب سيرة يصطنع علم النفس الخاص به، ويقدّم افتراضاته المخصوصة حول الاتساق وهدف الفعل العاطفيّ، المُغرية كلها بهذه الدرجة أو تلك، ولكن الخالية كلها كذلك من الدقة؟ ينقص بوضوح الأساس المشترك». ها هنا يبدو فرويد وكأنه يقترح منهجه على الشعراء الغاوين الهائمين، بصفته المنهج الأكثر صرامة ودقة.
لقد انتبه فرويد، قبل المنهج النقديّ النفسيّ اللاحق، المستند إلى التحليل النفسيّ، إلى عناصر تعزّز مفاهيمه وتوطّنها، فقد كان يجد في بعض الشخصيات المسرحية ـ الشعرية تأكيداً لمصطلحاته الجوهرية، مثل مفهوم المقاومة النفسية، كما في شخصية فالستاف في مسرحية شكسبير (هنري الرابع): «هذا الأمر متواتر أيضاً عند المرضى، حيث الحجج المسبقة، الحجج أيضاً شائعة كالعلّيق، لو تحدثنا مثل فالستاف، وكانت نفسها ولم تكن لتتغلغل عميقاً تماماً». وبشأن مفهومه عن الغريزة المطمورة غير المشبعة يستذكر فرويد شخصية ميفيستو في فاوست لغوته: «جميع التشكيلات البديلة وردود الأفعال، جميع التساميات لا تكفي لإلغاء توتره الملحاح، فالفارق بين لذة الإشباع المُلتقَى بها، واللذة الواجبة يَنْجم عنه عامل غريزي لا يسمح بالاستمرار في أيما وضعية، إنها اللذة حسب كلمات الشاعر (الجامحة الماضية قدماً)». وفي تحليله لقصيدة شيللر «حكماء العالم» عام 1795، رأى أن المقابلة بين (جوع) و(حب) تشتغل مثل مفتاح للإشارة إلى ثنائية (غريزة الأنا) و(الغرائز الجنسية)، يقول: «نستطيع وفق كلمات الشاعر أن نصنّف تحت (جوع) أو (حب) جميع الغرائز العضوية المشتغلة في أرواحنا».
الغريب أن فرويد لم يتعاطف مع السوريالية في الشعر، في الأقل وفق النسخة التي أُنجزتْ بها أشعار أندريه بريتون الذي أرسل لفرويد مجموعته (الحقول المغناطيسية) المكتوبة عام 1920. لعل الطابع التخيليّ لعمل بريتون، وكل طابع سورياليّ آخر، يقترب من تأويلات فرويد للحلم ولمجاهيل وغرابات اللاوعي. كيف لا يَفْهم فرويد، كما يقول نفسه بعبارة واضحة في إحدى رسائله لبريتون عام 1932، السوريالية التي تتأسّس بعض أصولها على المفاهيم الفرويدية عن الأحلام، حيث شغل كتابه عنها الأوساط التشكيلية وقامت عليها اللوحات، مثل أعمال سلفادور دالي، وقبل ذلك النصوص الشعرية؟ مفارقة من المفارقات التاريخية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى