خطاطة موصلية تذهل العالم بلوحاتها المزاوجة بين المعالم والخرائط والآيات القرآنية

أحمد الحاج

خطاطة موصلية شقت طريقها بإرادة لا تلين وواصلت الليل بالنهار لتخرج من بين أناملها لوحات مذهلة ليست كبقية اللوحات أدهشت المختصين وعشاق الخط العربي في أرجاء المعمورة.

تصدر وسمها عن مدينتها الجريحة، ام الربيعين، بمنارتها الحدباء وخارطتها المطرزة بدعاء النبي يونس عليه السلام “لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين”، مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية الأحداث الأليمة هناك.

خطاطة حظيت أعمالها بإعجاب المختصين وكبار الخطاطين والتشكيليين فضلا عن المتابعين. تميزت جنة بالخط على الخرائط الجغرافية ومعالم العراق ما شكل علامة فارقة في مسيرتها الواثقة فمن تكون:

• حصلت الشقيقتان الموهوبتان (فرح عزت وجنة عزت) على شهادة في الخط العربي من الخطاط التركي الكبير، حامد الأمدي، في إسطنبول أعقبه حصولهما على شهادة مماثلة من عميد الخط العربي، سيد إبراهيم المصري، ولما يتجاوز عمر فرح 13 عاما وجنة 10 اعوام، متى بدأت هذه الموهبة لديك وكيف تم صقلها لتنال إعجاب ورعاية عمالقة الخط في الوطن العربي؟

– والدي الراحل كان مولعا بالخط العربي وكان بيتنا يضم لوحات لعمالقة الخط أمثال حامد الامدي, كنت صغيرة لا أجيد الكتابة والقراءة الا انني ملت اليها وأحببتها الى درجة انني كنت أمسك الورقة والقلم واقلدها كأي لوحة رسم، لاحظ والدي عشقنا للخط فقرر أن يوجهنا التوجيه السليم واخذنا الطريق الى الاستاذ الموصلي “يوسف ذنون”، فكانت الانطلاقة من هناك, اضافة الى سفرات سنوية الى تركيا نتدرب خلالها على يد الخطاط حامد الامدي، وعندما بلغت العاشرة من العمر تأهلنا لنيل الاجازة من الامدي وسيد ابراهيم في مصر.

• انت القائلة “لولا استاذي الكبير الموصلي، يوسف ذنون عبدالله، في بداية مشواري لما وصلت الى ما وصلت اليه الآن، لأن التعليم الصحيح منذ البداية هو الأساس”، حدثينا قليلا عن تلكم المحطة المضيئة والتقدير العالي الذي منحه إياك كبير الخطاطين العراقيين بما لم يحظ به أحد سواك.

– فعلا كانت محطة مضيئة فلولا إضاءتها تلك الفترة لما ازداد بريق أعمالي اليوم، اعتبر نفسي محظوظة لأني عاصرت حقبة العم يوسف ذنون الموصلي. وكل من تتلمذ على يديه أعده محظوظا لأن العم يوسف عندما يعلم الخط فإنه يعلمه بكل أمانة وحرص وتفان وبعد مرور سنوات وفراق طويل معه بسبب الغربة, عاود ذاك الضوء لينير من جديد بحصولي على أعلى تقدير في تاريخ الخط العربي من العم يوسف, حيث لم يحظ بهذا التقدير العالي سوى العم يوسف والراحل هاشم الخطاط البغدادي من أمير الخط العربي حامد الامدي، ومن ثم انا والحمد لله وبهذا اكون قد حصلت على ثلاث شهادات في الخط من عمالقة.

وبعد ان منحني العم يوسف هذا التقدير العالي وانا في الخمسين الآن, وشاع الخبر, قال لي إن بعض الخطاطين طلبوا منه ان ينالوا هذه المرتبة وان يمنحهم ما منحني إياه, فقال لهم لن امنحها لأي أحد والذي يرغب بالحصول عليها فليأخذها من جنة!

• جنة الموصلية وفي سابقة من نوعها إتخذت من إحدى الجوائز التي حصلت عليها قلادة لا تفارق جيدها أينما حلت وارتحلت، ما السر في ذلك؟

– هي ميدالية وليست قلادة ومن شدة تعلقي بها وبالخط الذي يحتويها بخط ذنون الموصلي والتي حصلت عليها منذ طفولتي أحببتها جدا وعز علي رؤيتها وهي في محفوظة في صندوقها الى جانب ميداليات أخرى, فقمت بثقبها وحولتها الى قلادة ترافقني على الدوام.

• الأبعاد اللونية تشكل قاعدة أساس في لوحاتك المبتكرة، برأيك هل في المزج بين اللون والتشكيل والتعبير يكمن السر في حجم الإبهار الذي يشع من لوحاتك فيخلب الألباب أينما عرضت؟

– بصورة عامة أنا أركز على الحرف وقوته أكثر مما أركز على ممازجة الالوان, فتعبيري الوحيد هو قوة الحرف وكيفية صياغته لكي أعبر عنه كما فعلت في معظم لوحات الخرائط، ونظرتي إلى أعمالي لا تكمن في بهرجة الألوان بل ببهرجة قوة الحرف وقوة تركيبه داخل الشكل المطلوب.

• أكثر ما يشد الانتباه الى أعمالك تلك الممازجة الرائعة بين الآيات القرآنية والخرائط الجغرافية حتى أصبحت مدرسة بحق، ولعل من أشهر لوحاتك في هذا المجال، خارطة الوطن العربي التي خطت داخلها الآية القرآنية الكريمة “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”، إضافة إلى خارطة العراق التي يتوسطها دعاء أيوب عليه السلام، هل هذه مدرسة جديدة تفردت بها، أم انها حلقة وصل في سلسلة ابداعية سبقك اليها آخرون وسيواصل تقليدها لاحقون؟

– هذه مدرسة خاصة لجنة عدنان لم يسبقن أحد إلى فكرتها وأعدها أيقونتي وهويتي عبرت عنها بهذا الأسلوب لكي أطرح فكرا فنيا وأسلوبا متجددا له بعد آخر غير تقليدي ليكون انطلاقة يتتلمذ عليها الخطاطون، فالخرائط بحد ذاتها عبارة عن كراسة لخط (جلي الثلث) حيث تتوفر فيها كل أنواع ربط الحروف وأنواع التراكيب والجرأة في تركيبة الحرف ليقعد في محله داخل أشكال غير هندسية.

• أهم الجوائز التي حصلت عليها الخطاطة، جنة عدنان، في المحافل العراقية والعربية والدولية وأقربها بعد القلادة إلى قلبها النابض؟

– أهمها كردانة من الذهب الخالص قدمت لي قبل عام 2003 عن طريق السفارة العراقية خلال إقامتي تلك الفترة في دولة الامارات العربية المتحدة وهي معي حتى الآن وأعتز بها جدا (إذا ردي فيه تحسس بسبب الأوضاع السياسة الحالية فهذا ليس ذنبي) أنتم سألتموني وأنا أرد بكل مصداقية.

• الخطوط العربية انواع فهناك الخط الكوفي، خط النسخ، الخط الديواني، خط الرُّقعة، خط الثُلث، الخط الأندلسي، الخط الفارسي، ترى في أي من هذه المدارس أو الخطوط تجد جنة الموصلية نفسها؟

– أجد نفسي في أصعب أنواع الخطوط وهو (جلي الثلث) و(الطغراء) فمنذ صغري تأقلمت أناملي وعيني على هذا النوع الصعب والجميل جدا جدا، في ذات الوقت الذي أرى فيه خط (جلي الثلث) واحدا من أجمل الخطوط العربية.

• ماذا عن الخطوط السبعة الأخرى التي تندرج ضمن مدارس الخط العربي كخط الإجازة، المغربي؟

– اخترت منها خط (الطغراء) كونه خطا تربطه علاقة وطيدة بخط جلي الثلث فكل مخطوطاتي بالطغراء حروفها جلي ثلث أصلية.

• أي الأحبار والأوراق تفضلين في أعمالك؟ واي الأقلام تستخدمين، البلاستيكية، ام أقلام البوص المصري أو الصيني؟

– الورق الابيض الصقيل هو المفضل عندي وفي بعض الاحيان أضيف إليه بعض المواد أو الالوان من باب التجميل والتغيير, فأما ان أطليه بالقهوة أو بألوان بلاستيكية خفيفة أو بالحبر المخفف، أما القصب فأنا عادة ما استخدم القصب البني والأصفر ولا أستخدم الأقلام.

• ماذا يمثل لك هؤلاء ببضع كلمات “ابن مقلة، ابن البواب، هاشم البغدادي، محمد صالح الموصلي، صادق الدوري، روضان بهية، عبدالكريم الرمضان، جاسم النجفي”؟

– نجوم ساطعة في سماء فن الخط العربي.

وأقول للخطاطين العرب: الخط العربي أمانة في أعناقكم وليس لعبة في ايديكم.

يذكر أن الفنانة الموصلية خصت كل بلد عربي بخارطته التي تتوسطها آية كريمة تحاكي واقعه، بدأتها في أبريل/نيسان 2014 وانتهت منها في أبريل/نيسان 2016، خارطة العراق (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)، لبنان (كأنها كوكب دري)، فلسطين (ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين)، عُمان (جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا)، السودان (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ..)، جزر القمر (الله لا إله إلا هو)، الكويت (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين)، جيبوتي (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن)، موريتانيا (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، اليمن (لقد كان لكم في سبأ آية ..)، الجزائر (وأشرقت الأرض بنور ربها..)، الصومال (يسقون من رحيق مختوم)، البحرين (يخرج منها اللؤلؤ والمرجان)، تونس (وزيتونا ونخلا ..)، الأردن (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا)، المغرب (رب المشرق والمغرب وما بينهما …)، مصر (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا)، الإمارات (سورة الفاتحة)، ليبيا (ولا يؤوده حفظهما)، سوريا (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا)، السعودية (وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود).

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى