الحروفية المتقدمة في أعمال التشكيلي السعودي يوسف إبراهيم

محمد البدوري

يشتغل الفنان التشكيلي السعودي يوسف إبراهيم على مواضيع حروفية متقدمة بما تطرحه تشكيلاته الفنية من إشكاليات فلسفية مختلفة تصب في القيم الفنية والجمالية وقيم الحياة والآليات المتنوعة، فهو يتجه إلى مناحي دقيقة في صياغته الحروفية، سواء ما تعلق منها بالحرف في ذاته، أو بعمليات التركيب الخطي، أو بالتجريد أو بمختلف المناحي الأخرى. فالأشكال الحروفية التجريدية ومفرداتها حاضرة في غالبية الأعمال.
ويمكن القول بأن التشكيلي يوسف إبراهيم يمتح مقومات أعماله من أسلوب يتأسس على الحيادية والدقة العالية والتقنية الكبيرة في معالجة مختلف المواضيع، فهو ينتج أعماله الحروفية الفنية وفق التركيبات المتوالية والتداخلات المتزنة والمؤثرات الضوئية والوعي بمستويات اللون المطلوبة، التي تتناسب وتصوراته المعرفية ورؤاه الفنية وحسه الإبداعي وذوقه الرفيع. وهو بذلك ينطلق من الواقع الحروفي لينوع الأساس الفني بأسلوبه التشكيلي الذي يخدم رؤيته الممزوجة بلب المعالم الثقافية العربية الإسلامية، فيغوص في حضرة الفن الحروفي بكل مقوماته الحضارية والجمالية، حيث لا يكتفي باستدعاء المادة والاشتغال عليها؛ وإنما يتجاوز ذلك إلى كل ما هو حروفي تجريدي ورمزي وعلاماتي وتعبيري وإيحائي ودلالي، ليس من حيث شكله البنائي، وإنما بخلفية سنادية تدلل على وعيه بأعماق ما تكتنهه الألوان في المادة الحروفية بكل عناصرها ومفرداتها الفنية، وايلائه لها أهمية كبرى، سواء من حيث التكوين الجمالي الذي يرصد السمات العديدة التي تتوفر عليها أعماله الحروفية التشكيلية، أو من حيث صنع الإيحائية لديه، التي تنبني على التوازن وعلى عدة مقومات قاعدية تخص الفن الحروفي التشكيلي المعاصر. ويوظف لعمل ذلك النظرة البعيدة الثاقبة، بابتعاد عن التعقيد والمساحيق اللونية، وبقرب من التوظيفات الدقيقة لحاسته التي تظهر سحرية أدائه، فيكشف عما تخبئه أعماله من محمولات جمالية تزخر بالتأويل ذي الدلالات المفتوحة وفقا لما يعبر عنه بدقة عميقة من مسافات مختلفة، تتبدى للقارئ الذي لا يملك رؤيتها بذلك الشكل الدلالي.
وهذا يعد ملمسا جديدا وإبداعا مميزا في أسلوب الفنان التشكيلي الحروفي المميز يوسف إبراهيم الذي يزكي في أدائه الفني الحروفي العلاقة القويمة بين الإشارة الحروفية والموضوع وفق المرجعيات المنبثقة من الثقافة العربية الإسلامية، ومن الموروث الحضاري السعودي، ليشحن العمل بطابع رمزي ودلالي، يمكنه من تخليد مفردات المضامين التي يشتغل عليها في ارتباط وثيق بالمكونات الثقافية والمعرفية التي تؤطر العمل في جوهره، وتنم عن أفكار متجددة للمبدع إبراهيم يوسف، وخياله المنفتح على مستوى التكوين والإضاءة وهو ما يضع القارئ أمام أعمال تنطق بمعاني ودلالات متعددة، غنية بالإشارات في سياق وشائج قائمة بين ما تحمله المضامين والمادة الجمالية في علاقة ترسخ جانبا من التداخل بين كافة العناصر المكونة لأعماله بكل ما تحمله الإشارات من تشعبات دلالية وتأويلات تميز في عمقها الخطاب الحروفي التشكيلي، وما تكتسيه اللوحات الفنية من وظائف بنائية ودلالية تحيل لمجال جديد لوضع تمظهرات الخط العربي والحروفية العربية والتشكيل العربي وكافة المواد بعمق وفرادة في تصوراته، التي تعج بالإيجابية في التعبير عن العالم البديل. وهذا هو ما يبين الاتجاه الجاذب في أعمال يوسف إبراهيم التي تحمل فلسفة حروفية جديدة.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى