«الترجمة مشروعاً للتنمية الثقافية» تناسى قضيته

سلوى عبد الحليم

يتألف ثالوث الترجمة، بحسب جورج شتاينر من ثلاث مقولات: «الحرفية» و «الحرّية» و«الأمانة»، وهي المرتكزات الرئيسة للمؤتمر الدولي الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع المركز القومي للترجمة بعنوان دالّ «الترجمة مشروعاً للتنمية الثقافية». وخلال المؤتمر تم تكريم الناقد جابر عصفور مؤسس المركز القومي للترجمة، تقديراً للجهود الكبيرة التي بذلها في سبيل ترسيخ حركة الترجمة في مصر.
وقد يحيلنا عنوان المؤتمر، الذي وصفه مدير المركز أنور مغيث بأنه «يجاري روح العصر، ويتفق مع وضعنا وظروفنا السياسية»، إلى التساؤل حول الآليات التي تتيح بلوغ الهدف، وهو واضح في العنوان ذاته. واتسمت جلسات المؤتمر بالطابع الأكاديمي الصرف، فالجانب الأكبر من الأبحاث والنقاش حولها تناول فنيَّات الترجمة والإشكاليات التي تتعلق بمفاهيم مثل: الوفاء، والدقة، والدلالة والأمانة والخيانة، ومن ثم لم تتطرق غالبية المداخلات إلى موضوع المؤتمر.
«جئنا نفتح سِجِل الترجمة»، قال التونسي عبدالسلام المسدي في افتتاح المؤتمر. التعبير ذاته تمكن استعارته للكشف عن ماهية المهمة التي انحاز إليها المؤتمر. إشارة المسدي تضمنت كذلك أنه لا ينبغي التعامل مع الترجمة من حيث هي اختيار لغوي، أو عبور للدلالات والمقاصد من لسان إلى لسان آخر، أو خيار اضطراري بين غريبين وفقط، لكن أيضاً «من حيث هي جسر العبور للتنمية الثقافية»، وفق تعبيره.
ولكن أي جسر للعبور هذا بينما يؤكد تقرير للأمم المتحدة أن ما ترجمه العرب منذ عهد الخليفة المأمون وحتى مطلع الألفية الثالثة «لا يساوي ما تترجمه إسبانيا في عام واحد». في كلمته، أشار المسدي كذلك إلى ضرورة أن يحظى مثل هذا المؤتمر بمشاركة «صناع القرار»، وهنا تنبغي الإشارة إلى أن وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، اعتذر في اللحظة الأخيرة عن عدم تمكنه من حضور افتتاح المؤتمر أو أيٍ من جلساته، وتردد أن ذلك جاء إثر خلاف بينه وبين الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة أمل الصبان، وصل إلى حد توقُّع جريدة «أخبار الأدب» إقالة الأخيرة، «لأنها لا تنفذ قرارات الوزير وارتكبت مخالفات إدارية». وذهب المسدي إلى أن «التخلف السياسي هو وليد التخلف المعرفي، والترجمة ليست ترفاً ولا بذخاً، وينبغي النظر إليها بوصفها من المشاريع الكبرى التي يجب أن تلقى الدعم والمساندة». وتحدث «شيخ المترجمين المصريين» محمد عناني عن خلل مصطلح «الترجمة العلمية»، لجهة التركيز على أنه يعني «ترجمة العلوم الطبيعية»، وكأنما «العلوم الإنسانية» لا تتصف بالعلمية، «وهذا خطأ تاريخي فاحش ينبغي العمل على تداركه»، وفق تعبيره.
ولاحظ المترجم السوري ثائر ديب أن العرب فاتهم أن يترجموا الكثير من أمهات الكتب المهمة، «وهذا دور الدول التي بات وجود كثير منها محل شك». وأوضحت المترجمة الإيطالية أدا بربارو، كيف أثارت أعمال الرواد الأوائل جدلاً بين مؤيدي الترجمة الحرفية وأنصار الترجمة بتصرف، «وهي القضية التي لا تزال مطروحة حتى الآن».
وأشارت إلى أن مَن يهتم بالترجمة من لغات أجنبية إلى اللغة العربية، لا يزال ينظر إليه على أنه «متفرنج». وأعتبرت بربارو أن أعمال الخيال العلمي في الأدب العربي «لا تزال غير معروفة تماماً في العالم الغربي». ورأت أن اللغة العربية «تواجه تحديات في سعيها لإيجاد مفردات جديدة ومناسبة للتعبير عن مفاهيم مرتبطة بالتكنولوجيا ومنبثقة منها ولا غنى عنها في أدب الخيال العلمي». ابتعدت الجلسة الخامسة من الطابع الأكاديمي النظري، فعرض المشاركون فيها، وغالبيتهم من الشباب، لـ «تجارب واقعية وعملية في مجال الاشتغال بالترجمة». ووصف المترجم طلعت الشايب الأبحاث التي ناقشها المؤتمر بـ «البعيدة تماماً من عنوانه». وقال المترجم السوري بدر الدين عرودكي إن اعتقاد البعض بأن الترجمة تقتصر على المعرفة باللغة والقاموس هو «أمر قاصر وخاطئ»، وأن ما يطلق عليه «أمانة الترجمة» هو «أمر يصعب تحقيقه».
وأوضحت المترجمة مي شاهين أن الترجمة تعتمد على دقة فهم النص الأصلي وملابساته ثم الأمانة في التعبير عن مغزى هذا النص، في حين يقوم العمود الأخلاقي الثاني على أساسين هما السلاسة والبلاغة، «فبلاغة نصٍّ ما تعتمد أساساً على مدى سلاسته وقدرته على إيصال المعنى بسهولة ووضوح».
وتساءل المصري سعيد توفيق: «هل يركن مترجم النص الفلسفي إلى الدقة البالغة على حساب المعنى المضمر ودلالته الجمالية، أم أنه يحافظ على الدلالة الجمالية على حساب دقة المعنى كما تطرحه اللغة؟».
وفي كلمة عقب تكريمه، قال مؤسس المشروع القومي المصري للترجمة الناقد جابر عصفور: «لم أكن لأجرؤ على تقديم مقترحي بإنشاء مركز قومي للترجمة في مصر إلا بعد الانتهاء من مشروع (الألف كتاب)، وينبغي القول هنا إن الأمر اتخذ سبيله إلى التنفيذ بفضل تحمس السيدة سوزان مبارك لفكرتي».
واستطرد قائلاً إنه مع ذلك «نادم» على قبوله منصب وزير الثقافة في حكومة تشكلت قبل أيام من تخلي الرئيس حسني مبارك عن الحكم تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية العارمة التي اندلعت بدءاً من 25 كانون الثاني (يناير) 2011. وأضاف: «نخوض معركة هائلة ضد الإرهاب، والغباء والتعصب الديني، والاستنارة هي السبيل الوحيد للمواجهة، وهي لن تتحقق إلا باستخدام سلاح الثقافة من ناحية، وسلاح الترجمة من ناحية أخرى».
ويشار هنا إلى أن عصفور خضع أخيراً لتحقيقات قضائية بتهمة «إهانة النيابة العامة»، على خلفية مداخلة له في ندوة نظمها المجلس الأعلى المصري للثقافة، حول «القوانين المقيدة لحرية التعبير»، وذلك بعد أن نشرتها صحيفة قاهرية بعنوان مثير.
وفي ما يشبه الرصد لواقع الترجمة في مصر والعالم العربي، قال مقرر لجنة الترجمة في المجلس الأعلى المصري للثقافة محمد حمدي إبراهيم: «إن الحضارة العربية الإسلامية شهدت حركة للترجمة قلَّ أن يوجد نظير لها، ومن الغريب أن يكون هذا هو ماضينا ونعجز عن مضاهاته في أيامنا الحاضرة، على رغم التقدم الهائل الذي نحيا في ظله ونتمتع بثماره».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى