تحية إلى مقصود والمجذوب.. و«المترجم ليس إلا مترجماً»الترجمة

من البيئة وقضاياها إلى علوم الايزوتيريك، ومن تذكر الراحلين الكبيرين كلوفيس مقصود ومحمد المجذوب إلى عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، مرورا بالشعر وشؤون الدولة ومضي 150 عاما على إنشاء الجامعة الأميركية في بيروت، وغيرها من الموضوعات المتنوعة، دارت محاضرات ونقاشات في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في اليومين الماضيين، لتفتح آفاقا أمام مستمع جاء خصيصا ليحضر ما كان يبحث عنه، أو أمام عابر شدّته كلمة، فاتخذ مكاناً كي يمضي في رحلته مع الكلمات.
رحلة رواها الزميل طلال سلمان حين استعاد علاقته مع كلوفيس مقصود ـ في ندوة تكريمية استذكارية لمقصود ومحمد المجذوب، (قدم لها فادي تميم) ـ التي استمرت كل ليلة عبر اتصال هاتفي يبدأ بالسؤال عن الأوضاع ولا ينتهي مع انتهاء المكالمة فهذا «الأممي» كان مسكونا بقضايا أمته وبقي يدافع عنها حتى لحظاته الأخيرة، فهو «أمة في رجل، هذا الكاتب، الباحث، الخطيب المحاضر، المناقش حتى إفحام المجادل، بعد الوقائع بالنكتة القاضية».. معتبرا أننا جميعنا.. نحفظ لكلوفيس مقصود، قبل مواقفه الوطنية ـ القومية ـ الإنسانية، وبعدها، صورة المثقف العربي الكوني، الكاتب، المحلل، الخطيب، المفوّه وباللغات الحية جميعاً».
ثمة قاسم مشترك يتقاطع مع مقصود في سيرة محمد المجذوب، إذ كرّس بدوره ثقافته العالية للدفاع عن قضايا أمته، إذ كما أشار صلاح دباغ في كلمته (التي ألقتها عنه نشأت الخطيب) أن الراحل «كرس علمه الوفير في القانون الدولي العام لاظهار الحق العربي في فلسطين وبطلان جميع المزاعم الصهيونية. فبيّن وحلّل بالحجج القانونية أن وعد بلفور هو وعد باطل لأنه أعطى الغرباء عن فلسطين الحق في وطن لا حق لهم فيه وعلى حساب أبنائه المواطنين العرب. وبيّن عدم قانونية قرار التقسيم، فضلا عن عدم قانونية اقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة».

بورديو
مثقف آخر من طراز رفيع «حضر أيضا إلى البيال»، الفرنسي الراحل بيار بورديو، عبر ندوة عن كتابه «عن الدولة» الذي ترجمه إلى العربية فريديريك معتوق. فبورديو «أحد الفاعلين الأساسيين في الحياة الثقافية والفكرية الفرنسية، وأحد أبرز المراجع العالمية في علم الاجتماع المعاصر» مثلما وصفه أحمد مفلح، ومن دراساته المتميزة «عن الدولة» الذي اعتبر فيه أن «الدولة نوع من التوهم الاجتماعي غير الوهمي.. لذلك نشعر بالاغتراب عندما نطلع عليه فيما نعيش بدولة خلدونية» على قول مترجم الكتاب، الذي عارضه نصير مروة معتبرا أن ليس للمترجم، وهـو هنـا عينٌ لا مجاز، أن يفتي في محفلٍ كهذا حول علم اجتماع بورديو، ولا أن يحاول ترسم الفلسفة التي تبرره أو تمليه… فالمترجم هو المترجم ليس إلا».
وبعيدا عن الشعر، عودة إلى «واقع الحرب» التي عرفناها مع كتاب «ماذا بدّلت الحرب في لبنان» الذي أعده حمزة عبود (وصدر عن «غوايات») شارك فيها انطوان حداد، محمد علي مقلد، علي نسر، وقدمها عماد خليل الذي أشار الى أن معظم الدراسات الفكرية والسياسية في الواقع اللبناني اتجهت الى الاهتمام بالأسئلة التي جعلت من الحرب الأهلية في لبنان واقعا دموياً وعنفياً، بينما وجد علي نسر أنه على الرغم مما تلتهمه الحروب الا أنها.. «تشكل بؤرة كتابية في غاية الأهمية اذ شكلت مفصلا تاريخيا وأصبحت حدثا لا يقل أهمية»..
من ناحيته اعتبر حداد أن جرح الحرب لا يزال مفتوحا وما زالت مفاعيله حية تتناسل داخل الجسد اللبناني في صراع لم يتوقف بين نزعة التفكك والتشظي والاستغراق في توكيد الهويات الفرعية (خصوصا الهوية المذهبية). بينما تحدث مقلد عن تجربته بعد نهاية الحرب بمراحلها الأولى مع الطائف حين كان منتميا الى الحزب الشيوعي اللبناني، ليخرج بخلاصة تقول إننا كسائر القوى اللبنانية يمينا أو يسارا كنا من دون استثناء نتصرف وكأن الدولة اللبنانية غير موجودة»..

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى