أسبوع الكوميكس في مصر: الهجرة ومأساة العالم المعاصر

وئام يوسف

فن الكوميكس ليسَ مجرد صورٍ متتابعة مرفقة ببالونات تحكي قصتها، بل هو أسلوبُ تعبير مفعمٌ بالقيم الفنية والجمالية التي تجعله يتأثر ويؤثر بباقي الفنون. V» «for vendetta اسم فيلم لا يغيب عن الأذهان، خاصة أنه يحكي التمرد على الظلم والاستبداد، هذا الفيلم هو بالأصل قصةٌ مصورة للمبدع البريطاني آلان مور تحولت إلى فيلم بات بطله رمزا للمقاومة، محمد البعلي مؤسس «أسبوع الكوميكس» في مصر يأمل أن تصل إمكانات السينما المصرية لدرجةٍ تسمح بعرض أفلام مستوحاة من فن الكوميكس وأخرى معدة بتقنية الإنمي، وأكد في افتتاح الدورة الثالثة لـ «أسبوع الكوميكس» أن هذا الفن أصبح أكثر تداولا بين الناس من خلال زيادة الفعاليات الفنية المهتمة به إلى جانب زيادة عدد إصداراته في السوق.
اتسع النطاق الجغرافي لـ «أسبوع الكوميكس»، هذا العام (5-10 كانون الأول)، شاملا محافظات أخرى غير القاهرة، هي الإسكندرية، الغردقة، الفيوم، أسيوط، في فعالياتٍ تنوعت بين حوارات ومعرض وإصدارات، جمعتها تيمة الهجرة كقضية يطرحها الأسبوع ويناقش فيها أعمال فنانين مصريين وعالمين قَدِمُوا من 7 دول هي النمسا، سويسرا، لوكسمبورج، الدنمارك، فنلندا، ألمانيا، إضافة لمصر. تدعم الفعالية جهات عديدة منها مؤسسة الحوار المصري الدنماركي، المؤسسة الثقافية السويسرية، ومعهد غوته، مؤسسة روبرت بوش، والسفارة الفلندية، ومنتدى الثقافي النمساوي وسفارة النمسا.
الفنان الألماني تيتوس أكرمان شهد تدفق اللاجئين إلى بلده مؤخراً وقد توزع قسم منهم في الأرياف، ففاقت نسبتهم في بعض القرى 30%، الأمر الذي اعتبره قلقا على الطرفين ـ اللاجئين والسكان المحليين ـ ما دفعه لتأليف إصدارٍ مصور يتحدث فيه عن أحوال اللاجئين وكيفية التعامل معهم، محاولاً توضيح بعض المفاهيم المتعلقة بصورة اللاجئين، ويعرّج على القلق الذي يولده عدم تنظيم شؤون اللاجئين وزيادة عددهم. حقق الكتاب صدى جيدا في ألمانيا لدرجة أن الاختصاصيين الاجتماعيين باتوا يستخدمونه في عملهم مع اللاجئين.
تيتوس أكرمان هو عضو مؤسس ورئيس تحرير مجلة الكوميكس «Moga mobo»، إلى جانب تصميمه شخصياتٍ لدى العديد من المجلات والوكالات الإعلانية، أيضا طوّر شخصية «أولى» المشهورة في كتب الأطفال، فاستأهل العديد من الجوائز في ألمانيا والعالم، وله تجربة ثرية مع فن الكوميكس في العالم العربي حيث قدم ورشاً عديدة في لبنان والجزائر كما اطلع على إصدارات عربية من بينها مجلة «توك توك» المصرية. أكد تيتوس أن الثقافية العربية غنية بالفن الهزلي ولديها مخزون حكائي يقدر فن الكومكس أن يستوعبه بشكل يضاهي دول العالم، لافتا إلى الفجوة الحاصلة بين العرب والعالم الغربي وأهمية فن الكوميكس في ردم هذه الهوة من خلال سعي الفنانين عبر العالم في رسم صورة عن حياة أوطانهم وتصديرها لباقي الدول.
على عتبة أخرى لأسبوع الكوميكس أطلقت دار صفصافة إصدار كوميكس تحت عنوان «معبر حدودي»، كتابٌ مصور ناتج عن جهود مشتركة لفنانين من مصر وألمانيا وسويسرا وفنلندا، ست قصص مصورة تحكي بأساليب مختلفة مكابدة اللاجئين في رحلة البحث عن حلم العيش الأفضل. الفنان الفنلندي فيلا تيتافايني شارك في الكتاب في عرض لكتابه «الأيدي الخفية» الذي يختزل فيه أوروبا في عيون مهاجر غير شرعي، استغرق إصدار كتاب تيتافايني خمس سنوات سافر خلالها إلى المغرب وإسبانيا ليلتمس ما يعيشه المهاجرون والمصائر التي يواجهونها، ترجمت الرواية إلى خمس لغات من بينها العربية، يقول تيتافايني «أريد أن يقرأ الجمهور قصتي من وجهة نظر مهاجر، أن يرى بعينيه، رغبت أن يتعاطفوا معه أملا أن يفهموه قليلا، الفهم على المستوى العاطفي هو أهم شيء يمكن أن تقوم القصص الخيالية بتوصيله».
الفنان المصري محمد وهبة الشناوي شارك في أسبوع الكوميكس من خلال لوحات تخللت المعرض إلى جانب قصته في «معبر حدودي» التي يحكي فيها مأساة «علي» أحد شبان حادثة رشيد ـ قبالة سواحل مدينة رشيد 21 أيلول 2016 ـ خسر علي والديه في عرض البحر بعد غرق مركب غير شرعي كان يقلّهم إلى إيطاليا.
الهجرة قضية جدلية وأزلية بحكم طبيعة الحياة واستمرار مشاكلها التي تدفع للهرب، يؤكد الشناوي مشيرا إلى أن «معبر حدودي» جمع بين رؤى فنية مختلفة يربط بينها خيطُ الهجرة وما يتعلق بها من معاناة وتحديات وآمال. يضيف للسفير أن فن الكوميكس وسيلة تعبير من خلال الصورة التي تمثل وتحتوي كل شيء، وقد حقّق وثبة جيدة خلال السنوات الأخيرة «من خلال إقامة العديد من الورش والمهرجانات والمعارض المرتبطة بالكوميكس، أيضاً بدأت الغرافيك نوفل «كتب مصورة» تصدر في مصر، كان آخرها قصة مصورة صدرت نوفمبر الماضي عن حياة الشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس الذي ولد وأمضى حياته في مدينة الإسكندرية».
يؤكد محمد البعلي مؤسس أسبوع الكوميكس ومدير مؤسسة صفصافة للنشر أن فن الكوميكس بات أكثر اتساعا في المشهد الثقافي المصري، بدليل الفعاليات المستمرة حوله من ورش ومهرجانات وندوات، إضافة إلى زيادة منتجاته وإصداراته في السوق، لافتا إلى التلكؤ الذي ما زال يربط الكوميكس بالسوق «المشكلة أن علاقة الكوميكس بالسوق تطور بشكل بطيء، لأن طفرة نمو الكوميكس تتزامن وفترة يعيش فيها سوق الكتاب أصعب أوقاته، متأثرا بالقلقلة الاقتصادية والسياسية والحروب وتدهور أسعار النفط وتغيرات الدولار، كل ذلك ألقى بثقله على سوق الكتاب وعلاقته بفن الكوميكس». يأمل البعلي أن تحقق هذه الفعالية خطوة أخرى في تقدم فن الكوميكس، على اعتبار الصورة أصدق اختزال للحياة والواقع، وأرفع القيم الفنية والجمالية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى