الدعم الرسمي للسينما المصرية… مشوار الألف ميل؟

كمال القاضي

قرار دعم السينما المصرية رسمياً من جانب وزارة الثقافة، أو بالأحرى من جانب الدولة متمثلة في وزارة الثقافة، أكد حلمي النمنم وزير الثقافة تفعيله قبل عدة شهور، وكان من المنتظر أن تكون هناك ترجمة فعلية لهذا الكلام أثناء انعقاد الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي، باعتبار المهرجان مناسبة تختص بهذا الأمر، ولكن ما حدث لم يكن سوى إعادة لطرح المشكلات ومناقشتها مجدداً، ضمن ما يسمى بحلقات البحث.
وفي النهاية انقضت الاحتفاليات وخرج المهرجان بتوصيات وعادت الحياة سيرتها الأولى، فلم يتحقق شيء ملموس على أرض الواقع يؤكد جدية الكلام عن الدعم المزعوم، فلا تزال كل الوعود معلقة، حيث تشير البوادر إلى أن معوقات تنفيذ قرار مجلس الوزراء أقوى من آليات التنفيذ.
الغريب أن مؤتمر الشباب الذي عًقد مؤخراً عرج بدون مناسبة على أزمة السينما، حيث تقدم أحد الشباب المشاركين بمشروع لإنقاذ الصناعة السينمائية، طارحاً فكرة الاعتماد على الدولة بشكل أساسي في عملية الإنتاج، للحيلولة دون تمكن شركات القطاع الخاص من فرض ذوقها الرديء على الجمهور، والتحكم في سوق الإنتاج والتوزيع، وقد علل الشاب المتحمس ذلك بطغيان اللون التجاري المسف من الأفلام على الساحة السينمائية، وبغض النظر عن صحة ما يقول من عدمه لم يقدم صاحب المشروع الذي هو أقرب إلى الاقتراح منه إلى المشروع دراسة تفيد بكيفية قطع الطريق على القطاع الخاص، بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الحكومي المتميز، حيث لا يتسنى للدولة محاربة الذوق الهابط إلا بخلق مشروع سينمائي بديل يتبنى فكرة الإنتاج على أسس تنموية مدروسة، تستهدف عملية التثقيف في ضوء ما يقدم من مصنفات فنية سينمائية مغايره لما هو مرفوض ومفروض من شركات القطاع الخاص.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحجيم إنتاج القطاع الخاص سيؤدي إلى انخفاض معدل إنتاج الأفلام بشكل عام وتعطيل السوق، لأن معالجة الأزمة في المستوى ليست هي كل المشكلة وإنما هي جزء منها فقط، لأن هناك أبعادا أخرى للقضية تتمثل في عدد العمالة المشتغلة بالصناعة وعدد دور العرض والإستوديوهات وعدد المعامل، فضلاً عن البطالة التي ستنجم عن تخصيص مصدر واحد للإنتاج باحتكار الدولة للإنتاج وغلق الأبواب في وجه القطاع الخاص بدعوى ترقية الذوق العام.
إن مشكلة من يهاجمون مؤسسات الإنتاج بالقطاع الخاص تكمن في تصورهم بأن بإمكانهم حل أزمة السينما بمجرد إنتاج فيلم أو فيلمين أو عشرة بمستوى جيد، لأنهم يختصرون الأزمة في المسألة الأخلاقية ويعتقدون أن السبكي وأشباهه هم أصل المشكلة، مع إن السبكي على سبيل المثال أنتج أفلاماً بعضها تجاري وبعضها متميز، وكلها ساعدت على تنشيط الحركة السينمائية وحافظت على الصناعة من الانهيار، ولعلنا نذكر أفلامه المهمة «الفرح» و»كباريه» و»ساعة ونص» وأخيراً «الماء والخضرة والوجه الحسن» للمخرج الكبير يسري نصر الله.
والاستشهاد بأفلام السبكي هنا ليس من قبيل الدفاع وإنما يأتي في سياق الحكم الموضوعي على بعض تجاربه الجيدة، وربما يحضرنا في هذا المقام المشروع الذي كانت تنتوي تنفيذه وزارة الثقافة في فترة أسبق من فترة الوزير حلمي النمنم، حيث أجريت محاولات للاتفاق بين جهاز السينما التابع للوزارة والسبكي لإنتاج أفلام مشتركة تتوافر فيها شروط الربح وشروط الجودة والمستوى الراقي، ولكن نظراً لتغير الظروف وإقالة الوزير صاحب الاقتراح توقف المشروع وتغيرت الخريطة.
ما نود أن نقوله ونوصي به إن جاز لنا أن نوصي بشيء هو عدم استسهال المشكلة وضرورة النظر إليها من جميع الزوايا على أن لا يتم إلقاء التبعات كلها على أطراف معينة باتهام بعض شركات الإنتاج بأنها السبب وراء الانهيار الفني والأخلاقي لأن هذا يعني الهروب من جذور المشكلة والتركيز في الجوانب الفرعية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى