فرقة أميّة.. ما تبقّى من الرقص السوري

 

سامر محمد اسماعيل

لم تُبقِ الحرب السورية الكثير من فرق الرقص الشعبي داخل البلاد، فمع اقتراب نهاية العام السادس من الاقتتال الدائر، تكاد تكون حصيلة ما ظلّ على قيد الحياة من هذه التجمعات الفنيّة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. نقص فادح تحاول اليوم «مديرية المسارح والموسيقى» في «وزارة الثقافة» تفاديه عبر إعادة إنعاش فرقة «أمية للفنون الشعبية» التي تأسست عام 1960، وحققت منذ الستينيات حتى مطلع التسعينيات حضوراً ناصعاً في مهرجانات عربية ودولية. وقتذاك كان لحضور «مهرجان بصرى» دوره الرائد في تصدير التراث الحركي الراقص للسوريين على اختلاف مشاربهم الثقافية والإثنية، لكنه اليوم ومع سيطرة التنظيمات الإسلامية الراديكالية على مسرحي تدمر وبصرى الشام وهجرة العديد من الفرق الشعبية، تصير الحاجة ملحة لإعادة الروح لفرقة تقدّم معظم راقصيها وراقصاتها في العُمر، ولم يعودوا قادرين حتى على الصعود إلى الخشبة.

المبادرة الجديدة أتت بتطعيم «أمية» براقصين وراقصات شباب، حيث عمل الكريوغراف ماهر حمامي على الفرقة العريقة، محاولاً إيجاد نسق جديد من العروض الراقصة، قوامه المزج بين الحكاية والرقصات، سواء عبر مشاهد تمثيلية تربط بين لوحات راقصة، أو حتى عبر طابع بانورامي استعراضي يطل على أرخبيل واسع من تراث المناطق والقرى والمدن في وطنه.

الجُمل الحركية
كان مفاجئاً عرض «حكايا من بلدي» (مسرح الحمراء، 18- 19 كانون الأول) في نسخته المحسّنة، إذ عمل حمامي على رفد كادر «أمية» بعشرين راقصا وراقصة من الجيل الجديد، مركزاً هذه المرة على غنى الجمل الحركية السورية، معتمداً في ذلك على النص الذي كتبه وأخرجه الفنان جمال العلي، ليتكئ هذا الأخير على رحلة يقطعها رجل وامرأة من بيتهما في العاصمة إلى ربوع المحافظات، لنتعرف عبر «نزهة المشتاق» هذه على فرادة كل منطقة من المناطق ضمن قالب فلكلوري راقص، تجلت من خلاله ثراء الثقافات الفرعية لكل من البلدات والقرى والمدن التي يمر بها الزوجان في رحلتهما نحو شرق وجنوب ووسط وغرب وشمال سوريا.
«شفتك يا جفلة، يا أم ثلاث سيالات، يوم على يوم، تيمتني، أمان يا قلبي، كل الهلا بالغالي» رقصات كتب لها الموسيقار محمد هباش جملها اللحنية، محاولاً التنويع على الجمل التراثية الريفية منها والمدينية، مُفسحاً مساحات معقولة لراقصي وراقصات «أمية» الذين بدوا في «حكايا من بلدي» أكثر انسجاماً ومرونة في أداء اللوحات الجماعية، مع ملاحظة غياب «السوليست الراقص» في العرض، فلا ثنائيات راقصة أو إفرادية في المسرحية التي فضّلت الإبقاء على المشهد الجماعي للرقص الشعبي، بدون المغامرة بتقديم بطولات راقصة ما زال ينقص أفرادها الخبرة واللياقة الكافية للتمكن من أدائها على الخشبة.
العرض استعان أيضاً بالشعر الشعبي (أداء تيسير علي) مراهناً على دقة الزيّ الذي صممه كل من إيمان حلاق وبشار زريقي ليشكل مع إضاءة بسام حميدي حالة بصرية سادتها حيوية جسدية قدمت أنماطاً متعددة من دبكات الحصاد والعرس والجنازة والقطاف، إضافةً لتقاليد العشيرة والقبيلة، ورقص السماح الحلبي في «اللوحة الأندلسية» التي اتكأت بدورها على شاشة عرض في عمق الفضاء لمشهديات من حلب ودمشق وقصر الحمراء بغرناطة، ليعقب ذلك لوحة «البداوية» التي عكست مزاجاً سياحياً بعض الشيء عن البادية السورية قوامه «البصّارة، والحاكم العثماني، ومعارك السيف والترس بين الشبان على حسناء القبيلة». تنميط كان خارجا بشكلٍ صارخ عن «نمرات» العرض الأُخرى، والتي نجح فيها العمل باستحضار العديد من عناصر التراث اللامادي للبلاد.

دمشقيات
بالمقابل ختمت «أميّة» بلوحة «دمشقيات» التي تناغمت مع الفكرة الظالمة التي قدّمها العرض عن المرأة السورية، ممثلةً في شخصية «الزوجة» (تماضر غانم) مصورّة إياها وكأنها سيدة جاهلة لا تعرف عن بلادها سوى النرجيلة و «الحرمة زنوبيا» وتلبية رغبات «ابن عمها» (عدنان عبد الجليل) والامتثال لأوامره. حوارية يبدو أنها استمدت مادتها من مسلسلات التلفزيون أو ما يسمى «أعمال البيئة الشامية» ليظهر الرجل هنا كشخصية عارفة بالتاريخ والجغرافيا والسياسة والشعر، على حساب إظهار الزوجة بلهاء وعديمة الدراية بأدق تفاصيل الحياة والمعرفة العامة، بينما تتمطق شخصية «الرجل- الحكواتي» باطلاع واسع على فن الموشّحات وهجرتها من حلب إلى دمشق فإسبانيا!
مفارقة كان ممكن تحاشيها في العرض، لو كان هناك نص قادر على استيعاب مفردات الرقص والموسيقى والزي والضوء ضمن سياق درامي واضح، بدلاً من الركون إلى حوارات تلفزيونية على المسرح، واستنهاض قيم الثأر والتذابح على الحبيبة والكاركترات الممجوجة تلفزيونياً في موضوع الرقص السوري أو ما تبقى منه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى