مرة أخرى سينمات عربيّة متأرجحة بين أزمانها الانتقاليّة وأزماتها الوجوديّة

ابراهيم العريس

يصعب إصدار حكم قاطع وواحد على مجريات العام السينمائي العربي، الذي ينتهي في هذه الأيام. فالحكم سيكون مرتبطاً بوجهة النظر التي منها يطل المرء على اثني عشر شهراً من الإنتاج والعروض والمهرجانات والتفاعل الجماهيري. فإن كان المرء من أولئك الذين يرون السينما ترفيهاً لا أكثر ومجرد شرائط تجر أنماطاً معينة من المتفرجين الى الصالات، التي تتكاثر في مناطق عربية فيما تتلاشى في مناطق أخرى، سيجد في العام ما يسره ولكن أيضاً ما قد يقلقه، لا سيما في مصر حيث ثمة نوع من التراجع في شعبية السينما الجماهيرية وشعبية أبطالها. ففي لبنان مثلاً، وإن هو تابع المحطات التلفزيونية ورصد اهتمامها بالعروض وجماهيريتها، سيدهشه اكتشاف أن هناك بالفعل أفلاماً تحقق في هذا البلد وجمهوراً يتابعها، وقد يدلي هذا الجمهور بآرائه «الفظيعة» حولها من على الشاشات نفسها، معتبراً إياها تحفاً ما بعدها من تحف(!)، لكن هذا النوع من الجمهور، والذي كانت مخرجة من طينة نادين لبكي قد أعادته بعض الشيء الى حظيرة السينما التي تحاول أن تكون جادة، عاد وسلك طريق السهولة مفضلاً أن يضحك على سماجات متكررة تحمل اسم أفلام، على ان يتفاعل مع حكاية «ربيع»، التي يبدو أن كل ما همه منها كان الحضور في «كان» وربما كجزء من تلك «المعجزة» اللبنانية المضحكة في تواصلها وتناميها.
هذا النوع من الجمهور هو الذي يبدو متراجعاً في مصر، لكنه في المقابل يجد حصة متزايدة ترضيه في المغرب بعدما كادت السينما المغربية تتفوق على نفسها قبل سنوات. فالميزان اليوم يميل الى الهزليات في انتظار معجزة مغربية سينمائية جديدة تعيدنا الى وهج العقدين السابقين وتساند مبدعين من طراز البصري والعسري والسعيدي، وأمثالهم من الذين أبدعوا أفلاماً مغربية مميزة قبل سنوات!
لن نستعرض هنا كل تلك التطورات أو نتحدث عن الخيبات والتوقعات… فقط نريد أن نقول إننا نتحدث هنا عن عام محيّر يمكننا ان نسميه عاماً انتقالياً على كل مستويات الكلام.
بالنسبة إلينا، ثمة أمور تتحرك صعوداً وهبوطاً، وعلينا رصد ما سيحدث في السنوات القليلة المقبلة لنعرف أي اتجاهات هي تلك التي ستكون لها الحصة الأساس في الإنتاجات السينمائية العربية. وهي اتجاهات لها منذ الآن علامات بالغة الأهمية: فأن تمضي مي مصري وفيلمها «3000 ليلة» شهور العام حاصدة النجاحات والجوائز معيدة الى الحياة سينما فلسطينية بدت متباطئة خلال السنوات الفائتة، إشارة. وتفوّق العديد من السينمات التسجيلية العربية، تونس على سبيل المثل وربما لبنان أيضاً، إشارة. والنهوض المباغت في السياق نفسه للتيار التوثيقي المصري إشارة. وأن يفتتح فيلم مصري إحدى أبرز تظاهرات دورة «كان» الأخيرة ويجول فيلم آخر من مهرجان أوروبي الى آخر ويحارب في بلده (حال تامر السعيد و»آخر أيام المدينة») إشارة. وأن يكون واحد من أبرز أفلام العام وأنجحها (بركة يقابل بركة) فيلماً… سعودياً، إشارة. وأن يمضي جزء كبير من أهل السينما العربية أيامهم وهم يتابعون أخبار «أوسكار أفضل فيلم أجنبي» آملين بعد المعارك الضارية بينهم في هذا المجال بأن تذهب تلك الأوسكار الى… فيلم عربي، وهو أمر لا يبدو محتملاً على أية حال! لكننا نجدنا طبعاً أمام إشارة الإشارات كأن العالم كله توقّف في الانتظار! وطبعاً لن نواصل هذه اللائحة حتى النهاية، لكننا سنتوقف فيها عند التشتت الذي تعيشه السينما السورية وأهلها باعتباره أيضاً إشارة الإشارات…
وفـــي خضمّ هذا كلـه، نوجّه أنظارنا بحيرة نحو المهرجانات السينمائية العربية التي حتى ولو بدا بعضها (القاهري، والقرطاجي والوهراني مثلاً) متراجعاً عما وصل إليه في الدورات القليلة السابقة، والبعض الآخر ثابتاً من دون لمعان كبير («أجيال» في الدوحة، أو «دبي» الذي يبقى مع هذا، صامداً في مكانته بوصفه الأكبر بين المهرجانات العربية كافة)… في وقت تتراوح مهرجانات المغرب الكثيرة، ومنها «مراكش»، باحثة بجهد عن استعادة تفوّق كان لها قبل سنوات… نوجه أنظارنا من دون أن يفوتنا أن ما يشفع للجميع – إذا استثنينا تفاهات مستشرية لا شفعة لها وهي لا تطلبها على أية حال – هو الظروف العامة التي تعيشها كل المناطق العربية. ظروف محيرة وانتقالية لا يمكننا أن نطالب السينما بأن تكون في منأى عنها.

(لحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى