حسين بن ناصر لوتاه شاعر المرأة.. والحكمة

الجسرة الثقافية الالكترونية-الاتحاد-

عاش حسين بن ناصر لوتاه حياته شاعراً وتاجر لؤلؤ في دبي، التي ولد بها العام 1885م ومنها انتقل إلى إمارة عجمان في العقد الأول من القرن الماضي وتحديداً في العام 1911م، حيث أقام هناك لثلاثة عقود كانت حافلة بالعمل والجهد بين البر والبحر طواشا ذائع الصيت وشاعرا يكتب قصائده بلهجة محلية بسيطة يفهمها كل الناس ويتفاعلون معها تفاعلاً إيجابياً، والحقيقة أن الرجل على غزارة قصائده وتعدد أغراضه الشعرية وتنوع سياقاته لم يفكر يوماً في نشر ديوان شعري، بل ترك قصائده في بيوتات الأهل هنا وهناك حتى كانت وصية ابنته لابنتها الدكتورة رفيعة عبيد غباش لإزاحة الركام عن نصوص جدها وأن تؤلف عنه كتاباً يؤرخ لحياته كشاعر استطاع أن يفرض حضوره في المشهد الشعري النبطي الإماراتي خلال النصف الأول من القرن العشرين.

 

تميز لوتاه طوال حياته المهنية والأدبية بالكرم والسخاء والحكمة والشجاعة والرجولة والذهن المتقد وعذوبة الحديث ورجاحة العقل ، وكان رحمة الله عليه مهيب الملامح، وقوراً، ذا ذكاء وقاد وحافظة عجيبة، صموتاً وجريئاً في آن واحد، كما يشهد بذلك من عاصروه، وقد ساعدته المكانة التي يحتلها بين أهله وقومه على أن يفرض حضوره بشكل لافت للانتباه، ما جعله يحظى بمكانة وجاه حتى بين الشعراء في زمانه من ذلك أن الشاعر الشهير راشد الخضر أنشد فيه يقول:

أوصل أشراف الحد في الحين

وأرجع بطيب النسب بالفوز

 

أوصل لبوعبدالله حسين

 

سيد الخلايج بدر البدور

 

ولم يكتف حسين لوتاه بتأكيد حضوره كشاعر فقط، بل كان رجل سياسة واقتصاد من الطراز الأول من خلال مشاركته ومتابعته للتطورات السياسية بالمنطقة والقائمة آنذاك على العلاقات القبلية وما يكتنفها أحيانا من اختلافات وخصومات، كما ساعدته تجارة اللؤلؤ على الكسب المادي الوفير وهو الخبير بدروبها والعارف بتفاصيلها والذائع الصيت في مجالها، إذ كان يعرف أنواع اللآلئ، ويقدر قيمتها بمجرد وضعها تحت لسانه. عرف حسين بن ناصر لوتاه شعرياً بقصائده البسيطة غير المتكلفة التي تثير في سامعها مشاعر وأحاسيس من الرقة بمكان بحيث تبعث على الأريحية، وخصوصا تلك القصائد الغزلية المتسمة بالجرأة في الطرح والنقاء في العبارة والتفاؤل في الرؤية والمزاج المرح والبهجة والفرح الدائم بالحياة والتواضع والخلق الطيب والافتتان بجمال المرأة، وفي هذا الاطار نقتطف ما قاله في وصف المرأة في إحدى قصائده المعروفة:

 

التمحت الخد براقه

 

والصدر كشافة الدولة

 

أعجبتني سلبة أعناقه

 

واسلبتني توحة ريوله

 

فلقد كان للمرأة حضور طاغ في قصائده، إذ كانت محور شعره، وبرز من خلال مناجاته لها ووصف جمالها ومفاتنها، وجعلها رمزا للعفة والطهارة وبهجة الحياة وزينتها التي لا غنى عنها في هذا الوجود، ولعل زواجه من 10 نساء يعد أكبر دليل على هذا، فقد سكنته لوعة المرأة وأخذت منه كل مأخذ.

 

كما كان للشاعر مواعيد شتى مع السفر، وخصوصا للهند للتجارة حيناً وللعلاج أحيانا، وهذا السفر مبثوث في شوقه وحنينه الدائم إلى الأهل والحبيبة والصحب والنديم والصديق علي بن سلطان لوتاه الذي كان أقرب الناس إليه طوال حياته، ومن خلال عدد من نصوص الشاعر حسين لوتاه تتجلى لنا قيم الصداقة والوفاء والإخلاص للصحب والحبيب والأهل، إذ تميز شاعرنا في مدونته الشعرية النبطية التي جمعتها حفيدته الدكتورة رفيعة عبيد غباش في كتاب قيم صدر في أكثر من طبعة بجماليات البناء الفني للقصيدة النبطية، ومن خلال النظام الصوتي الموسيقي الخاص الذي يزيد القصيدة جمالاً على جمال، وهو ما ذهب إليه الدكتور غسان الحسن الباحث في التراث الشعبي الإماراتي، فقد شرح القدرات الأدبية الكامنة في نصوص الشاعر معتمدا على مجمل النصوص التي تركها والتي تشير إلى «تماسك القصيدة والتمكن الشعري وزخم المعاني وتطويع الألفاظ وترصيع البناء بما يلزم وما لا يلزم من إضافات نوعية».

 

وكان حسين لوتاه من المغرمين برياضة سباقات الهجن والفروسية، وقد انعكس ذلك في بعض قصائده، هذا إضافة إلى ولعه بالبحر والصحراء، البحر، باعتباره مورد رزقه الأول والأخير والصحراء والبيئة البدوية، باعتبارهما الحاضنة التي يؤوب إليها كلما أراد أن يخلد إلى الهدوء والسكينة والراحة من عناء العمل البحري وما يرافقه من مصير مجهول وغامض، وقد جسد الشاعر كل ذلك بإتقان في نصوص تنبض بالفرح والأمل وتجسد تداعيات الزمان والمكان بروح تفيض بالعشق للامارات التي كانت تسكنه صورة موحدة حتى تحقق حلم وحدتها بعد أكثر من عقدين من وفاته في العام 1948م في مزرعته بمنطقة الحديبة بجانب (الغب) في إمارة رأس الخيمة، وهكذا كانت حياته ضربا من النجاح والفرح والشهرة والمكانة الرفيعة بين الناس حيثما حل وحيثما أنشد، إلا أن أيامه الأخيرة شهدت مرضاً مريباً تمثل حسب ما تثبته الوثائق في إختلال عقلي تبين من خلال قصيدة كتبها علي بن سلطان لوتاه في صديق عمره يقول فيها:

 

حل القضا يا صحبي حل

 

لا حول في ذا الوقت لمحين

 

وقت على العالم تبدل

 

والنقص فيه الزين والشين

 

أشوف حال حسين مختل

 

شاجي ولا حد فيه يعين

 

عاش حسين بن ناصر لوتاه حياته، كما أراد وخطط، ولكن صروف الأيام وغوائل الدهر عجلت بخاتمته على وجه لم يكن يتصوره هو وأهله وصحبه واجتمعت في نهاية حياته ظروف قاهرة ضاعت فيها مدخرات سفينته التي كانت تقوم بأعمال التجارة بين اليمن ودبي حين إعترضها الأنجليز في عرض البحر فوجدوا فيها سلاحاً ليحتجزوها بمن فيها وزاد على ذلك المرض اللعين والإختلافات العائلية حول الميراث وما شابه لتعجل برحيله، وقد تجلى ذلك على لسانه في أبيات من قصيدة تتذكرها حفيدته موزة بنت زعل ابنة ابنته حمدة يقول فيها:

 

من كثر ما بي تذرف العين

 

وأرظف تلايا الليل ونات

 

حل القضاء في الزين والشين

 

وتنكست روس العلامات

 

عليك مني يا أريش العين

 

مسموح يا عذب الثنيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى