الثقافة المغربية: حضور نسوي لافت وجدل حول السينما

شادي زريبي

عرفت الساحة الثقافية المغربية خلال العام 2016 العديد من المعارض والمهرجانات التي تركت بصمة على المشهد الثقافي العربي ككل، وتعددت الأمسيات الشعرية والندوات، وغيرها من الفعاليات التي ساهمت في نشر ثقافة المملكة.
معارض ومهرجانات

يعدّ المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، الذي ترعاه وزارة الثقافة المغربية، من أعرق معارض الكتب في المنطقة العربية، وقد بلغ هذا العام دورته الـ22، ودارت فعالياته خلال الفترة من 12 إلى 21 فبراير الماضي، بمشاركة 660 عارضا من 44 دولة، وبمشاركة الإمارات كضيف شرف. ويشكل المعرض محطة ثقافية ذات بعد دولي، وهو ما يعكسه عدد المشاركين، ويعتبر مناسبة للاحتفاء بالكُتاب والمثقفين والناشرين المغاربة، والثقافة المغربية بصفة عامة. وهو من أهم الأحداث الثقافية في الساحات الأفريقية والمتوسطية والعربية، وله وقع دولي وانفتاح على الثقافات الكونية، ويتميز بالهوية المغربية المتسمة بحرية الإبداع والانفتاح على الآخر وبقيم التسامح.

وشهدت الدورة الـ22 تنظيم لقاءات مهنية تجمع ناشرين ومقتني حقوق النشر ومهنيين آخرين في هذا المجال لتبادل الحقوق في النشر والترجمة، بالإضافة إلى دور نشر وتوزيع، ومؤسسات حكومية، ومعاهد، وجامعات، وجمعيات مدنية، من 44 بلدا، وشهدت هذه الدورة تنظيم 132 نشاطا ثقافيا بينها 50 مخصصة للأطفال، بمشاركة 283 محاضرا ومفكرا وفنانا. ومن بين الأسماء التي ساهمت في تأثيث فعاليات المعرض نذكر ثلاثة من أعلام الثقافة المغربية المعاصرة، وهم المفكر المغربي عبدالله العروي، والشاعر عبداللطيف اللعبي والأنثروبولوجي عبدالله حمودي.

كما تم الاحتفاء بمن وصلوا إلى قائمة الشيخ زايد للكتاب، ومن توّجوا بجوائز كتارا للإبداع الروائي، ومن وصلوا إلى قائمتي البوكر العربية، إضافة إلى لقاء خاص مع التونسي شكري المبخوت، المتوّج ببوكر 2015. أسماء فوق منصات التتويج، تجعل من المعرض احتفالية استثنائية. كما تميزت هذه الدورة بحفل تسليم جائزة “الأركانة” للشاعر الألماني فولكر براون، بحضور الفائز وشعراء مغاربة وأجانب. كما خصص المعرض أكثر من 45 لقاء خاصا بالأطفال، بمشاركة كتاب ووجوه فنية معروفة، لتحفيز الأطفال على القراءة.
نكسة سينمائية

قدّم المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته الـ16 لهذا العام، نحو 90 فيلما من 36 دولة، فيما تنافس 14 فيلما فقط على 5 جوائز للمهرجان، في مقدمتها جائزة “النجمة الذهبية” لأفضل فيلم. وحلت روسيا ضيف شرف هذه الدورة. وكرّم المهرجان الذي دارت فعالياته من غرة ديسمبر إلى 10 من الشهر نفسه، عددا من الوجوه السينمائية على غرار الممثل المغربي عبدالرحيم تونسي الشهير باسم عبدالرؤوف والمخرج المغربي الراحل عبدالله المصباحي، والمخرج الإيراني الراحل عباس كياروستامي.
والملاحظة الكبرى في هذه الدورة هي غياب أي فيلم مغربي عن المسابقة الرسمية، واقتصر حضور المغرب على فئتي “خارج المسابقة” و”نبضة قلب”. ففي الفئة الأولى شارك نسيم عباسي بفيلم “عمي” وهو ثاني فيلم طويل له، وفي الفئة الثانية عرض في المهرجان فيلم بعنوان “ميموزا” للمخرج أوليفيي لاكس. وأثار هذا الغياب عن المسابقة الرسمية ردود فعل متباينة في الوسط المهني السينمائي بين من يدافع عن مشاركة دائمة للتعريف بالفن السابع الوطني، وبين من يدعو إلى اعتماد الجودة التي تضاهي باقي الأعمال المشاركة ذات القيمة الفنية العالية..
أصالة أصيلة

من أهم الأحداث الثقافية لهذا العام بالمغرب، التآم فعاليات الدورة الـ38 لموسم أصيلة الثقافي، خلال الفترة الممتدة من 16 إلى 28 يوليو الماضي، هذا الحدث السنوي الذي جمع حوالي 400 مثقف ومفكر وفنان من دول عدّة، قدّموا العشرات من الندوات والأمسيات الفنية والثقافية. نظمت جامعة المعتمد بن عباد الصيفية هذا العام ندوات وملتقيات أدبية متنوعة، ومنها ندوة “الحكامة ومنظمات المجتمع المدني”، وندوة “النخب العربية والإسلامية.. الدين والدولة”، وكذلك ندوة بعنوان “الرواية العربية وآفاق الكتابة الرقمية”، وأقامت حفل تسليم جائزة محمد زفزاف للرواية العربية للكاتب التونسي حسونة المصباحي، وضمن فعاليات خيمة الإبداع، شهدت الدورة تكريم الشاعر المغربي محمد بنيس.

كما تم تنظيم مشغل الصباغة مشروعه لرسم لوحات جدارية على أزقة مدينة أصيلة العتيقة، تحت إشراف الفنانين محمد عنزاوي وسناء السرغيني و13 من الفنانين التشكيليين المغاربة الشبان. أما الأطفال فخصص لهم مرسم ومشغل كتابة وإبداع بعنوان “الكتابة والتشكيل”، وأشرفت عليه الشاعرة إكرام عبدي. وعلى صعيد الفعاليات الموسيقية، تابع الجمهور حفلا أحيته فرقة “العازفون المنفردون لأوركسترا الغرفة الفرنسية”.

وفي سياق آخر، شهد العام 2016 في المغرب، صدور العديد من الأعمال الأدبية، في شتى المجالات؛ فكر، قصص، رواية، مسرح، شعر، ومن بين الإصدارات نذكر: كتاب “ضوء ودخان.. شذراتٌ من سيرة ذاتية” للشاعر والناقد عبداللطيف الوراري، ورواية “حفيدات جريتا جاربو” للكاتبة المغربية عائشة البصري، والمجموعة القصصية “أحواج خارج البحر”، للكاتب إبراهيم السكوري،، وكتاب “رحالة مغاربة في أوروبا” للمؤرخ الطيب بياض، والمجموعة القصصية “قفل فرنسا 1880” لإبراهيم الحجري، ومجموعة “أوراق الغياب”، وديوان “بسمتك أحلى من العلم الوطني”، للشاعر طه عدنان،، وديوان للشاعر المغربي بوعلام دخيسي بعنوان “كي أشبه ظلي”، وكتاب “السكابندو” لعبدالسميع بنصابر، وغيرها من الإصدارات.

حضور الأدب النسوي

يعتقد الشاعر والكاتب المغربي أيوب مليجي أن أهم حدث في نظره في هذه السنة كان إعلان “بيت الشعر” بالمغرب عن منح جائزة الأركانة العالمية للشعر في دورتها الحادية عشرة للشاعر المغربي محمد بنطلحة، والتي ستسلم له ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء فبراير 2017، حيث يعتبر هذا الحدث تتويجا واعترافا بالتجربة الشعرية المغربية خصوصا ما تمثله تجربة محمد بنطلحة المتفردة. كما مثل فوز الكاتبة المغربية ليلى سليماني بجائزة الغنكور، عن روايتها “أغنية هادئة” تتويجا للأدب المغربي، والعربي، وللأدب النسائي.

وعن أبرز الظواهر الثقافية التي غزت الساحة العربية في العام الجاري، وشكلت استجابات لأسئلة أو تحديات أو أفكار شاغلة، يقول مليجي “لا تزال فترة ‘الربيع الدموي” ترخي بظلالها على المشهد الثقافي، حيث نشهد ما يشبه مراجعات وتأملات تحاول أن تشرح ما أصاب العالم العربي من أعطاب، سقوط بغداد ثم دمشق وتقهقر القاهرة، كان سقوطا رمزيا ومعنويا مازلنا نعاني من مخلفاته إلى الآن، لذلك لم يخرج بعد العقل العربي من هاته الدائرة التي يحاول من خلالها الإجابة على أسئلة كبيرة وعميقة تؤرقنا إلى حد الآن، إضافة إلى هذا المد الإخواني الذي انعكس على الساحة العربية و أرخى بظلاله إيجابا وسلبا”.

وعن حصة الأدب النسوي من المنجز الثقافي العربي في العام 2016، يقول مليجي “في ظل عدم توفر إحصائيات رسمية تحدد لنا حصة الأدب النسوي سواء في المشهد الثقافي المغربي، أو العربي، لا يمكننا الحكم على مدى فعالية ونوعية هذا التواجد. ومع ذلك أعتقد أن الأدب النسوي قطع أشواطا كبيرة على مستوى الساحة الثقافية العربية، باستمرار أسماء معينة في الظهور والنشر، وظهور أسماء جديدة، إلا أن الملاحظ أنه رغم كل هذا الحضور يظل الأدب النسوي ضئيلا ونسبيا لعدة ظروف منها ما يرتبط بالفترة التي يمر بها العالم العربي، والتي تؤثر بشكل أو بآخر على المجال الثقافي، ولا تخفى على أحد العلاقة الجدلية بين مثلث الدين، المرأة، المجتمع، لتأتي الثقافة بعد ذلك”.

ويشير محدثنا إلى أن المشهد الشعري المغربي عرف صدور العديد من الأعمال الشعرية المتميزة، والمتقاربة من حيث مستواها، ويذكر هنا “أحلام ماكلوهان” لحسن الوزاني، “ولأني.. !” لزهرة زيراوي، و”من علو هاوية” لعبداللطيف الوراري، قائلا “إنها تجارب شعرية استمتعت بالاطلاع عليها، حيث تعدد الرؤى، التوظيفات اللغوية، وهذا لا يلغي طبعا باقي الإصدارات الأخرى التي حققت أيضا البعض من هذا التميز”. وعن أفضل الروايات التي جلبت انتباهه، يقول مليجي “طبعا، ليس هناك عمل روائي معين نستطيع تفضيله عن باقي الأعمال. وإن ذكرت عنوانا ما فلا يعني ذلك أن باقي الأعمال ليست في المستوى، ولكن سأذكر أكثر عملين ارتبطت بهما كقارئ، وهما رواية ‘قواعد العشق الأربعون’ للتركية أليف شافاق، ورواية ‘جيرترود’ للمغربي حسن نجمي”.
انتاجات متميزة
وعن أبرز المؤلفات التي تميزت بقيمة معرفية جديدة نقديا، يرى مليجي أن كتاب ”المعنى الشعري: الأفق الجمالي وشعريات الرؤى” للمغربي رشيد الخديري، يعتبر عملا نقديا استطاع الاشتغال على القصيدة المغربية من خلال تجارب شعرية (غير مكرسة). هذا الأمر كان مهما لتقريب القارئ من أسماء شعرية لم تنل نصيبها من النقد، فحتى النقد لم يبتعد عن دائرة الصداقة والقراءة الاحتفالية، هذا العمل رد الاعتبار للقصيدة دون وسائط تذكر. أما فكريا، فكان كتاب ”أتكلم جميع اللغات، لكن بالعربية” للمغربي عبدالفتاح كيليطو، حفريات في الثراث وإعادة إحيائه، ونقاشا حول موضوع اللغة وعلاقته بها، قائلا “لا يتخيل لي أبدا أنني أقرأ كتابا نقديا بقدر ما أراه عملا سرديا، حيث يستحضر مقروئيته ومن هنا فهو يتقاسمها مع القارئ. لذلك لطالما كانت كتب كيليطو ممتعة ومفيدة بالنسبة إليّ.
مجازر المثقف العربي

يرى الشاعر المغربي عزالدين بوركة أن هذا العام كان حافلا بالإصدارات الأدبية، شعرا ونقدا ورواية وغيرها، كما كان حافلا بالمعارض التشكيلية، وإن انخفضت نسبة الملتقيات التشكيلية، إلا أن هذه الأخيرة قد تحسنت جودتها. ويشير إلى أنه رغم الزخم الإبداعي والإصدارات التي عرفتها الساحة الثقافية المغربية، إلا أنها مازالت قاصرة على استقطاب قراء جدد ومهتمين أكثر. فنسبة القراءة منخفضة إلى درجة مهولة، توازيها نسبة الشراء للأعمال والمنجزات الأدبية، بينما الاقتناء التشكيلي والفني مازال ثابتا عن معدل انخفاضه في السنوات الأخيرة.

وعن أبرز الظواهر الثقافية التي غزت الساحة العربية في العام الجاري، وشكلت استجابات لأسئلة أو تحديات أو أفكار شاغلة، يقول بوركة “لا يتعلّق الأمر هنا بظاهرة أدبية، بل الأمر يتعلق بما هو سياسي، فقد ظهر على السطح في هذه السنة اهتمام سياسي من لدن مثقفين مغاربة بشكل واضح، وذلك عبر مساندة أغلبيتهم لفيدرالية اليسار عبر الدعاية له ومساندته، إلا أن هذا الأمر لم يكن ذا قوة وفعالية، إذ يمكن تسميته ‘حنين المثقف لزمن اليسار’، لكن هذا المثقف غير فعال في المشهد السياسي والاجتماعي المغربي، فلم يكن لهذه الدعاية أي تأثير في ‘الشارع” ولم تحصل الفيدرالية سوى على مقعدين برلمانيين”.

وحول مسألة المثقف العربي، يعتقد الشاعر المغربي أن هذه السنة عرفت حدوث “مجازر” في حق المثقف العربي، إذ تعرضت مجموعة من المثقفين إلى المحاكمات الجائرة والقتل على يد متطرفين لا يمتلكون كمشة وعي أو ذرة إدراك. فقد تمت محاكمة الشاعر أشرف فياض من أجل ما كتبه من “شعر” في ديوانه، ومحاكمة رائف بدوي بتهمة “ازدراء الأديان” على خلفية كتاباته النقدية والفكرية، بينما طُعن إلى حد الموت المفكر الأردني ناهض حتر من قبل أحد “السلفيين” بدعوة كفره، ومقتل الشاعر محمد بشير على يد داعش.

لقد كانت هذه السنة حافلة بالمحاكمات والدعاوى القضائية والاغتيالات ومحاولات الاغتيال في حق مجموعة كبيرة من المثقفين الذين يخاطرون بنشر أفكارهم في ظل كل ما تعرفه بلدانهم من ظلام دامس. ويقول بوركة “المثقف اليوم صار أمام مسار نضال كبير، لإضاءة الأفق، فلا بد من إدراك أن سبيل التنوير ينبغي تضحيات، فالدول المظلمة تحاول طمس أي نور يُشعَل، فيكون المثقف الضحية الأولى لأنه قائد المسيرة. واليوم نشهد مدا راديكاليا يتقدمه داعش وغيره، مما يهدد بانطفاء كل الأنوار التي أشعلها المثقف العربي”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى