عربية أم ماذا؟ تلك هي المسألة!

ندى الأزهري

تبلغ حصة الأفلام «الأخرى» غير الفرنسية أو الأميركية في دور العرض الفرنسية بين 10 و11 في المئة. النسبة الأكبر هي للأفلام الأميركية وتتراوح بين 45 و50 في المئة وقد تتساوى أحياناً مع حصة الأفلام الفرنسية. تتغير النسب من عام لآخر بالطبع، إنما لا تتجاوز نسبة التغيّر اثنين أو أربعة في المئة.
لائحة الأفلام «الأخرى» تضم ّ أفلاماً أوربية وآسيوية وجنوب أميركية ولا يخلو الأمر من تواجد بعض الأفلام العربية ضمنها. العام الفائت كان عدد ما عرض من الأفلام العربية في صالات «فن وتجريب» وفي الصالات التجارية الكبرى سبعة، فيما لم يتجاوز الخمسة عام 2014، أما في عام 2013 فوصل إلى العشرة.
هذا العام سيكون احصاء الأفلام العربية أكثر تعقيداً. علينا في البدء، أن نحاول تحديد تعريف للفيلم العربي مع كل هذه الإنتاجات المشتركة. فهل هو الفيلم الناطق باللغة العربية والذي يخرجه مخرج ينتمي إلى بلد عربي وتدور أحداثه على أرض عربية أو يتناول قصة تتعلق ببيئة ومجتمع عربي؟ وحين يتحقق عامل واحد فقط من هذه العوامل كيف يصنّف الفيلم؟ وهل تدخل جهة الإنتاج في تحديد هوية الفيلم؟ وماذا لو اجتمعت خمسة بلدان على إنتاجه؟

هوية المخرج
تعمد المهرجانات الآن إلى اعتماد هوية المخرج وما يقرره هو لتصنيف لفيلمه. أحياناً تكون هوية الفيلم واضحة من البداية مثل هذا الذي يحقق العوامل السابقة معاً. مثلاً فيلم «اشتباك» مصري ولاجدال، وفيلم «فاطمة» للفرنسي فيليب فوكون فرنسي وإن كان موضوعه عربياً ولغته أحياناً عربية. لكن ما تصنيف «روحي» الفيلم الذي صوّر في لبنان وكان أبطاله يتحدثون باللغتين العربية والفرنسية وحققته جيهان شعيب المخرجة اللبنانية الفرنسية التي تعيش في فرنسا وأنتجته فرنسا وسويسرا؟ أو الفيلم الكردي «العاصفة السوداء» الذي صور في كردستان العراق باللغة الكردية؟ هي أفلام اعتبرت عربية والدليل اشتراكها في مهرجانات ومسابقات تحت هذا التصنيف.
لنعد إلى لائحة الأفلام «العربية» في فرنسا! أولاً هناك تلك التي «حدودها» واضحة أو تقربياً! عددها ثمانية وهي التالية وفق التسلسل الزمني لعرضها في دور السينما الباريسية.
افتتحت السنة مع «أرض الوطن» للعراقي عباس فاضل، فيلم احتفلت به الصحافة الفرنسية واعتبرته استثنائياً ورائعاً وأساسياً. صوره المخرج على مدى سنتين ليختصره في حوالى ست ساعات تعرض على جزءين. يسرد الفيلم يوميات عائلة بغدادية قبل وبعد الغزو الأميركي لبغداد في 2003، لحظات من الحب والفرح والحزن والغم سجلها فاضل ليتقاسم مع الجمهور أفراح عائلته ومآسيها في زمن الحروب أو اثناء انتظارها لها.
وعرض «باريسية» للبنانية دانيال عربيد وهو فيلم فرنسي الإنتاج واللغة، تدور أحداثه في فرنسا عن حياة شابة لبنانية تحطّ في باريس بحثاً عن حرية لاتتمتع بها في بلدها. حظي الفيلم باستقبال حسن من النقاد والجمهور حين عرضه. كان الحماس أخف لفيلم «الوادي» لغسان سلهب الذي يروي تعرض رجل لحادث وتوهانه على طريق جبلي في لبنان حيث يلتقي هو الفاقد للذاكرة بأربعة اشخاص يحاولون في أجواء غامضة تحديد هويته ومساعدته على استعادة ذاكرته. أما الفيلم الرابع فكان فلسطينياً «ديغراديه» الفيلم الأول لمحمد وأحمد أبو ناصر عن نساء حبيسات صالون للتجميل في غزة بسبب معارك تدور في الخارج، تعكس أحاديثهن واقع العيش في المدينة، الفيلم لقي استقبالاً متوسطاً بسبب بنائه الحكائي الضعيف.
من مصر لقي» اشتباك» لمحمد دياب استقبالاً لابأس به. القاهرة خلال صيف 2013 غداة خلع الرئيس مرسي، يوم عنيف من التظاهرات، وعربة للشرطة متجولة تدفع بمشاغبين داخلها، انتظاراً لقرار في شأنهم، الحبس أم الإفراج. في العربة كل الأجيال والانتماءات الاجتماعية والعقائدية، يجمّعها السيناريو ليقدّم صورة عن المجتمع المصري. وجاء من المغرب فيلم عن قسوة حياة المتحولين (الترافستي) من الرجال، «البحر من ورائكم» لهشام العسري فيلم مغربي فرنسي الإنتاج.

صحراء من الأردن
الفيلم العربي السابع هو «ذيب» للأردني ناجي أبو نوار الذي رشح للأوسكارعن افضل فيلم أجنبي واستقبل استقبالاً جيداً في فرنسا ووصف بأنه «أول ويسترن عربي»! نحن في مخيم للبدو في الصحراء، ذيب صبي عمره 10 سنوات يعيش مع أخيه حسين الذي يتعلم منه تراث الأجداد. ذيب يرفض الافتراق عن حسين حتى حين يريد هذا مرافقة ضابط بريطاني يبحث، لأسباب غامضة، عن بئر تقع على طريق مكة، هنا تبدأ المغامرات! ويختتم «روحي» لائحة الأفلام «العربية»، فيلم اللبنانية الفرنسية جيهان شعيب، مولته فرنسا وسويسرا فقط لكن هذا لم يمنع تصنيفه بالفيلم اللبناني في المهرجانات، هو عمل عن الغربة والعودة للوطن بعد غياب للبحث عن الجذور ومعها حقيقة اختفاء اشخاص في مجتمع يكره الحقيقة ويخفيها.

عربية – فرنسية؟
من الأفلام التي عرضت في باريس عام 2016 ولها علاقة بالمجتمعات العربية، نبدأ بفيلم «فاطمة» لفيليب فوكون الفائز بجائزة السيزار كأفضل فيلم فرنسي. وهو يسرد يوميات امرأة بسيطة وشجاعة، مطلّقة تتحمل مسؤولية ابنتيها، لا تتكلم الفرنسية جيداً، قدمت من الجزائر إلى فرنسا حديثاً، لكن «فاطمة» عاملة التنظيفات تصر على العمل والتعلم والتأقلم وتعليم البنتين ضمن محيط مغاربي يفرض أعرافه وفرنسي يعاملها بعنصرية أحياناً.
ثمة فيلم مغربي فرنسي إسباني قطري للفرنسي أوليفر لاكس باللغة العربية، تدور أحداثه على طريق جبال الأطلس المغربية.
في «ميموزا»، قافلة العودة للدفن على تراب الوطن! أما «شوف» لكريم دريدي الفرنسي من أصول تونسية فعن عالم المخدرات العنيف في مرسيليا وعن «سفيان» أحد قواده.
ومن موريتانيا وفرنسا فيلم وثائقي أثار جدلاً، «سلفيون» للموريتاني الأمين أولاد سالم والفرنسي فرنسوا مارغولان عن الجهاديين في مالي.
وبعيداً من العنصرية والإرهاب والمخدرات ثمة فيلمان أكثر خفة وبهجة عرضا أيضاً في 2016. أولهما الفيلم الفرنسي الذي صور في فرنسا باللغة الفرنسية مع ممثلين فرنسيين ومن أصول مغاربية، «البقرة» للمخرج الجزائري الفرنسي محمد حميدي عن فلاح جزائري مغرم ببقرته ويريد المشاركة بها في المعرض الزراعي السنوي بباريس. يجوب الأراضي الفرنسية وتصادفه مفارقات مسلية هو الذي يترك قريته للمرة الأولى. مخرج آخر جزائري فرنسي، فريد بن تومي قدم «حظاً سعيداً الجزائر». الفيلم قصة واقعية عن شقيق المخرج الذي يقرر، انقاذاً لشركته من الإفلاس، المشاركة في مسابقة المسافات الطويلة لرياضة التزلج ضمن الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2006، ممثلاً الجزائر بلد والده، هو الذي لا يتكلم العربية!
وعلى هامش التصنيف نشير في الختام إلى فيلم وثائقي فرنسي إسرائيلي للمخرجة الشابة تمارا إيردي بعنوان «هذه أرضي» عن كيفية تدريس التاريخ في المدارس الحكومية والخاصة الدينية في فلسطين وإسرائيل. موضوع أثار انتباه المخرجة بعد أن اكتشفت خلال تأديتها للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي أنها لا تعرف شيئاً عن جيرانها فقررت سينمائياً كشف الجدران التي تبنى في عقول الصغار منذ صغرهم في المدارس. فيلم عن صورة الآخر وعن مدى معرفتنا بالآخر!

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى