مجلّة «أوروبّا» الفرنسية تحتفي بمحمود درويش

الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي يزداد حضوره في المعترك الشعري العربي بعد مرور عشرة أعوام على غيابه يحضر فرنسياً في إطلالتين بارزتين بين فرنسا وبلجيكا الفرنكوفونية، الأولى في العدد المزدوج الذي خصته به أعرق المجلات الأدبية الفرنسية «أوروبا» والثانية في إنشاء كرسي أكاديمي وثقافي باسمه في جامعات بلجيكية تعاونت معاً لإرساء هذا الحدث الكبير.
< حل الشاعر محمود درويش ضيفاً على المجلّة الأدبية الفرنسيّة الشهيرة «أوروبّا» Europe من خلال عدد مزدوج (كانون الثاني/شباط – يناير/فبراير 2017) خصه به وتناول آثاره وسيرته وشعريته. وقد وُضع هذا العدد بإشراف الشاعر والأكاديميّ العراقيّ المقيم في فرنسا كاظم جهاد. والمجلّة المذكورة من أهمّ المجلّات الأدبية في أوروبّا، يقارب عمرها مئة سنة، أسّسها الروائيّ رومان رولان في 1923، وبين محرّريها السابقين بول إيلوار ولوي أراغون وجان كاسو وإلزا تريوليه، ويرأس تحريرها منذ سنواتٍ الشاعر والناقد والمترجم الفرنسيّ جان باتيست بارا. وهي تخصّص دوريّاً لكبار الكتّاب أعداداً خاصّة تكلّف بالإشراف عليها بعض المتخصّصين بأعمالهم. وحمل الغلاف الأخير فقرات مجتزأة من مقدّمة كاظم جهاد جاء فيها: «لن يكون من مبالغة في القول إنّ محمود درويش، في عمله الواسع والمتنوّع كما في حياته التي عاشها واضطلع بها كمثْل أثر فنّيّ، إنّما يلخّص ويجسّد كاملَ تاريخ فلسطين الحديث. تعرضّ هو وعائلته للترحيل أسوةً بالآلاف من الفلسطينيّين في 1948، ثمّ عاد إلى بلاده «متسلّلاً» وصار لاجئاً على أرض وطنه. ثمّ تكبّد في شبابه الحبس والإقامة الجبرية مراراً، بعدما صار شاعراً وكاتباً. واعتباراً من 1970 التحق بفلسطينيّي الشتات، وانتقل إلى القاهرة فبيروت فتونس فباريس. عبْرَ كلّ هذه المراحل، شهدَ درويش كلّ الجراح، وكلّ الخسارات، وكلّ المنافي وجميع التحوّلات. عاش سنيّه الأخيرة بين عمّان ورام اللّه، حيث جابه هذا الوضع العصيّ على الاحتمال الذي سمّاه هو نفسه «حيرة العائد» وكتب بخصوصه: «أتيتُ ولكنّني لم أصلْ/ وجئتُ ولكنّني لم أعدْ». هي عودة مصادرة بالعيش القلِق على أرض يقضمها المستوطنون أكثر فأكثر كلّ يوم، وبوضعٍ يشهد فيه الفلسطينيّون يوميّاً مضايقات جمّة وتقييداً للحركة وتفتيشاً متواصلاً».
ويضيف جهاد: «تطوّر درويش في عمله الشعريّ من القصيدة البسيطة أو الأغنية إلى النشيد الواسع المعقّد المتين البناء. عُني بالتعبير عن الخسارة والمنفى في نفَس شعريّ شاء له أن يكون تراجيديّاً أكثر منه ملحميّاً. فكّك الخرافات وأبان عن أنّ زمن الأساطير قد ولّى ولم يعد له من وجود أمام التاريخ والحقيقة العارية للحياة. أبان للمحتلّ والغازي عن خسران سعيه على المدى الأبعد، ورفع تجربة الهنود الحمر والأندلس المتعدّدة الثقافات وفلسطين إلى مصاف استعارات كونيّة للحنين، هذا الشعور الطاغي الذي ينخطّ فيه جلّ عمله. وفي أشعاره الأخيرة التحم بحركة تيهٍ إنسانيّ شامل، وبنى ملحمة سكّان الهوامش والظلال، وأعرب عن اندفاعة أصيلة وسخيّة تجذبه دوماً إلى الغريب والهائم والمتوحّد والمترحّل، إنسان العبور بعامّة. وإلى جانب عمله الشعريّ، وضع درويش عملاً نثريّاً لا جدال في جماله وأهميّته».
اما عن العدد فيقول: «هذا العدد من «أوروبّا»، الثريّ بمساهمات عالمية، لا يهمل أيّاً من جوانب سيرة درويش وكتاباته. يضمّ نصوصاً له تُتَرجم إلى الفرنسية لأوّل مرّة: قصائد من دواوينه الأولى وحوار موسّع عن مساره الشعريّ، ومنتخبات من مقالاته ومن رسائله إلى سميح القاسم. هذه النصوص تشهد جميعاً على خصوبة كتابته وتنوّعها، وعلى نظرته الثاقبة دوماً. تصحبها مقالات ودراسات وضعتها نخبة من خيرة الكتّاب والنقّاد».
ساهم في وضع دراسات العدد الكاتب والمخرج المسرحيّ الفرنسيّ الشهير أوليفييه بي، والكاتب الفلسطينيّ حسن خضر، والمؤرّخ السوريّ فاروق مردم بك، والشاعر والناقد الفرنسيّ جان ميشيل مولبوا، والشاعر والناقد الإسبانيّ ميغيل كاسادو، والباحثة اليونانية-الفرنسيّة إيفينغيليا ستيد، والباحث الهنديّ بلراج ذلّون، والباحثة اللبنانية ريما سليمان، والباحثة الفرنسية أوريليا هتزل، والباحثة التونسية جيهان السوقي، والناقد والباحث السوريّ صبحي حديدي، والشاعر والروائيّ المصريّ علاء خالد، والباحثة الفلسطينية بالإنكليزية نجاة رحمان، والشاعرة والسينمائيّة المصرية صفاء فتحي، وكاظم جهاد. وحمل العدد إلى جانب نصوص لدرويش تُـترجمَ للمرّة الأولى حواراً موسّعاً ومهمّاً معه كان قد أجراه الشاعر الفلسطينيّ سامر أبو هوّاش. ثمّ تأتي شهادات وانطباعات عن الشاعر ونصوص مهداة إليه كتبها المؤرّخ الفلسطيني ومترجم درويش إلى الفرنسية الياس صنبر، والتشكيليّ الفرنسيّ إرنست بينيون إرنست، الذي اشتهر بلوحات جدارية تحمل صورة الشاعر عُلّقت في رام الله ومدن أخرى، والشاعر والناقد الفرنسيّ رينيه كورونا، والشاعرة السورية إيتيل عدنان، والشاعر التونسيّ الطاهر بكري، والشاعر والروائيّ الجزائري بالفرنسية حبيب طنغور، والشاعر والباحث الجزائريّ مراد يلّيس، والروائيّ والناقد المغربيّ محمّد برادة. ويُختتم العدد بصفحات في السيرة وقائمة لأعمال الشاعر أعدّها المشرف على العدد.
وقد استند أصحاب الدراسات على مجمل آثار درويش، من أشعاره إلى كتبه النثرية من سيَر ذاتيّة ومقالات وحوارات موسّعة أجراها معه عبّاس بيضون وعبده وازن وصبحي حديدي وآخرون، واعتمدوا أحدث مناهج التحليل الأدبيّ وتحليل السيرة، بما يجعل من هذا العدد مرجعاً للقرّاء والدارسين لا غنى عنه. وهي في الحقيقة المرّة الأولى التي يحظى فيها شاعر عربيّ باحتفاء وانهماك نقديّ لهما هذا العمق وهذا الامتداد، في مجلّة مرموقة كهذه.
أمّا الترجمة الفرنسية لنصوص الشاعر والدراسات الموضوعة عنه بالعربية والإنكليزية والإسبانية، فقام بها كلّ من كاظم جهاد والمترجمة الفرنسية المعروفة عن الإسبانية وأستاذة الأدب الإسبانيّ في جامعة السوروبون لورنس بريس شانيه، والمؤرّخة اللبنانية بالفرنسية هناء جابر، وفريق من تلامذة كاظم جهاد في دراسات الماستر والدكتوراه في الأدب العربيّ.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى