توليفة متألقة للمايسترو غباشي في حفلة الموسيقى العربية

كريمان حرك

بعد غياب، ظهر المايسترو صلاح غباشي في دار أوبرا القاهرة في أولى حفلات الموسيقى العربية للعام الجديد. وكان هذا من أسباب احتشاد القاعة بجمهور يحضر خصيصاً من أجل الفنان صاحب الخبرة الطويلة مع فرقة عبدالحليم نويرة.
كان البرنامج متوازناً، وتضمن فقرات تعتمد على التوزيع والعزف المنفرد للآلات، إضافة إلى قدرة غباشي على أن يعطي كل صوت اللحن الذي يناسبه. وأحيت الحفلة فرقة الموسيقى العربية التي أسسها الراحل عبدالحليم نويرة (1916 – 1985) والتي تحمل اسمه حالياً. وشاء الفنان الراحل عندما أنشأ الفرقة عام 1967، اكتشاف كنوز تراث الموسيقى والغناء العربي وإعادة صَوغها بأسلوب عصري، وساعده في ذلك امتلاكه ناصية العلوم الموسيقية الغربية.
وقد استطاع من خلال الفرقة أن يقدم رصيداً فنياً كبيراً اعتمدت عليه معظم الفرق التي ظهرت بعد ذلك في دول عربية عدة.
تضـــمنت الحــفلة 15 فقرة، وعلى رغم غلبة الأغاني الفردية على برنامجها، كانت ثرية في الألحان التي تعود إلى فترات مختلفة، فضلاً عن تنوعها بين الشــعبي والعاطفي والديني. لكن في مقابل هذه الإيجابيات، افتقدت الحفلة الأغنية الجماعية التي يظهر فيها التوزيع الكورالي مع أن رصيدنا الموسيقي يتضمن الكثير من هذه النوعية، خصوصاً من إبداعات نويرة.
البداية كانت مع الموسيقى الخالصة، فأدت الفرقة مقطوعة من مؤلفات غباشي عنوانها «بسمة»، أبرزت مهارة العزف الجماعي، خصوصاً من وليد حسن عازف القانون، ومحمود كمال (الناي) ومحمد عبدالكريم (عود) وعازفي الكمان محمد نصر وحازم سليم، وعازف البيانو أحمد الموجي.
أما البرنامج الغنائي، فبدأ مع المطرب والمبتهل إبراهيم راشد بأغنية «ألفين صلاة على النبي» من كلمات إمام الصفتاوي وألحان عبدالعظيم عبدالحق. وراشد صاحب صوت قوي أعطى البرنامج تمهيداً طيباً، كما أن العمل تميز بعزف منفرد على القانون وبتوزيع كورالي يتم فيه التبادل بين الأصوات الرجالية والنسائية. وقد لاحظنا هذا في معظم فقرات البرنامج، ما أعطى الحفلة زخماً، خصوصاً مع الأغنية الشعبية «عنابي» من ألحان حلمي أمين وأروع ما غنى الراحل كارم محمود، وقد شدا بها نجم الفرقة تامر عبدالنبي بإتقان مناسب لهذا اللحن الذي يبدأ بعزف منفرد على الناي مع مصاحبة إيقاعية.
وكان هناك أيضاً دور بارز للكورال في أغنية «سحَب رمشه» من كلمات عبدالفتاح مصطفى وألحان عبدالعظيم عبدالحق، وهي من الروائع التي غنّاها محمد قنديل، وهنا أداها وليد حيدر الذي كان نجم الحفلة بلا منازع بقدرته على تلوين صوته ليأخذ من نسيج صوت المطرب الذي يشدو أغنيته.
وكان للمجموعة دور أيضاً في أغنية زكريا أحمد وكلمات بيرم التونسي «يا حلاوة الدنيا» التي شدا بها مصطفى النجدي. وتضمنت الحفلة مجموعة من الأغاني الفردية التي يحمل كل منها فكرة موسيقية، سواء في الغناء أو الإخراج الموسيقي، مثل «بكتب اسمك يا حبيبي» لفيروز، كلمات وألحان الأخوين الرحباني، وقد غنتها أميرة أحمد، وتعد إضافة جيدة إلى رصيدها بعدما اشتُهرت بأغاني صباح.
وكانت هناك ثلاث أغنيات لعبدالحليم حافظ، الأولى «بأمر الحب» ألحان منير مراد، غناها محمود عبدالحميد الذي لم يقلد بل أدى اللحن بشخصيته بدقة وأمانة. وغنّى إبراهيم الحفناوي «أهواك» ألحان محمد عبدالوهاب والتي تبدأ بالبيانو المنفرد. ومن ألحان موسيقار الأجيال أيضاً، شدا الحفناوي بأغنية «يا خلي القلب». أما عبير أمين التي يشبه صوتها صوت نجاة الصغيرة واشتهرت بأداء أعمالها، فصدحت بأغنية «العوازل ياما قالوا» التي تعد من أغاني المرحلة الأولى لمسيرتها الفنية. وأدتها عبير بنضج وحرفية، فاستحقت تصفيقاً طويلاً.
ومن كلمات فتحي قورة، أمتع عصام محمود الحضور بلحن منير مراد «ابعد عن الحب وغنّيله»، وهي من أغاني عادل مأمون التي نادراً ما تقدمها فِرَق الموسيقى العربية. لكن المفاجأة كانت في إسناد أغنية عبدالمطلب «في قلبي غرام» ألحان عبدالعظيم محمد إلى صوت نسائي، إذ غنتها أجفان.
وهذا يعتبر تحدياً من التحديات التي يقدم عليها غباشي الذي كان ذكياً في اختياره لحناً بسيطاً ليناسب صوت أجفان. ومن رصيد أم كلثوم، غنت رحاب مطاوع «عن العشاق»، من ألحان زكريا أحمد وكلمات بيرم التونسي، وهي من الأغاني الخفيفة التي تناسب صوت رحاب. أما النجمة رحاب عمر التي تملك صوتاً درامياً، فأبدعت في أغنية «هو صحيح الهوى غلاب»، فكانت خير ختام لهذه السهرة الممتعة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى