هل يشهد هذا العام تتويج أميرة على الشعر العربي

كمال البستاني

تم مؤخرا إعلان قائمة الـ42 شاعرا الذين تأهلوا من بين 150 شاعرا تقدموا للنسخة السابعة من برنامج أمير الشعراء وقد تأهلت من الأردن الشاعرة وردة سعيد الكتكوت، ومن الجزائر كل من لطيفة حساني وآمنة حزمون ورحمة الله إبراهيم، ومن العراق تشارك الشاعراتان علياء المالكي وأفياء أمين عبدالقادر، ومن تونس هندة بنت الحسين، ومن سوريا كل من الشاعرات مرام دريد النسر وإباء مصطفى الخطيب وفاطمة محمد كريم، ومن فلسطين آلاء القطراوي وعبلة جابر، ومن مصر هاجر محمد عمر.

وأوضح أحمد خريس عضو اللجنة الاستشارية لبرنامج “أمير الشعراء” أن المشاركات في البرنامج هذه السنة تميزت بالعنصر النسائي سواء من حيث العدد أو النوعية، مؤكدا أنها ستضيف الكثير إلى البرنامج هذا الموسم، متسائلا لماذا لا تكون هنالك أميرة شعراء لهذا الموسم وليس أمير شعراء؟

وقادنا حديث خريس إلى مسألة الشاعرات العربيات، حيث ليس الشعر جديدا على المرأة العربية، بل المدونة الشعرية العربية حافلة بقصائد مؤسسة ومرجعية لشاعرات مازالت أسماؤهن ترن في الآذان والعقول.
شاعرات مؤثرات

المرأة العربية الشاعرة والفاعلة في بيئتها، أمر يخفى عن الكثيرين اليوم الذين يرون في الحضارة العربية فقط من زاوية قمعها للمرأة المبدعة، فشاعرة مثل صفية بنت ثعلبة الشيبانية تمكنت في زمنها من جمع قبيلتها شيبان والقبائل الأخرى في حربهم على الفرس في ذي قار، من خلال شعرها الذي كان لسان أهلها لا لسانها هي كامرأة فحسب. ومن لا يذكر أيضا الشاعرة العربية ليلى العامرية، وقصائدها الغزلية لحبيبها قيس.

وتعددت الأصوات الشعرية النسائية، شاعرات عربيات كثيرات تميزن على مر تاريخ الشعر العربي وخططن تجارب شعرية فريدة، بمنأى عن التقسيم الجنسي، فشاعرة مثل الخنساء مثلا كان دورها بارزا في إحياء جماليات جديدة في الشعر العربي من خلال قصائدها في رثاء صخر أخيها.

لم تتوقف تجارب الشاعرات العربيات عند الخنساء رغم أهميتها ودورها الأبرز، أو عُليَّة بنت المَهْدي وهي شقيقة الخليفة هارون الرشيد واشتهرت بلقب “العبَّاسة”، أو ولادة بنت المستكفي، والتي ذاع صيتها بالأندلس.

دور المرأة الشاعرة كما نلاحظ منذ القدم لم يكن رهين القصائد الغزلية أو العاطفية، فقد كتبت الشاعرات العربيات نصوصا شعرية قوية تمايزت بين الغزل والرثاء وقصائد الحماسة والحرب، هذا علاوة على قصائد فخرية وحكمية وصوفية حتى. لم تتوقف تجارب الشاعرات العربيات في عهد الازدهار فحسب، بل هناك من الشاعرات اللواتي تمكن في ما بعد من خلق تيارات جمالية حديثة ومعاصرة في هذا السياق نذكر الشاعرة السورية مريانا مراش شقيقة الكاتب والرحالة فرنسيس المراش الحلبي، والتي أبدعت شعرها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وصولا إلى الشاعرة العراقية نازك الملائكة، التي تمكنت في أواسط القرن الماضي من خلق نمط شعري غيّر من شكل ومضمون الشعرية العربية بشكل جذري، حيث تمكنت من ابتداع القصيدة الحرة، ممهدة الطريق لتجارب شعرية لاحقة أبدعت قصائد ونصوصا شعرية فريدة ليس في الشعرية العربية فحسب بل والعالمية.

شاعرات أخريات كان لهن دور كبير في مسار الشعر العربي الحديث لا نكتفي ربما بذكر العراقية لميعة عباس أو الفلسطينية فدوى طوقان ومواطنتها الشاعرة والناقدة سلمى الخضراء الجيوسي، والتي برزت خصوصا في مساهماتها النقدية، ولكننا نشير إلى وجود جيل كامل من الشاعرات العربيات اللواتي كتبن قصيدة النثر خصوصا، واللواتي، يصعب أن يصلن إلى منبر الشعر التقليدي، أو الشعر الذي يتيح للشعرية أن تنتج أميرا للشعر، لما تتميز به قصيدة النثر من صوت خافت وجماليات تتصل بفكرة الكتابة أكثر منها بفكرة الإلقاء. في حين يبدو أن ما يميز الشعرية التقليدية العربية من حضور طاغ للإيقاع الموسيقي والجرس الذي تتيحه القافية إنما يجعل من العرض الإيقاعي والإلقائي عاملا أساسيا من عوامل التأثير الطاغي في الجمهور.

هنا نستطلع آراء بعض الكتاب والشعراء العرب حول أهمية دور الشاعرات العربيات وتجاربهن الشعرية، في صورة نحصرها بين واقع الشاعرة العربية اليوم ومنجزها وما تصبو إليه.
الخروج من الذاتية

يرى الشاعر والكاتب السعودي زكي الصدير أن توصيف حال الشاعرات العربيات ربما لا يختلف كثيرا عن حال الشعراء، فحيث يوجد الاشتغال الشعري الحقيقي حيال الوجود وأسئلة الحياة الكبيرة والصغيرة، سيوجد معه دور الشعر بمعزل عن تصنيفه على أساس الجنس.

يقول الصدير “صحيح، أن الشاعرة العربية مازالت تتخذ من الشاعر (الرجل) النموذج لاشتغالها، وكأنها تقيس عليه مقدار نصها. ولكن بالمقابل توجد شاعرات لعبن دورا مهما في كسر هذا النموذج. وحضرن بصورة شعرية أكبر حين خرجن من قفص النص العاطفي الذي أصبح سمة عامة في معظم المجموعات الشعرية الحديثة”.

لهذا يجد محدثنا أن مسؤولية الشاعرة اليوم كبيرة في الخروج من قالب الذاتية المغرقة إلى عوالم وفضاءات الحياة المتماسة مع قضاياها الإنسانية.
ويقول الشاعر التونسي أشرف القرقني “لا يمكنُ لأحد في تصوّري أن ينفي أنّ المرأة العربيّة بشكل عامّ تقيم في الهامشِ أو في المقعد المتأخّر بشكل أكبر على الأقلّ ممّا يقع في ثقافات أخرى. إزاء هذا الوضع، تختلفُ ردود الفعل. هناك من استطعن تشكيل خطاب أدبي فني يخترقُ قضايا عديدةً ويقاوم هذا الموقعَ من خلال الإبداع باعتباره فعل خلق وتجاوز ومن خلال الرؤية الفكرية التي تتلبس هذا الإبداع. لكن هؤلاء قليلات حسب رأيي على أهميتهن القصوى”.

يضيف القرقني “لعل الغالبية تغرقُ في خطاب استشفائي هو من قبيل رد الفعل الأولي الذي لا يعي جيدا عمّ(ن) يرد الفعل وعلى أي شاكلة. إنه خطابٌ يثبّت النّسق الذي يعارضه من حيثُ يستغرقُ في نحت سلطته أدبيّا دون خلخلة عميقة أو الانخراط في المؤسّسات التي تستندُ إليه مثلا. ومع ذلك، أرى أنّ المبدعات ذات الخيار الأوّل يتزايدُ عددهنّ ويتطوّر إنتاجهنّ يوما بعد آخر”.
ظهور محتشم

من جانبها تشير الشاعرة الفلسطينية هند جودة إلى أن الواقع صعب فعلا، تقول “نفتقد المنابر الأدبية التي تعبر عن الحالة الأدبية أو حتى المهرجانات التي تليق باللغة العربية ودرة تاجها، وأقصد الشعر والشعراء، لقد أهمل الشعر من وزارات الثقافة العربية”.

تتابع الشاعرة “لا يجوز تسليع الشعر والشعراء الذي تنتهجه بعض وسائل الإعلام، ولكن الشعراء بكل أسف مضطرون ليخوضوا غمار هذه التجارب لأنها تعتبر فرصا جيدة للشهرة وإسماع أصواتهم، هذا ينطبق على الشعراء والشاعرات لأن الإهمال يطال الجميع، ولست أشك في أنه في حال فتحت عاصمة عربية واحدة مستقرة أمنيا لاستقبال الشعراء في مهرجانات تحتفي بجمالهم في وسط هذا الخراب إلا وستكون منارة تضيء وقمرا يهتدى به في ليالي العرب الظلماء”.

تجد جودة أن الواقع صعب وفرصه شحيحة، ولكنها تتمنى “أن تعطى الفرص للشعر مهما كان كاتبه ذكرا أم أنثى ليقول قوله ويرخي عباءته على الأرواح المتعبة”.
أما الشاعرة التونسية سنية المدوري فتلفت إلى أن الحركة الشعرية النسوية عرفت منذ القديم حضورا محتشما في الساحة الشعرية، وتقول “لعل ذلك عائد إلى القيود القبلية التي فرضت عليها، وإلى اليوم مازالت التجربة الشعرية النسوية تعاني من الإقصاء حيث أن ظهور المرأة الشاعرة (وهنا أعني الشاعرة الحقيقية) على المنابر الشعرية الكبيرة مازال محتشما، وحتى في الجوائز الكبرى نراها تستثنى رغم أن هناك شاعرات في زمننا هذا قادرات على الريادة الشعرية”.
تأثير الواقع

الصحافية والشاعرة الليبية خلود الفلاح تقول بدورها “حقيقة لا أستطيع وضع نقاط محددة حول الدور الذي يجب أن تقوم به الشاعرة العربية اليوم. لو تحدثت عن دوري كشاعرة فربما يكفي أن أقول إني قدمت تجربة امرأة تعيش أجواء الحرب في مدينة بنغازي الليبية جعلتها تخاف إغلاق باب غرفتها عند النوم”.

تضيف “يقول جوستنترودو ‘نحتاج الشعراء لتغيير العالم‘. في مدينتي ‘بنغازي’، كتبت ديواني الأخير ‘نساء‘ حيث الحرب على أشدها. كانت الكتابة هي حصني المنيع، وكانت قصائد مكثفة التفاصيل، عن حالات إنسانية لنساء يتحدثن بحميمية عن الملل والتقدم في العمر وعن الخيبات المتواصلة، هن لسن نساء مهزومات ولكن قويات ومتفوقات. لكنني لم أستطع الخروج من دائرة الخراب. فبيتي لا يبعد كثيرا عن محور مازال القتال فيه مستمرا، كتبت قصائد بعد الديوان وجدتها لم تخرج عن إحساسي بالمعاناة واليأس، وصولنا إلى مرحلة التساوي بين الموت والحياة، كلاهما أصدقاء لنا”.

وتواصل الفلاح حديثها عن تأثير واقع الحرب في حالها كشاعرة “تعرفت على الحرب من شاشة التلفزيون فقط، ككل البشر يؤلمني مشهد الدماء والأصوات المنهكة من الألم، لكن أعيش اليوم تجربة مختلفة جعلت مني إنسانة أكثر عقلانية وأكثر إحساسا بالآخرين وأكثر هشاشة، هل سلبتنا الحرب إنسانيتنا؟

قد يأتي يوم أمتن فيه لهذه الحرب لأنها جعلتني أعيش وسط خرابها المستمر أفكر بموضوعي الجديد للجريدة وأقرأ الكتب وأكتب القصائد وأتابع نشرات الأخبار وأشاهد المسلسلات وأستمع للأغاني وأشتري الملابس وأذهب إلى المقهى وأكتشف أن هناك دائما حياة موازية لكل شيء ولا أدري هل هناك رغبة كبيرة في دواخلنا للحياة رغم كل ما يحدث. وأتساءل هنا هل ملزم الشعر بأن يحقق الجدوى من كتابته؟”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى