لم يعد متسع للاختيار في ‘بطنها المأوى’

تستدعي الكاتبة والمترجمة العراقية دنى غالي في روايتها الأخيرة “بطنها المأوى” شخصيات قريبة جدا من القارئ حيث تقوده إلى الإحساس بتواجدها اليومي حوله لتشابه أحداث الرواية مع كثير من الوقائع الحياتية المعاشة.

الرواية الصادرة مؤخرا عن منشورات المتوسط في إيطاليا تحكي قصة عامر، التي صارت ترنيمة رددتها الأمهات، ومازلن يرَقصن الأطفال على إيقاع نغماتها.

وتصوغ غالي بلغة أليفة وذات جمل قصيرة حكاية عامر الذي لم يمت ولكنه تاه بين أكثر من بيت وبلد ولغة وامرأة وهو يحاول عبثاً الجمع بينهم في آن واحد.

ويبدو أن القارئ سيجد في هامش هذه الرواية أن الأمر لم يكن فيه من متسع للخيار.

يتقدم عامر بطلب اللجوء في إحدى الدول المانحة، وأثناء الانتظار الذي طال كثيراً يتعرف على امرأتين في آن واحد.

مريم الآتية من البصرة، المدينة التي ولد فيها عامر، وهي التي استبد بها هاجس الاكتشاف والتمرد ولكن يخيفها مصطلح الاستقرار. الأمر الذي قادها إلى الدخول في مغامرة مع رجال السلطة في بلدها من دون حساب عواقبها.

أما المرأة الثانية فهي تينا، الأوروبية التي تريد عامر وتخشاه في الوقت نفسه، لعدم ثقتها به كرجل أولاً، وكرجل أجنبي ثانياً، متأثرة بظروف نشأتها وما تعرضت له في حياتها.

تأخذ الروائية القارئ إلى التآلف مع شخصيات هذه الرواية، لقربها الحياتي منهم في مدينة اتسمت بانفتاح حياتها الاجتماعية في سنوات خلت، لذا نجد في الهامش (هامش الرواية حيث تقسم دُنى الرواية إلى رواية وهامش) إعادة سرد لحياة الشخصيات المهاجرة في المتن (الرواية)، وتتبع لجذور نشأتها الأولى، عبر عودة إلى الماضي وإضاءة بعض جوانب ما مرّ به العراق في فترة الستينات عبورا إلى الفترة ما بعد الانتفاضة 1991، ومنتصف التسعينات حيث سنوات الحصار التي أملت شروط عيش مغايرة تماماً.

ونقرأ ضمن أجواء الرواية:

عن عمد، يترك مريم، وينقطع عن تينا. عن عمد، ينسى. عن عمد، يتعطّل. لا، ليس عن عمد. لا يحتمل قوّةَ الأولى، ولا ضعف الثانية. يدور في المحطّات، تلتفّ القطارات مثل أفاعٍ من حوله، تتعارك فيما بينها؛ لتسرقه.

الأبواب مُقفلة. الطُّرُق متشابهة، والانتظار مقيت، له وجهان، الفراغ وغاية الانشغال. مَن ذا الذي يُنصت إليه؟ يدور عامر في شوارع، يهطل المطر فيها مثل فحم أسود، يريد به التهلكة. يصعد سلّماً قائماً طويلاً مطيناً زلقاً، لا ينتهي، تقف تينا أعلاه، تُنزل عليه عقابها. بطنها، وهو يتأمّلها من الأسفل، تحجب وجهها عنه. يأتي تينا المخاض.

تلد في الأعلى تحت المطر الأسود. المخاض مخاضه. الدم قطع خاثرة. يشعر بالوهن، وهو يصعد، يختنق بصوت ألمها. يدها ممدودة، تستنجد به.

لكنه يقفز من منتصف السّلّم إلى الأرض، يركض؛ ليهرب بعيداً من جديد، يختفي ويغيب، بينما يدها الممدودة التي تطلب النجدة تلاحقه.

وهذه الرواية هي الرابعة لدُنى غالي الكاتبة والمترجمة المقيمة في الدنمارك، بعد “النقطة الأبعد”، “عندما تستيقظ الرائحة” ورواية “منازل الوحشة”.

ولها أيضا مجموعات نثرية وشعرية، وأصدرت باللغة الدنماركية رواية ومجموعتي نصوص نثرية وشعرية، إضافة إلى ترجمات أدبية من اللغة الدنماركية. آخر إصدار لها كان “لا تقصصي القصص يوم الأربعاء” 2016 الصادرة من منشورات المتوسط.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى