‘على ضفاف القصباء’ تعيد الألق للقصة القصيرة

عبدالحافظ الحوارات، ذاك الشاب، فنان الكلمة، القادم من أعماق الأرض (بالمعنى الحقيقي للكلمة)، من على ضفاف القصباء (قناء الغور الشرقية)، يعيد الألق للقصة القصيرة، في مجموعته القصصية الأولى “على ضفاف القصباء” الصادرة مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان.

من الغور الأردني مرورا بصحراء الإمارات العربية، يرصد الكاتب كثيرا من تفاصيل الحياة، تلك التفاصيل التي تمنح القصص واقعية، وجمالا ومعنى، يرصدها بعين الخبير، ويكتبها بقلم الفنان. وهو ينهض بذلك المكان المهمل تحت سطح البحر، ليضعه تحت الشمس، وتحت عيون القراء.

يطرح الحكمة تارة: “أيجب أنْ يستمرَّ تناسلنا نحن البشـر كلّ البشـر؟ هل تموت الحياة إن عَزِفَ بعضنا عن مهمّته التي غرسها به الآخرون؟ وهل لهذا الوجود، وجودنا عِلّة؟ وهل كل الذين وُجِدوا على هذه الأرض فاخرون؟ وهل حظّنا بين المئات المتنوّعة التي تخالطنا وتُشاركنا الحياة على ضِفاف القناة يرتقي بنا مراتب التأثير في الحياة أم أننا فقط كالشـياه ترعى حتى تشبع ثمّ تخلد إلى نومٍ بيولوجيٍّ وتستيقظ منه لتدخل في نومٍ ميتافيزيقيٍّ لا يراه ولا يتحكّم به إلا ذوي البصـيرة من غيرنا؟ كم كنتَ رائعاً أيها العلائيّ حينما اختصـرتَ مُعاناتي وأمثالي الكثيرين في غفران رسالتك، وحينما كتبتَ على شاهد قبرك حتى قبل أن تموت:

«هذا جناه أبي عليّ وما جنيتُ على أحدِ»…( قصة: المفقودة… أبي).

وتارة يصف المشهد، بحيث يجعل القارئ يراه: “سلسلة طويلة من الخطوات التي تُرهقنا وتُرافق كلّ محاولة نقوم بها، تبدأ بالفحص وأخذ العيّنة وزراعتها والانتظار الطويل المشوب بفرحة نصطنعها أنا ورفيقتي، نجلس أمام الطبيب الذي يكاد طَرْقُ نبض قلبينا يصمّ أُذُنيه، يجرّ نظارته السميكة أماماً وخلفاً حتى يستبين بوضوح دلالات تلك الأرقام المطبوعة على ورقة الفحص أمامه، وأنظارنا ترتقب الأمل، أربع عيون ترتجي البُشـرى فتَتَعَلّق حيناً بشفتيه، بحركة حاجبيه، نتتبّع سبابته، نقطب حين يقطب ونعود للخلف على مقاعدنا حينما يرتخي قليلاً على كرسـيه الدوار، ونفزّ قبل قلوبنا حينما يرفع سمّاعة الهاتف مستفسـراً عن أمر، حتى إذا ما أعاد نظارته لمكانها واعتدل برأسه نحونا ووجد وجهينا لا يبرحان وجهه، اقترب حاجباه من بعضهما بعض حتى كادا يلامسان ضفّتي أخدود قد انبَلَجَ في المنتصف تماماً بينهما، ففهمنا حينها الخبر…”

المجموعة التي تقع في (140) صفحة، تضم عشر قصص، تناولت عددا من جوانب حياة أبناء الغور ومعاناتهم الإنسانية. فهي مجموعة جديرة بالقراءة.

يذكر أن الكاتب الحوارات من مواليد 1969، الأغوار/ ديرعلا، وتحديداً على ضفاف نهر يبوق (سيل الزرقاء) الذي يمرّ في منتهاه بالقرية الوادعة الجميلة مسقط رأسه «وادي الحوارات». درس الفيزياء في الجامعة الأردنية وتخرّج فيها عام 1991، ودرس دبلوم التربية في الجامعة نفسها، ثم حصل على شهادة الماجستير في المناهج وطرق تدريس العلوم من الأردن أيضاً عام 2007. عمل بوزارة التربية والتعليم الأردنية مدرّساً للفيزياء، ثم انتقل لوزارة التربية والتعليم الإماراتيّة في مطلع العام 2000 وما يزال يعمل هناك مدرّساً ومُدرّباً فيها. نال جائزة الشارقة للتميّز التربوي عن فئة المعلّم المتميّز، 2005. وهو عضو في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات. صدر له كتابان، هما:«الثميد.. وجدانيات وذكريات مع صحراء الشارقة»، 2015، ورواية” أحياء على بحر ميت”، 2017.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى