ثنائية الدين والسياسة في ‘يوم خذلتني الفراشات’ و’نزلاء العتمة’

د. خولة شخاترة
سؤالا الدين والسياسة وبناء الشخصية

“يوم خذلتني الفراشات” نموذجا

السياسة حاضرة في رواية “يوم خذلتني الفراشات” للروائي الأردني زياد محافظة من أولها إلى آخرها وفيها تتبع دقيق لمراحل صناعة الدكتاتور، ومحاولة للإجابة عن أسئلة كثيرة، منها على سبيل المثال للحصر: كيف تمكن فلان من تسلم زمام الحكم؟ وكيف وضع يده على مقدرات الدولة؟ فهي تروي كيفية صعود نجم الدكتاتور بكل ما تعني الكلمة من معنى، وكيفية استغلاله لكل فرصة، ولكل حادثة بما فيه تاريخ والده النضالي.

لقد كان والده يطمح أن يتوج نضاله بدولة ديمقراطية يحكمها القانون ومؤسسات المجتمع، لكن دفع ثمن هذا الطموح – الذي ظل حلما- ثمنا باهظا: العزلة، والإقامة الجبرية والموت كمدا.

لم يتورع الابن عن توظيف هذا التاريخ للوصول إلى السلطة، ولم يتوقف الابن عند استغلال تاريخ والده فقط، بل سعى إلى الانفتاح على القوى التي تساعده على احكام قبضته على البلاد والعباد سواء أكانت خارجية أم داخلية ومن بينها التيارات الدينية.

وتظهر الرواية الغزل بين السلطة وهذه التيارات، وتفتعل الأحداث والمواقف كي تصبح الفرصة مناسبة للانفتاح عليها، لا لإشراكها بالسلطة مثلا، أو لأن هذه الأخيرة ديمقراطية بل كي تعزز نفوذها بوسائل كثيرة منها التعاون مع هذه التيارات الدينية.

فالسياسة حاضرة في الرواية من أولها إلى آخرها وفيها تحليل لكيفية الوصول إلى قمة هرم السلطة وفيها إشارة واضحة إلى حاجة السلطة ومصلحتها بالتقرب من التيارات الدينية كي تعززالسلطة نفوذها وتتغاضى هذه التيارات عن ممارسات السلطة الفاسدة أو إدارتها للبلاد والإشارة إلى محور الدين الذي ينحصر في هذا الجانب لم يأتي بشكل اعتباطي أو أنه اقحم بالرواية وإنما جاءت الإشارة إليه كي تكتمل صورة الدكتاتور الانتهازي في الرواية الذي لا يتورع عن استغلال إي شيء للتفرد بالحكم، وإقصاء كل منافس أو معارض أو شريك.

سؤالا الدين والسياسة: ثنائية الموت والحياة

نزلاء العتمة نموذجا

أما “نزلاء العتمة” الرواية الأخرى لزياد محافظة فقد بنيت على ثنائية الموت والحياة السياسة والدين على التوالي فالمعتقل الذي سجن لمدة 10 سنوات واجه الموت مرات عديدة وحين دنت منيته اشتم رائحة مختلفة لأول مرة فتخيل الموت بصورة جميلة جدا.

والمفارقة أن الإنسان المخلص صاحب المبادئ ينتظر الموت كي يحيا!! إنه بمعنى آخر يصبح الموت أقصى أمانيه.. فأي حياة يحياها أو نحياها نحن؟؟!.. فرحل إلى العالم الآخر بمخيلته التي تذكرنا برسالة الغفران والكوميديا الآلهية، فرسم عالما مختلفا طالما حلم به وسعى إلى تحقيقه: عالم صنعه بيده وشكله وفق ما يحب ويرغب..عالم افتقده في الحياة الدنيا فأراد أن يحققه في الآخرة أو أن يجد بديلا له في الآخرة.

ليس هروبا أو انهزامية والدليل أنه دفع ثمن موقفه سنوات طويلة من عمره بعيدا عن الزوجة والأهل والولد.

إن رغبته بالحياة دفعته إلى التسامي والابتعاد عن الضغائن والأحقاد فصفح عن الجميع بمن فيهم سجانه.

لقد أراد حياة مختلفة حاول أن يشارك الآخرين ويشركهم فيها.. فصارت القبور أماكن تليق بالإقامة والحياة، اعتنى بالمساحة أمام القبر وأضفى عليها الكثير الكثير من الجمال (أراد أن يؤثث هذا العالم وفق صورة رسمها في مخيلته): انتقى الألوان الزاهية فزين القبور بالأحجار الملونة التي جمعها من أودية الموت البعيدة.

ثم استخدم الشموع لإضفاء المزيد من السحر والجمال على المنظر بشكل عام بعد أن كانت القبور بلا ملامح ولا ألوان.

وكانت الشموع وسيلة للتواصل مع الطفل الذي ظل منغلقا على نفسه، ولكي تكتمل الحياة بكل جوانبها المختلفة بكل تفاصيها بكل النماذج التي تصنع الحياة الحقيقية فالتقى بشاعر يحلم بمساحة يقرأ فيها الشعر فأتاح له هذه الفرصة حين قرر أن يقيم احتفالا كبيرا للموتى.. فيتمكن الشاعر من قراءة قصائده أمام الناس.

ثم تعرف على عازف الناي وطلب منه أن يعلم الطفل العزف ويشارك بالاحتفال أيضا.. لقد كان يجهد باللبحث عن حياة تليق بالموتى..حياة يعوض بها عن حياة المعتقل…وعلى الرغم من محاولاته الحثيثة لبث الحياة في القبور ومشاركة هذه الحياة مع الآخرين بإقامة حفلة للموتى.. الا أن أعداء الحياة حاولوا ثنيه عن أي محاولة لتغيير الصورة النمطية عن الموت وانتزاع الهيبة عنه..ف الموت له حرمة ولا يجوز استباحتها بالفرح والاحتفال كما يعتقدون، وقد حاولوا هذا بالكلام ثالثة.

الغريب أن أعداء الحياة الذين أظهروا كل هذا الاهتمام بالموت وحرمته غابوا تماما في الحياة.. فالمعتقل عانى وحيدا لأنه ينتمي إلى جماعة سياسية تعارض السلطة القائمة.. من أجل حياة تليق بالناس كل الناس لم يجد من هؤلاء المساندة والتأييد أو اتخاذ موقف لصالحه، أين دور هؤلاء في معركة الحياة؟ لم لم يشاركوا هذا المعتقل معاناته؟

إن الرواية من أولها إلى آخرها بوصف شخصياتها المتعددة وحواراتها أو وصفها للمكان الدنيوي أو الآخروي وسردها وبكل مكون من مكوناتها تعالج موضوعة الموت والحياة، قداسة الموت ودناسة الحياة كما يرى أعداء الحياة، لا يجوز تدنيس قداسة الموت بإضفاء مظاهر الفرح والبهجة عند الموتى، لا بد من الاحتفاظ بهذه القداسة عبر الاحتفاظ بسمت الكآبة والصمت.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى