الشاعر النوبي فيصل موصلّي يوثق لشعر «النميم»

رحاب عليوة

حين أصدر المطرب النوبي محمد منير أغنيته «في عشق البنات» عام 2000 ضمن ألبوم غنائي حمل الاسم نفسه، كان الشاعر النوبي فيصل موصلي (53 سنة) يتجول بين عائلات أربع قبائل عربية بهدف تدوين شعر تراثي شفهي تنتمي إليه قصيدة منير ذاتها، يسمى شعر «النميم» ويواجه خطر الاندثار مع موت حَفَظته. وهذه القبائل هي العقيلات، الجعافرة، العبابدة والأنصار، وقد قصدت جنوب مصر (النوبة) مع الفتوحات الإسلامية.
للـ «نميم» معانٍ عدة كالبياض على أطراف الأظافر، والوشاية التي تسعى للإيقاع بين الناس، غير أن الموصلي يرجّح «صوت وطء الأقدام على الرمال» لتفسير إطلاق ذلك الاسم على الشعر النوبي الذي خاض في كل الأغراض الشعرية من مدح وغزل وهجاء ورثاء. ويقول موصلي: «كان الحادي (قائد الإبل) يخلط أصوات وطء الأقدام بشعر شفهي ارتجالي اعتقاداً منه أن ذلك الشعر يحضّ الإبل على الإسراع. ومن هنا أطلقت القبائل العربية على الشعر الارتجالي الذي يردده شعراؤها في جلسات خاصة ضمن حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية اسم النميم».
يضيف الشاعر النوبي: «أُميّة رواد النميم الأوائل حالت دون تدوين ما يبدعون، واقتصر حفظه على تناقله شفاهياً، غير أن موت الرواد وبعض الحفظة كاد يذهب بذلك الإرث الأصيل الذي لم يسجل عادات أهل النوبة وتاريخهم فحسب وإنما تفاعل مع حوادث الوطن ككل». لذلك قرّر موصلي خوض رحلة لجمع ذلك الإرث وتدوينه، «لا سيّما أني عاصرت بعض رواده في طفولتي ومنهم شحات أبو عثمان، عبده أبو حديدة، عبدالحميد العوني، جادو النور، عمر أبو دياب».
تجوّل الموصلي على مدار 25 عاماً بين القبائل النوبية العربية التي ينتمي إلى إحداها، ملتقياً أكبرهم سناً ممن حفظوا القصائد عن شعرائها، في عملية واجهت صعوبات عدة أبرزها تحريف القصائد. ويوضح الشاعر الذي جمع ما يقارب 15 ألف بيت شعر بجهود ذاتية، أن «القصيدة الواحدة سيقت على مسامعي بأكثر من رواية، وهنا كنت أقارن بين الروايات للوصول إلى الصيغة الأقرب إلى الصورة التي قيلت بها القصيدة للمرة الأولى».
ساهم الغناء في حفظ بعض أشعار النميم، وأبرزها قصيدة «في عشق البنات» التي جمع منير أدوارها (الدور يطلق على أربعة بيوت شعر) من أكثر من شاعر نوبي أبرزهم عبده أبو حديدة. وعن هذه الأغنية يشرح الموصلي: «منير لم يكن أول من غنّاها، بل سبقه مطربون نوبيون لم يحققوا شهرته، ومع ذلك حالت تقاليد ترديد شعر النميم من دون أي آلات موسيقية، دون حفظ الجزء الأكبر منه. وفي مرحلة لاحقة تغنى مطربون نوبيون بأشعاره بمصاحبة آلة الطنبور النوبية (آلة من خمسة أوتار)».
يسعى موصلي الذي كرمته الهيئة العامة لقصور الثقافة العام الماضي، إلى تسجيل فن النميم ضمن التراث العالمي للإنسانية في منظمة «يونيسكو»، غير أن ذلك لا يمكن أن يتم سوى بدعم من الأجهزة الثقافية المصرية التي لا تزال جهودها مقصورة على حفظ التراث على حد تعبيره: «لم تقم الدولة بأي جهود حقيقية لحفظ الإرث النوبي، وإن كانت بعض الأجهزة الثقافية بدأت تلتفت إلى جهودنا أخيراً، ومنها المجلس الأعلى للثقافة الذي عقد أكثر من ندوة عن ذلك الشعر». وبخلاف جهود الموصلي لحفظ التراث النوبي في شعر النميم، صدر له ديوان شعر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2001 بعنوان «شهر عشرة حبابو عشرة»، وكتاب عن الأديب النوبي ادريس علي صدر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2011.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى