جائزة محمود درويش للإبداع إلى ماهر الشريف وسلوى بكر وأرونداني روي

يوسف الشايب:

ذهبت جائزة محمود درويش للإبداع، إلى كل من المؤرخ الفلسطيني د. ماهر الشريف، والروائية المصرية سلوى بكر، والروائية والناشطة الهندية أرونداني روي، وفق ما أعلن د. زياد أبو عمرو، رئيس مؤسسة محمود درويش، في حفل توزيع الجائزة بمتحف محمود درويش بمدينة رام الله، مساء أمس، وهو الذي شدد على عظم مسؤولية مواصلة مشروع درويش الثقافي والإنساني والتنويري، لافتاً إلى أن القائمين على المؤسسة والعاملين فيها يعملون على التعلم من درويش والبحث في أسراره الإبداعية التي تجمع الأرض، والشعب، والتاريخ، والمستقبل في نص واحد، و”أن نجعل من شاعرنا الملهم إلهاماً لنا وللأجيال القادمة”، مستعرضاً إنجازات المؤسسة على أكثر من صعيد.

وفي تقرير لجنة التحكيم، وضمت كلاً من: اللبناني جبور الدويهي، وإبراهيم عبد المجيد، وسعيد الكفراوي، ود. أماني فؤاد من مصر، وجمال ناجي وهشام البستاني من الأردن، وأكرم مسلّم، وزكي درويش من فلسطين، وبرئاسة د. فيصل درّاج.

وأشار الروائي أكرم مسلم، عضو اللجنة في تلاوته لتقريرها إلى أنه جرى التداول بأسماء المرشحين للجائزة، بحرية وتكامل في الآراء، وتوصل المجتمعون، بلا اعتراض أو تحفّظ، إلى منح الجائزة إلى أسماء ثلاثة جديرين بها، وهي: المؤرخ الفلسطيني الدكتور ماهر الشريف، والروائية المصرية سلوى بكر، والروائية الهندية العالمية أرونداني روي.

وأضاف: اعتمد منح الجائزة على المعايير التي أقرّها المجتمعون في الدورة الأولى للجائزة، التي تتضمن عناصر أربعة: الإبداع الفني الأدبي، الذي ترجمه محمود درويش في إنتاجه الشعري والنثري، والالتزام بقضية الحرية، التي لا إبداع من دونها، المستمدان من عنوان الجائزة: جائزة محمود درويش للحرية والإبداع، والتزام الثقافة بأفق الشعب العربي المتطلع إلى الانعتاق، وكونية الثقافة التي تحتضن القيم الإنسانية جميعاً.

ماهر الشريف
وفي مبررات اللجنة منح الجائزة للدكتور ماهر الشريف، قال مسلم: يتميّز ماهر الشريف بإخلاصه الثقافي ومثابرته العلمية، وربط معارفه المتطورة بقضية فلسطين.

بدأ مساره العلمي، عام 1985، بكتاب عن “التراث الثقافي الفلسطيني” في وجوهه المتعددة، وتابعه بعودة إلى الحياة السياسية الفلسطينية في النصف الأول من القرن الماضي، متخذاً من “الشيوعية والمسألة القومية” مركزاً لاجتهاده قارئاً، بالضرورة، إلى “تاريخ فلسطين الاقتصادي الاجتماعي”. وهو عنوان أحد كتبه عام 1985.

ومع أنه أكاديمي بامتياز، ويأخذ بأصول البحث الأكاديمي، ربط، دائماً، بين العناصر المعرفية وآثارها السياسية على القضية الوطنية، فقدّم بحثاً طويلاً موثقاً عنوانه: “البحث عن كيان ـ دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني 1908 ـ 1993″، ووسّع آفاق عمله العلمي المتواتر في خمسة كتب: فلسطين في الأرشيف السري للكوومنترن ـ 2004، وقرن على الصراع العربي الصهيوني: هل هناك أفق للسلام؟ 2011، و”من تاريخ الصحافة الشيوعية العربية في فلسطين 1924 ـ 1936 ـ 2011، مسائلاً وجوه الصواب والخطأ في ممارسات الشيوعيين الفلسطينيين، قبل النكبة، وطريق الكفاح في فلسطين والمشرق العربي (2015)، وصولاً إلى كتابه العلمي التربوي الأخير: فلسطين في الكتابة التاريخية العربية (2016).

ولعل هاجسه الديمقراطي ـ التنويري، الذي لم يتخلَّ عنه أبداً، هو الذي أملى عليه مقاربة للعامل الديني، فأشرف، مع غيره، على كتاب: حداثات إسلامية (2006)، و”تطوّر مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي” (2008)، متأملاً “الإيمان الديني” في ممارساته العملية، وأثره في الكفاح الوطني.

وحّد ماهر الشريف، في عمله العلمي، بين المعرفة والمستلزمات الكفاحية الوطنية، محافظاً على اتساق في النظر، تطوّر المعرفة لا التحزّبات العارضة، وعلى تكامل أخلاقي نموذجي، بعيد عن المصلحة الذاتية، بعد أن اختار النزاهة العلمية ـ الأخلاقية مرجعاً ذاتياً، بنى عليه حياته، لا ينصاع إلى العوامل الخارجية والحسبان الذاتي.

جعلت هذه الوجوه جميعاً من الدكتور ماهر الشريف مؤرخاً مجتهداً، يوسع آفاق البحث العلمي في المجال الفلسطيني، ومثقفاً ملتزماً، يعطف سؤاله العلمي على قضيته الوطنية، ويوحّد بينهما في ممارسة أخلاقية، تحاذر الخلل والأحكام المتعجلة.. ولهذا كله استحق جائزة محمود درويش لهذا العام.

وتحدث الشريف عن محمود درويش ودوره في صيانة الهوية الفلسطينية، ونقل القضية إلى العالم، وقال: بقي درويش مهموماً بهموم شعبه، منتمياً إلى قضيته الوطنية، واثقاً على الرغم من الجروح القاسية التي واجهها شعبه، لأن هذا الشعب غير قادر على الخروج من التاريخ ولا الجغرافيا، بل ويقاوم محتليه باللجوء إلى وسائل تبرز صورته الحضارية، وتضمن تفوقه الأخلاقي على محتليه، وهو الاتجاه الذي عبر عنه محمود درويش، كما عبر عن قضية شعبه في كل إنتاجه الأدبي.

وأضاف: أدرك درويش أن على الأديب الفلسطيني في المرحلة الراهنة التي يمر فيها شعبه، ألا يدير ظهره إلى السياسة بمعناها الواسع، فقد قال درويش ذات مرة: إن السياسة تعني في وضعنا الفلسطيني أن نكون منتمين إلى قضيتنا الوطنية .. ومع أن محمود لعب دوراً بارزاً في إغناء الحداثة الشعرية، إلا أنه أدرك مبكراً أن هذه الحداثة ليس في وسعها أن تقوم مقام الحداثة الحقيقية بصفتها منظومة فكرية تشمل كل محتويات المجتمع، وتشترط إعادة قراءة التراث من منظور نقدي، ومواكبة العصر، والانفتاح على الآخر، وهو ما كان في أساس نزعته الإنسانية العميقة.

سلوى بكر
أما مسوغات منح الجائزة للروائية المصرية سلوى بكر، فكانت وفق اللجنة لكون كتابتها الأدبية، تنتمي على مستوى الموضوع، إلى الموروث المحفوظي الذي جمع بين قضيتي: المرأة والسياسة، وقرأ بهما أحوال المجتمع المصري. وتنتمي على مستوى التجريب والرؤية إلى جيل ما بعد محفوظ، الذي اندرج فيه جمال الغيطاني ومحمد البساطي ومحمود الورداني ورضوى عاشور، وغيرهم من المبدعين المصريين الذين جعلوا من الرواية شكلاً من التأريخ والنقد والاحتجاج والاستنارة.

وتميزت سلوى بكر بإخلاص نموذجي للكتابة الأدبية، منذ العام 1979 إلى اليوم، معتبرة الكتابة “شهادة إبداعية أخلاقية” تسرد أحوال المضطهدين وتطلّعهم إلى الحرية، ومؤكدة دور الأديب العملي النظري شاهداً على قضاياه الوطنية القومية، التي “لا تنسى قضايا الشعب الفلسطيني العادلة”.

وزاوجت، منذ بدايتها الكتابية، بين جنسين أدبيين هما: القصة القصيرة والرواية، أعطت في المجال الأول سبع مجموعات قصصية وأكثر مثل: حكاية بسيطة (1979)، ومقام عطية التي نشرتها مع رواية العام 1984، وعجين الفلاحة (1992)، التي تلتها مجموعات “أرانب وقصص أخرى” وإيقاعات متعاكسة” وغيرها، وصولاً إلى “وردة أصبهان” (2012)، وتميزت المجموعات جميعاً بالتزام واضح بقضايا الإنسان البسيط وباقتصاد لغوي متميز في أدبيته، وظفر بعض أعمالها بجوائز عالمية.

أما على المستوى الروائي فأنجزت عملها “العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء” (1991)، الذي سرد تجربة المرأة في السجن، وعلاقتها بالمجتمع، ووضعت فيه تجربة ذاتية، وهي التي اعتقلت العام 1989، بسبب اشتراكها في إضراب عمال الحديد والصلب. وبعد هذا العمل، الذي لفت الأنظار، عادت إلى التاريخ وقدمت رواية في جزأين: “البشموري”، التي قرأت وجوهاً من حياة الفلاحين في مصر، ذلك أن البشموري هو “الفلاح القبطي” الذي يسكن شمال مصر وبالتحديد في منطقة الدلتا، ويعرف نهر النيل وفيضاناته.

ولم يكن تاريخ المضطهدين في مصر غائباً عن روايات أخرى، مثل، سواقي الوقت، كوكو سودان باشي، وأدماتيوس الألماسي، ورجعت في بعض هذه الروايات إلى التاريخ المصري القديم، وحاولت استدراك “نسيان المؤرخين” برواية تعيد قراءة التاريخ وتأويله. ولعل اهتمامها بما ينساه “المؤرخون الرسميون”، هو الذي دفعها إلى كتابة رواية “شوق المستهام”، الذي أعادت قراءة وجوه جديدة من تاريخ مصر الفرعوني.

واعتبرت سلوى بكر الكتابة أداة في “مواجهة المضطهدِين”، وتأملت “اضطهاد المرأة”، كما توقفت أمام عبث المؤرخين الرسميين للذاكرة الشعبية. وتمردها هذا على الاضطهاد، في وجوهه المتعددة، جعل منها، نصيراً لجميع لقضايا التحرر والانعتاق في العالم .. جميع هذه الأسباب تسوّغ إعطاء جائزة محمود درويش إلى الأديبة سلوى بكر.

وعبّرت بكر في كلمة مسجلة لها، عن سعادتها بالفوز بجائزة من فلسطين وتحمل اسم محمود درويش، واصفة إياها بأنبل وأطهر جائزة في عالمنا اليوم .. وقالت: أشعر بالفرح، وأشعر بأن الشرف قد شملني فعلاً بحصولي على هذه الجائزة .. كنت أتمنى أن أكون معكم اليوم، لكن ظروفاً حالت دون أن أشارككم هذا اليوم العظيم .. كنت أتمنى أن أحمل عندما أعود من فلسطين شيئاً من ترابها، وأهديه إليهم، ليتذكرونني بعد مماتي ذات يوم، بأنني قدمت لهم أطهر وأسمى هدية يمكن أن يحصل عليها إنسان في هذا العالم.

أرونداي روي
وحول مسوغات منح الجائزة للروائية والناشطة الهندية أرونداي روي، قالت اللجنة في تقريرها: أرونداي روي هي قامة مزدوجة الأهميّة، فبالإضافة إلى قيمتها الإبداعيّة والفكريّة الرفيعة المتمثّلة في روايتها الشهيرة: “إله الأشياء الصغيرة”، المحتفى بها نقديّاً، والحائزة على عدّة جوائز، وفوقها ستّة عشر كتابا في الفكر والثّقافة والسّياسة، وعشرات المقالات؛ ثمّة قيمة نضّاليّة لأرونداي روي تتمثّل في نشاطها الدؤوب ومشاركتها الفعّالة في قضايا العدالة والحريّة والمساواة والبيئة: فنقدها العميق للعولمة الرأسماليّة، والإمبرياليّة، والتدخّل العسكريّ، والعدوان، ومشاركتها في المنتديات الدوليّة المنادية بعالم أكثر عدلا، إضافة إلى نقدها للإرهاب الإسرائيلي، ودعمها لمقاطعة إسرائيل، وانحيازها لعدالة القضيّة الفلسطينيّة والقضايا الإنسانيّة العادلة عموماً، أعطى صوتا مؤثرا ومسموعا لهذه القضايا.

تكتب أرونداي روي في “إله الأشياء الصغيرة” عن تأثير الأمور الهامشيّة والعابرة وغير الملحوظة على مسارات الحياة، وعن التمييز الاجتماعيّ، والطبقيّ، وهي مواضيع تستكملها في إطارها الأوسع في كتبها الفكريّة مثل: “سياسات القوّة”، و”دليل الإنسان العاديّ لفهم الامبراطوريّة”، و”قوّة العامّة في عصر الامبراطوريّة”، و”الرأسماليّة: قصة أشباح”، جامعة بين حرفيّة أدبيّة، وعمق فكريّ، وأهميّة ترجمة كلا الأمرين في الواقع المُعاش للنّاس، من خلال العمل العامّ.

هذه الاهتمامات المتميّزة، المتعدّدة المسارب، أدبا وفكرا ونضالا، تحقّق في أرونداي روي معايير جائزة محمود درويش، التي تفخر مؤسسة محمود درويش بتقديمها لهذه القامة الإبداعيّة العالميّة في ذات الوقت الذي تُصدر فيه روايتها الثانية “وزارة السّعادة القصوى” بالإنجليزية، وبعدّة ترجمات إلى لغات عالميّة بشكل متزامن، منها العربيّة.

وقالت الروائية الهندية أرونداي روي في كلمتها المسجلة: هنا في الهند نعرف محمود درويش حق المعرفة .. كشاعر فلسطيني بإمكانه أن يملأ ملعب كرة قدم بمعجبيه بكلماته الممتلئة بالحب والغضب وهذا هو الشعر .. نعم درويش ابن فلسطين، لكنه ينتمي لنا أيضاً، إنه ينتمي لكل المضطهدين والمظلومين في كل مكان في العالم .. إنه ينتمي لشعب كشمير والملايين من الشعوب والقبائل في جميع العالم، ممن هجّروا من أرضهم وأنهارهم وأماكن انتمائهم، تحت ذرائع أسماها العالم الجديد “تنمية”، لكن كل شخص واع يعرف الحقيقة بأن هذه التنمية دمار حقيقي .. دمار لهذا العالم.

وأضافت: لقد جرى تهجير الملايين من الهنود بعيداً عن منازلهم وقراهم بسبب ما يسمى مشاريع التنمية، لكنهم لا يعتبرون مهجرين، كونهم نقلوا إلى مكان آخر داخل ما أسماه الكائن البشري “دولة” .. في عالمنا اليوم، حيث سجن الإنسان وراء قضبان وحدود البلدان، بشكل أصبحت فيه أماكن مثل فلسطين وكشمير بمثابة سجون كبيرة لشعوبها، في عالم يجري فيه سجن الناس وتجميعهم، بينما يتدفق المال بحرية عبر الحدود مباشرة إلى جيوب النخب الدولية ممن يملكون الأرض والثروات والموارد والمياه والمعادن في هذا العالم، متسائلة: ماذا تعني الدولة؟ وماذا تعني الهوية؟ وماذا يعني جواز السفر؟، منهية كلمتها بترجمة لقصيدة درويش “جواز السفر”.

(الأيام الفلسطينية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى