شون كارول يحكي قصة الثورة الإحيائية الجديدة

محمد الحمامصي
يحكي هذا الكتاب “أشكال لا نهائية غاية في الجمال.. علم الإيفوديفو الجديد وصناعة مملكة الحيوان” لرائد علم النمو التطور وعالم الأحياء الجزيئية والجينات وعلم الوراثة الأميركي شون كارول، قصة الثورة الإحيائية الجديدة، ورؤيتها العميقة لكيفية تطور المملكة الحيوانية، راسما صورة واضحة لعملية تشكل الحيوان، وكيف أن تغيرات شتى طرأت على عملية التشكل هذه أدت إلى صياغة أشكال الحيوانات المختلفة، سواء الحية منها أو تلك التي حفظتها لنا سجلات الأحافير.

وأكد “كارل” أن التقدم في علم أحياء النمو وعلم أحياء النمو التطوري “الإيفوديفو” كشف الكثير عن الجينات غير المرئية، وبعض قواعدها البسيطة التي تنحت شكل الحيوان وترسم تطوره عبر الزمن، وقال: معظم ما تعلمناه كان مذهلا وغير متوقع، وأعاد بعمق تشكيل فهمنا للكيفية التي تتطور بها الأنواع، إذ لم يخطر مثلا ببال أحد من علماء الأحياء أن الجينات التي تتحكم في صنع جسم الحشرة وأعضائها الداخلية هي ذاتها الجينات التي تتحكم في صنع أجسادنا.

وعلم النمو التطوري أو “الإيفوديفو” علم يقارن بين مراحل نمو الكائنات الحية باحثاً عن التغيرات التي تقود لتطور الكائنات. حيث يبرز كيف تتشارك الكائنات سواء تلك التي حولنا أو المنقرضة كالديناصورات والكركدن العملاق مجموعة من الجينات الغابرة تسمى “جينات عدة الأدوات”، التي تقوم بنحت أشكال الحيوانات، فهي المنوط بها تشكيل أعضاء مثل القلوب والعيون والأعصاب والأطراف الخارجة من الجسم كأجنحة الذباب ومخالب السرطانات.

وركز كارل على أربعة أسئلة رئيسية: ما هي أهم القواعد الرئيسية لإنتاج شكل حيواني؟ كيف تشفر المعلومات الخاصة بالأنواع لبناء الشكل الحيواني؟ كيف يتطور التنوع؟ ما الذي يشرح النزعات واسعة النطاق في التطور مثل التغير في عدد الأجزاء المتكررة ووظائفها؟ أين نبحث عن القواعد والتعليمات؟ في الحمض النووي “الدنا”، في مجموعة الدنا الكاملة “الجينوم” للنوع الحي، حيث تكمن المعلومات اللازمة لبناء ذلك الحيوان.

وأضاف “إن تعليمات صنع خمس أصابع أو بقعتين دائريتين على جناح فراشة أو ست أرجل أو شرائط بيضاء وسوداء، مشفرة بطريقة ما في جينومات الأنواع الحاملة لهذه الصفات، هل يعني هذا وجود جينات للأصابع وأخرى للبقع وأخرى للشرائط، إلخ؟”

وقد لفت كارل في مقدمة كتابه الذي صدر عن مشروع كلمة ترجمة عبدالله المعمري وحمد الغيثي، أنه كتب كتابه واضعا في ذهنه عددا من القراء الافتراضيين: القارئ الأول هو ذاك المهتم بالطبيعة والتاريخ الطبيعي، الذي تخلب لبه حيوانات الغابة المطيرة والشعاب المرجانية والسافانا ومكامن الأحافير. ويتضمن الكتاب الكثير عن تكون وتطور بعض من أكثر الحيوانات روعة، سواء التي عاشت في الماضي أو تلك التي نراها في الحاضر.

القارئ الثاني يُمثِّل الفيزيائيين والمهندسين وعلماء الكمبيوتر وغيرهم من المهتمين بفهم جذور التعقيد؛ حيث يسرد الكتاب لهؤلاء قصة التنوع الهائل الذي نشأ من تجميع عدد قليل من مكونات شائعة.

القارئ الثالث يمثل الطلاب والمعلمين؛ ذلك لأني أعتقد أن الرؤية الجديدة التي يقدمها علم “الإيفوديفو” تمنح عملية التطور ألقا جديدا، وتقدم صورة أكثر إقناعا وإشراقا مقارنةً بالصورة التي عادة ما تُعرَض في حلقات الدراسة والنقاش.

أما القارئ الرابع فهو ذلك الذي يتفكر في السؤال “من أين جئت؟”، ولهذا القارئ يتحدث الكتاب عن تاريخ الإنسان، وتاريخ الرحلة التي يقطعها من البويضة إلى النضج، وتاريخ الرحلة الطويلة منذ بدء ظهور أول الحيوانات إلى ظهور النوع البشري الحالي.

وأكد أن علم “الإيفوديفو” ـ النمو التطوري ـ الذي يشكل المرحلة الثالثة الكبرى في فهمنا للتطور، قد وفر قطعة مهمة ناقصة في “النظرية التركيبية الحديثة ـ علم الأجنة ـ بل دمجها بعلم الجينات الجزيئية وبالعلوم التقليدية كعلم الأحافير، إن الطبيعة المدهشة لبعض اكتشافاته المحورية وعمق أدلته التي وفرها لحل الأسئلة مستعصية وجودتها غير المسبوقة يمنحان علم الإيفوديفو سمة الثورية.

ولفت إلى أن علم الإيفوديفو يوفر وسيلة جديدة لتدريس المباديء التطورية في إطار أكثر فعالية، فعبر التركيز على قصص تطور الشكل وتوضيح كيف أن التغيرات في النمو والجينات هي أساس التطور، يُظهِر الإيفوديفو المبادئ العميقة الكامنة خلف وحدة الحياة وتنوعها. أيضا توفر الأشكال المرئية لأنماط النشاط الجيني في الأجنة، والجرد الدقيق لمجموعات عدد الأدوات الجينية في الأنواع المختلفة، طرق ذات فعالية أكبر في تمثيل المفاهيم التطورية من المقاربات من المقاربات التطورية من المقاربات التجريدية.

وقال كارل إن الإنجاز الأكبر للنظرية التركيبية الحديثة هو التوفيق بين الرؤية الأحفورية لما يسمى “التطور الكلي”، وهو التطور على مستوى الأنواع، والرؤية الجينية “للتطور الجزئي”، وهو التفاوت المرصود في النوع الواحد. وأكدت التركيبية أن التغيرات واسعة النطاق في الشكل كما ترى في السجل الأحفوري يمكن أن تشرح عبر الانتخاب الطبيعي لتغيرات جينية صغيرة خلال فترات طويلة من الزمن لتنتج تفاوتا داخل النوع.

ورأى كارل أن أول اكتشافات الإيفوديفو وربما أكثرها إذهالا هو الأصل الغابر لجينات بناء جميع أنواع الحيوانات، أن حقيقة أن أنواع الحيوانات المختلفة قد شكلت بواسطة مجموعات متشابهة جدا من بروتينيات عدة الأدوات كانت غير متوقعة تماما.

إن ما تمخضت عنه هذه الاكتشافات الثورية عظيم وينطوي على عدة نتائج حددها كارل في:

أولا: أنها وفرت دليلا عميقا وجديدا كليا لإحدى أهم أفكار دارون وهي أن جميع الأشكال تتحدر من سلف مشترك واحد أو بضعة أسلاف، حيث تظهر عدة الأدوات الجينية المشتركة الخاصة بالنمو ارتباطات عميقة بين المجموعات الحيوانية وهي ارتباطات لم تكن مفهومة بتاتا بسبب أشكال الحيوانات المختلفة كثيرا.

ثانيا: اكتشاف أن الأعضاء والبنى التي اعتبرت لفترة طويلة ابتكارات متناظرة مستقلة في الحيوانات المختلفة كالعيون والقلوب والأطراف تمتلك مكونات جينية مشتركة تتحكم بتشكيلها، أجبرنا على تعديل كلي لتصورنا لكيفية نشوء البنى المعقدة؛ فعوضا عن إعادة اختراعها من الصفر باستمرار فإن كل عين أو طرف أو قلب قد تطور عن تعديل بعض شبكات التحكم الغابرة وفقا لأوامر الجين أو الجينات الحاكمة ذاتها، وترجع أجزاء هذه الشبكات للسلف المشترك الأخير لثنائيات الجانب البدائي ولأشكال أقدم.

ثالثا: يظهر التاريخ العميق لعدة الأدوات أن اختراع هذه الجينات لم يكن الفتيل الذي أشعل التطور. لقد سبقت عدة الأدوات ثنائي الجانب العصر الكامبري وسبقت عدة الثدييات تنوع الثدييات السريع، وسبقت عدة أدوات الإنسان القردة والرئيسيات الأخرى بفترة طويلة. ليتضح أن الجينات بحد ذاتها لم تكن محركات التطور. تمثل عدة الأدوات الجينية الاحتمالية أما تحقيقها فرهن البيئة.

ونقل كارل عن فرانسوا جاكوب متوافقا معه قوله إن الطبيعة تعمل كسمكري يستخدم المواد المتاحة لا كمهندس يصمم، وقال “ابتكار أجنحة لم يكن أبداً من الصفر ولكن عبر تعديل تفرعات الخياشيم، كما في الحشرات، أو تعديل الأطراف الأمامية “ثلاث مرات”. إن النزعات التطورية تسلك الطرق الأكثر توفرا وبالتالي تصبح هذه المسارات هي الأكثر ازدحاما.

وأكد أن الطرق لا تستكشف جميعها والأنماط التي مازالت مبثوثة على أجنحة الفراش، وبالتنوع العظيم في أحجام العظيم من أحجام وهيئات وأنواع العلامات على نظرائها من الثدييات وبهندسة أجسام الحيوانات البحرية وأصدافها، وبالـ 300 ألف نوع أو أكثر من الخنافس، لقد قدر أن ملايين أنواع الحيوانات الحية الآن لا تمثل أكثر من نحو 1 % من المليار شكل أو أكثر التي تطورت خلال الـ 500 مليون سنة سابقة. كما نعلم عن وجود مجموعات متنوعة كثيرة اختفت منذ وقت بعيد مثل الديناصورات وثلاثيات الفصوص والعديد من الحيوانات الكامبرية المدهشة والغربية وأكثر من دزينة من الأناسن. إن هذه التعقيد والتنوع قد أنتجته القدرة التوافقية لعدة الأدوات الجينية وهي تعمل على مجموعات هائلة من المفاتيح الجينية.

يذكر أن الكتاب فاز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عن فرع الثقافة لعام 2016.

(ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى