أبو الشعر تستعرض جهود الأكاديميين بدراسة تاريخ الأردن في العهد العثماني

خاص (الجسرة)

بريهان الترك
قالت أستاذة التاريخ في جامعة آل البيت د. هند أبو الشعر، إن العام 1990 شهد بداية الخطوة الحاسمة والراسخة في توجه عدد من طلبة الدكتوراه لاختيار موضوعات تتناول قصبات وريف الأردن في عهد الدولة العثمانية.
وبينت أبو الشعر، خلال محاضرة لها في منتدى عبد الحميد شومان أول من أمس، بعنوان “الجهود الأكاديمية في دراسة تاريخ الأردن في العهد العثماني”، قدمها فيها وأدار الحوار مع الجمهور د. محمد عدنان البخيت، أن ذلك أدى إلى تأسيس مدرسة جمعت باحثين عملوا على دراسة قصبات الأردن: عمان، السلط، إربد، القدس، عكا، قضاء عجلون، البلقاء والكرك ومعان.
وقالت المحاضرة إن الفضل في تشكل هذه المدرسة عائد إلى بالعمل البخيت، والذي كان الطلبة يعملون تحت إشرافه.
ولفتت إلى أن خط هذه المدرسة الجديد كان بفتح الأرشيف العثماني المصور في مركز الوثائق والمخطوطات ودراسته ، والمزاوجة بين هذه المصادر التي فتحت أمام الباحثين للمرة الأولى، ومنها سجلات الطابو العثمانية، وسجلات تسوية الأراضي، والمحاكم الشرعية ، والنفوس، والصحافة، وسجلات المالية، والسالنامات، وكتب الرحلات.
وأكدت أن النتيجة جاءت بتأسيس مدرسة راسخة تقوم على دراسة عميقة للمكان وللأهالي والسلطة في فترة التنظيمات العثمانية، بحيث يمكن أن نقول إن تاريخ الأردن في العهد العثماني بدأ خطا جديدا وراسخا، على أصول أكاديمية، بفتح الأرشيف العثماني، “واتباع منهجية واعية، أصبحت هي المدرسة التي تابعتها الدراسات اللاحقة في العقود الثلاثة اللاحقة، وعرفت بأنها مدرسة الدكتور البخيت”.
وقالت إن ذلك أدى إلى اهتمام الأكاديميين بالبحث عن مصادر تاريخ الأردن في العهد العثماني، فبدأت جهود لاحقة بنشر سجلات المحاكم الشرعية في السلط، وسجلات البلديات في السلط وفي مادبا والزرقاء ومعان، لافتة إلى أن “السجلات العثمانية أصبحت من مصادر الباحثين، بعد أن ساهمت الدراسات السابقة بتوضيح آليات التعامل معها”.
وبحسب أبو الشعر، فإن دراسات لطلبة الماجستير والدكتوراه، ظهرت لاحقا في كل من الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك وجامعة مؤتة وجامعة آل البيت، لدراسة تاريخ الأردن، على خطى المدرسة السابقة، وصارت تسمية القصبات وجوارها نموذجا للدراسات اللاحقة، مثل “الفحيص وجوارها”، “مادبا وجوارها”، “المفرق وجوارها”، أو دراسة النواحي؛ “ناحية المعراض مثلا وجرش”.
وقالت إن المدرسة التاريخية التي تشكلت بجهود البخيت، تمكنت من ترسيخ قواعد جديدة، وذلك بفتح الأرشيف العثماني والبحث في المصادر المحلية، والاعتماد على دراسة السجلات التي تقدم مادة أولية ومباشرة ورسمية، ومنها دراسة ملكية الأرض والضرائب والأهالي والحياة الاقتصادية والاجتماعية، بدراسة الحارات والمرافق والأسواق وملكيات الأراضي الزراعية والعقارات والضرائب والرسوم والمدارس والأوقاف والعلاقات الاجتماعية، مؤكدة أنها “مدرسة تجاوزت التركيز على الدراسات السياسية التي سادت في الخمسينيات والستينيات”.
وقالت إن تلك الدراسات اتبعت منهجية واحدة ومصادر متقاربة، لكن سجلات الطابو بقيت عصية على الدارسين نظرا لصعوبة الحصول عليها، ولأنها باللغة العثمانية ويصعب التعامل معها، ولم يستخدمها غير هند أبو الشعر والراحل نوفان الحمود السوارية وجورج طريف .
وشددت أبو الشعر على ضرورة التفريق والتمييز بين الدراسات الأكاديمية المنهجية وبين ما ينشر من كتب تحت مسمى “تاريخ الأردن”، لافتة إلى أن المنهجية مطلوبة في كتابة التاريخ، وهي لا تتوافر إلا للأكاديميين المدربين، خصوصا أن الكثير من الكتب المنشورة باعتبارها تاريخ الأردن، تحاول الترويج لعائلات أو لشخصيات .
ورغم تأكيدها على الجهود الكبيرة التي بذلها الأكاديميون لإلقاء الضوء على الواقع الواقع الاجتماعي والسياسي والجغرافيا السكانية للمنطقة في العهد العثماني، إلا أنه بينت أن “تاريخ الأردن في العهد العثماني ما يزال في بداياته، ذلك أن الأرشيف العثماني لم يفتح تماما، وهو أساس القراءة المنهجية، جنبا إلى جنب مع الوثائق الغربية، وعلى رأسها الوثائق البريطانية”.

وفي نهاية محاضرتها، طرحت أبو الشعر مجموعة من التساؤلات، خصوصا حول “المتغيرات الخطيرة والكبيرة في الإقليم”، وحول الموضوعية في كتابة تاريخ بلاد الشام في العهد العثماني على ضوء تلك المتغيرات، لافتة إلى الصدامات بين سورية وتركيا، ومدى الموضوعية التي يمكن أن يتحلى بها أي طرف في حال تصدى لمهمة كتابة تاريخ الحقبة الماضية.
كما تساءلت ما إذا كانت المدرسة التاريخية في الأردن هي المؤهلة لكتابة تاريخ بلاد الشام في العهد العثماني، نظرا لتدريب الباحثين في الأردن على استخدام الأرشيف العثماني أولا، وثانيا لأنهم هذه المدرسة تكتب بلا دوافع مذهبية أو أي دافع آخر.
وخلصت المحاضرة إلى ترجيح أن تكون المدرسة الأردنية هي المؤهلة أكاديميا ومنهجيا للتصدي لمهمة كتابة الحقبة العثمانية في بلاد الشام، وإعادة الثقة بمحور التاريخ العربي – التركي.
وختمت بالتشديد على أن التوجه لكتابة هذا التاريخ، يحتاج إلى مهارات في اللغة العثمانية، غير أن السؤال الأهم، والذي اعتبرته أبو الشعر منهجيا، هو “هل يمكن الكتابة في التاريخ العثماني بدون التدريب على استخدام السجلات العثمانية ومعرفة اللغة العثمانية؟”، منتقدة أن تظل أقسام التاريخ في الجامعات الأردنية بعيدة عن تدريس هذه اللغة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى