«شاشات» تحول نقاشات أفلامها عملاً وثائقياً

سعيد ابو معلا

قليلة هي الأفلام الفلسطينية التي تصل إلى الجمهور العريض، وقليلة أكثر الأفلام التي تُلقي بالاً وتمنح اهتماماً للنقاش الذي يتلو عرضها سواء على شكل تصوير النقاشات أو من خلال إجراء استطلاع تقويمي شامل.
إحدى المؤسسات التي تنتج أفلاماً وتمنح النقاش أهمية لا تقل عن الفيلم ذاته هي مؤسسة «شاشات» الفلسطينية، وهي تحاول من خلال تجاربها أن تصعد من هذا النقاش وتجعله في مرتبة الصدارة ليكون النقاش والفيلم وجهين لعملة واحدة ولا يمكن التنازل عن أي منهما.
وهي أيضاً تتجاوز ذلك لتصنع من النقاشات التي تتلو عروض أفلامها الجماهيرية في الجامعات والمدن الفلسطينية فيلماً موازياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وتمنحه عرضاً تلفزيونياً عاماً.
مميزات الفيلم التلفزيوني الأخير «ما هو الغد؟» (51 دقيقة) الذي قدمته المؤسسة وعرضته على شاشة تلفزيون فلسطين أخيراً (الشاشة الرسمية)، أنه يمكن أن يتم تلقيه من جمهور شاهد الأفلام المعروضة ليلعب دوراً كبيراً في استكمال النقاش بصورة أوسع وأشمل، كما يمكن تلقيه بصفته عملاً فنياً مستقلاً عن الأفلام التي عرضها المهرجان.
الفيلم حمل نقاشات عروض أفلام «شاشات» التي عرضت ضمن مهرجان شاشات العاشر «سينما المرأة في فلسطين… ما هو الغد؟» وهي: «صيف حار جداً» للمخرجة أريج أبو عيد، «غرافيتي» للمخرجة فداء نصر، «صالحة» للمخرجين لنا حجازي ويوسف عطوة، و «موطني» للمخرجة نغم الكيلاني.
النقاشات التي جاءت من أربع مناطق جغرافية وهي مدن غزة وجنين ونابلس والخليل تحفر لتكون تجربة مهمة من تجارب السينما التفاعلية، والتي تقوم على أساس أن العمل السينمائي يمكن أن ينتج من تلقيه ومناقشته وتداعيات عرضه أعمالاً فنية أخرى لا تقل أهميه عنه، وهذا أمر قيم جداً ومطلوب في منطقة باتت مساحات النقاش فيها تضمحل وتتراجع.
واللافت تحول نقاشات جمهور مختلف ومتنوع سناً وتعليماً وخلفيات سياسية وفئات اجتماعية وجغرافياً، إلى فيلم يقدم بجرأة وحرية واقع مجتمع محتل لكنه يعاني من داخله بفعل تحولات سياسية واجتماعية تترك أثرها الكبير على مستقبله.
أحد الحضور يلخص جوهر فكرة النقاش التي تثيرها الأفلام إذ يقول: «من دون عروض مجتمعية للأفلام التي تحفل بالقضايا الملحة لن يكون هناك نقاش، ومعظم الحوارات تحصل في أوقات الصراعات».
تلك جملة تعتبر مفتاحاً للدخول في صلب النقاشات الهادئة التي تعرض على الشاشة الفلسطينية وغالباً ما تطاول قضايا يتجنبها سياسيون وقادة رأي وصناع قرار حيث يتسلحون بالخطابات العاطفية و «الكليشيهات» الروتينية.
قضية مثل العنصرية في المجتمع الفلسطيني قدمها الفيلم وتحديداً تلك القائمة على خلفيات القروي والمدني، الضفاوي والغزاوي، المسلم والمسيحي، الضفاوي والفلسطيني في مناطق الـ1948، ساكن المدينة وساكن المخيم، وحمساوي وفتحاوي… الخ.
ويظهر الفيلم مقدار تراجع الإيمان بالنظام السياسي ومؤسساته كحل للمشاكل الاجتماعية والسياسية والماثلة حيث الرهان يقدمه الشباب على الأفراد بصفتهم الفاعلين مستقبلاً.
«شاشات» قامت بدور مهم ونقلت النقاش عبر شاشة فلسطين التي عرضت «ما هو الغد؟» برحابة صدر. بقي أن يفهم المسؤول رسالة هذا العمل وأن تعيه بقية المؤسسات الفاعلة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى