الإرهاب في الإعلام … رعاية العنف

سعيد ابو معلا

اختار الملتقى الدولي الذي أقامه معهد الصحافة وعلوم الأخبار في العاصمة التونسية أخيراً وحمل عنوان «ظاهرة الإرهاب في الخطاب الإعلامي: المرجعيات والتمثلات والمساحات الفارغة»، غلافاً لكتيب المؤتمر العلمي عبارة عن مجموعة من الأدوات والوسائل الإعلامية مثل: كاميرا الفيديو، والكمبيوتر المحمول، والمايكرفون، والجريدة الورقية… إلخ وكلها غارقة في بحر من الدم.
هذا الاختيار الصادم نوعاً ما يعرض لمأزق ومنزلق تعيشهما وسائل الإعلام العربية تحديداً والعالمية عموماً، والمتمثل بكون وسائل الإعلام وتحديداً الشاشات الفضائية، وعبر انهماكها بالتغطية الواعية وغير الواعية، المهنية وغير المهنية لكل ما له علاقة بالفعل الإرهابي أصبحت كمن يغرق في بحر من الدم.
هذا البحر الذي يُغرق الشاشات عبر النقل المباشر، والتغطيات القائمة على التنافس والسبق الصحافي غير المسؤول، وانعدام المهنية في التعامل مع الفيديوات والصور التي يروج لها الارهابيون لأنفسهم وأفعالهم أصبح يُغرق الجمهور أيضاً، ليكون السؤال الجوهري والمصيري متعلقاً بطبيعة أثر ونتيجة هذه التغطية والمعالجة الإعلامية.
وهذا الأمر جعل من المؤتمر فرصة ثمينة لاجتماع أكاديميين إعلاميين وسياسيين ومهنيين ممارسين للعمل الصحافي ليكون هذا الموضوع على طاولة البحث والتمحيص بعيداً من اعتزاز الصحافيين المفرط بما يفعلونه في شكل لحظي.
المؤتمر العلمي الذي عقد في تونس منتصف الشهر الجاري جاد بنقاشات جوهرية ومتنوعة، غير أن أبرز هذه القضايا تلك المتعلقة بعلاقة وسائل الإعلام مع جهود محاربة الإرهاب في الدولة، والدور المتوقع الذي قد تقوم به الشاشات أثناء تغطياتها الصحافية المتسارعة في الترويج وخدمة الجهات المتطرفة.
والمميز في الملتقى أن هناك تقبلاً، ولو على مضض، للرؤية الناقدة والمفزعة أيضاً والتي ترى السلوك الإعلامي غير المهني وغير الأخلاقي بمثابة «رعاية للموت المجنون» وتغطية مجانية لما يريده الإرهابي، وهو الأمر الذي يعيه الإرهابيون ويستثمرونه بوعي كبير.
النقاش توسع وطاول تلك العلاقة السرية بين الميديا والفعل الإرهابي، وهي علاقة مبهمة ومركبة معاً، وتحتاج نقاشاً موسعاً وسريعاً وجاداً ومسؤولاً، في ظل تورط الميديا بالترويج للحدث الإرهابي الوحشي عبر التورط بالتغطيات الصادمة ونشر الذهول، وهو أمر يخدم الدعاية التي يبتغيها الإرهابيون.
فالميديا العربية، والفضائيات مثلاً تقوم بتمثيل الإرهاب عبر مجموعة من الأدوات ومنها: السرد البصري، التأطير، وإعادة بناء الحدث من جديد، وتقدم كل ذلك للمشاهدين المأسورين بالصور التي خلقها الفعل الإرهابي وفرضها على موائد الجمهور وشاشاتهم.
هذه العلاقة السرية غير المحكي عنها في شكل مستحق مردها احتكام وسائل الإعلام إلى قيم عمل تقوم على الدراما والصراع والنقل المباشر ونقل الخبر الشنيع والغريب… إلخ وهي قيم إخبارية سائدة، لكنها تستحق نقاشاً مهنياً واختباراً جدياً للأثر الناتج عن تطبيقها.
أدرك الإرهابيون، مثلاً، وفق دراسة أميركية، أن وسائل الإعلام والشاشات تمنح تغطية أوسع للعمليات الانتحارية وهو ما جعلهم يتجهون لتنفيذ مزيد منها ليظهروا في هذه الوسائل ويقدموا أنفسهم للجماهير المفزوعة… ليكون الاستنتاج المخيب للآمال هو أن الميديا تخدم الاستراتيجية الارهابية، إنها تشكل «أوكسجين الإرهاب».
قد يقدم بعضهم فكرة منع النشر على أنها حل في بعض الأحيان، لكنه الخيار الأسهل لمن لا يريد أن يعمل بمهنية ووعي كاملين، والحل الحقيقي هو العمل على تكريس قيم عمل مهنية يلتزم بها الصحافيون، وهي ما يكفل التوفيق بين حق الجمهور بالمعرفة والحرص الدائم على عدم تقديم خدمات إعلامية مجانية للإرهابيين.
تجارب عربية كثيرة عرضها المؤتمر من تونس والجزائر والعراق والأردن ولندن… إلخ وكلها تؤكد أن أداء الإعلام كان سلبياً وخادماً لما يريده الإرهابي، لكن تغطيات مهنية واعية تمكنت من تقليل الأضرار والمزالق وفق دراسة المرصد التونسي.
بقي أن نؤكد أن الجدل اليوم هو استمرار لنقاش سابق عندما كانت فيديوات «أسامة بن لادن» تعرض على شاشات عربية وغربية أيام القاعدة في أفغانستان وغيرها، لكن الفارق أنه كان جدلاً أقرب للهمس، أما اليوم فهو جدل يقرع أبواب كل وسائل الإعلام، والوعي بهذا الأمر لوحده خطوة أولى.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى