الترجمة لحماية التنوع اللغوي من الانقراض

تعد الترجمة أداة أساسية للتواصل على المستوى العالمي، فالمترجمون هم أشبه بـ”جسر عبور” بين اللغات المحكية في العالم التي يراوح عددها بين 6 و7 آلاف وهم يسهمون في الحفاظ على حوالي 3 آلاف لهجة محلية مهددة بالزوال.

ولولا الترجمة “لما كان للبشرية تاريخ”، على حد قول عالمة الألسنيات أستريد غييوم (جامعة باريس- سوربون) التي توضح “نحن نعرف ثقافات العالم ومساراتها التاريخي بفضل الترجمة”.

وكلمة ترجمة أصلها لاتيني يعني “إتاحة النقل”، وفي ما يأتي ثلاثة أمثلة عن الترجمة “كأداة نقل وعبور” في خدمة التنوع اللغوي.

روزين ميلين متحدرة من عائلة مزارعين في فينيستير (غرب فرنسا) تتكلم اللغة البريتانية، وكان من السهل بالنسبة لها أن تكون مترجمة متخصصة في اللغتين الفرنسية والبريتانية، غير أنها قررت أن تحمي اللغات النادرة في العالم من خلال مشروعها “سوروسورو”.

وسوروسورو هي كلمة باللغة الأراكية تعني نفسا وكلمة ولغة. والأراكية هي إحدى اللغات المتعددة المحكية في فانواتو في أوقيانيا لا يستخدمها اليوم سوى أقل من 10 أشخاص.

ويقضي الهدف من هذا المشروع بالحفاظ على آثار صوتية وسمعية من لغات مهددة بالزوال في العالم، من خلال تصوير الأشخاص الذين ينطقون بها في مناطقهم وإيداع هذه الملفات بعد ترجمتها في المعهد الوطني للمرئي والمسموع (آي ان ايه) وهو هيئة فرنسية عامة تعنى بالمحفوظات السمعية البصرية.

ويؤدي المترجمون دورا أساسيا في هذا المشروع، فهم يدونون الأحاديث المصورة والأغنيات والمراسم الطقسية، بحسب روزين ميلين التي تؤكد “أنه عمل هائل ومعقد”؛ إذ لا بد من إيجاد أشخاص يتكلمون هذه اللغات ويتقنون أيضا الفرنسية أو الإنكليزية أو الإسبانية لترجمة تسجيلات صوتية في ظروف غالبا ما تكون صعبة.

ليست لغة الإشارات المعتمدة في أوساط الصم عالمية المعايير، فهذه اللغات تتعدد بقدر تعدد البلدان، على حد قول روني ليفين نائبة رئيسة الاتحاد الوطني للصم في فرنسا التي تعاني من الطرش وتترجم لغات إشارات متعددة.

وقد اعتُمدت بالفعل لغة إشارات عالمية المعايير للصم تستند إلى لغات إشارات متعددة، لا سيما الأوروبية منها وتُستخدم في الاجتماعات الدولية.

لكن “الأفضل هو أن يتسنى لكل فرد التحدث بلغته الخاصة والفهم بهذه اللغة”، على ما تؤكد روني التي غالبا ما تترجم من لغة إشارات إلى أخرى في المحافل الدولية.

وفي الكثير من الأحيان، تختلف الإشارات المعتمدة من لغة إلى أخرى، حتى لأبسط المفاهيم مثل كلمة “والد” المشار إليها في لغة الإشارات الفرنسية بحركة تدل على طرف الفم، في حين يوضع الإبهام على الجبين للإشارة إليها في اللغة الأميركية.

لطالما عانت الترجمة الآلية من سمعة سيئة جدا مع أخطاء في ترجمة الأفكار وأغلاط قواعد فادحة.

لكن هذه الأخطاء لم تعد تُرتكب اليوم في محركات الترجمة التلقائية التي تحسنت كثيرا على مر السنين وباتت توفر ترجمة “جيدة ومتماسكة ومنطقية”، وفق ما ورد في الكتاب الأخير لباربرا كاسان “إيلوج دو لا ترادوكسيون” الصادر العام 2016.

ومن المرتقب أن تتحسن نوعية الترجمة أكثر بفضل تطور تقنية الذكاء الاصطناعي، لا سيما من خلال نهج “ديب ليرنينغ” الذي يسمح للآلة باستقاء العبر والتقدم تدريجيا لتحاكي طريقة تفكير دماغ بشري.

وقد أطلقت مجموعة “سيستران” الفرنسية (التي اشترتها مجموعة “سي اس ال آي” الكورية سنة 2014) الرائدة في مجال الترجمة التلقائية منذ 40 عاما، نظاما من هذا النوع في نهاية العام 2016، مؤكدة أن الترجمة التي يتم التوصل إليها بفضله بعد أسابيع عدة تكون الآلة قد تطورت خلالها هي “قريبة من الترجمة البشرية”.

ويقول جان سينيلار المدير التقني لـ”سيستران”: “نحن في بداية حقبة جديدة تفتح آفاقا واعدة للتواصل متعدد اللغات”.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى