باحثة مصرية تدرس بنية الحكايات الخرافية الأذربيجانية

محمد الحمامصي
الحكاية الخرافية الشعبية أحد الأشكال الأدبية المتميزة، حيث تلتقي فيها سمتان من سمات الطبيعة الإنسانية، السمة الأولي الميل إلي العجيب والغريب، والسمة الثانية الميل إلى المنطقي والواقعي. فحيث تلتقي الظاهرتان توجد الحكاية الخرافية.

وموضوع هذا الكتاب “الحكاية الخرافية في إقليم أذربيجان.. دراسة بنيوية” للباحثة د. فاطمة الزهراء جمال الدين، هو الحكاية الخرافية الفارسية في إقليم أذربيجان، وكشف النقاب عن بنيتها السردية والعلاقة بين عناصر تلك البنية، وكيفية غرسها العديد من القيم الاخلاقية في نفوس الأجيال المتعاقبة. وإظهار كيفية انعكاس خصائص البيئة الاذربيجانية وطموحات الشعب في تلك المنطقة علي الحكايات.

وأكدت الباحثة أن الحكايات الخرافية الأذربيجانية تعد هي الأقدم، والأجمل من ناحية المضمون، إلى جانب جزء من أفضل قصص الأدب الشعبي العالمي، وأكثرها غنى من حيث المحتوى.

وقالت “تصور هذه الحكايات الخرافية صورة واضحة لمنهج حياة، وأسلوب تفكير، والخصوصية القومية من عادات وتقاليد وأسلوب المعيشة، وتعكس آمال أهل أذربيجان وطموحاتهم على مر العصور المختلفة. وتعرض تنوعاً مختلفاً للموضوعات والعمق التاريخي ومعلومات كثيرة. وتعرف هذه الحكايات بأذربيجان كمؤسسة للإبداع القصصي في العالم، وللحكايات الخرافية الأذربيجانية خصائصها الخاصة بها التي تميزها عن قصص الأمم المختلفة.

ولفتت إلى أن الهدف الأساسي من هذا البحث هو الكشف عن الملامح الخاصة بهذا النوع من الحكايات، سواء كانت تلك التي تخص بنيتها السردية أو الوظائفية، كذلك توضيح هذا من خلال البيئة المكانية والزمانية وتوضيح مدى الترابط بين الواقع التاريخي وانعكاسه في وعي الفرد الشعبي منتجاً نصاً خرافياً يتضمن كل ما يهدف إليه سواء إبراز الجانب السيئ لفئة معينة من الشخصيات أو إبراز ما عاناه ذلك الشعب من خلال شخصيات الحكاية.

وأوضحت الباحثة أن جمع الخرافات في أذربيجان وطبعها ونشرها يعود إلى أواسط القرن التاسع عشر. حيث نشرت الخرافات الأذربيجانية في البداية في الجرائد الروسية عام 1825 ثم نشرت الكثير من الخرافات الأذربيجانية في أوائل القرن العشرين في مجلات “مكتب”، “ملا نصر الدين”، “كشكول”، و”دبستان”.

وقد طبع كتاب “افسانه هاي تركي” ـ “الخرافات التركية” ـ في أذربيجان عام 1929. ويعد كتاب “داستان ها وافسانه ها” ـ قصص وحكايات خرافية ـ المطبوع في عام 1937 من أوائل الأعمال التي طبعت ونشرت بشكل مستقل وفي هيئة كتاب.

وبعد عام 1930 سار باحثون آخرون من أمثال “م. ح. طهماسب” و”سيدوف” على خطى من سبقوهم. وهم من أهم الباحثين في هذا المجال، فبالإضافة إلى جمع الفولكلور عمدوا أيضا إلى بحثه وتحليله. واليوم يوجد في أذربيجان إلى جانب شعبة الفولكلور بأكاديمية الآداب بأذربيجان، وكلية الآداب بالجامعة الحكومية بباكو مؤسسات أخرى مهتمة بجمع الفولكلور وتحليله.

وأشارت إلى أن كتاب الشاعر “عندليب قراجه داغي” يعد أول كتاب باللغة التركية الأذرية في عام 1804 متضمنا العديد من الأعمال الأذربيجانية الفولكلورية كالخرافات، والأمثال، والبياتي، وهذا الكتاب محفوظ الآن بقسم المخطوطات بمركز “الاستشراق” بليننجراد.

وقد ذكر “باشا افنديف” أستاذ الفولكلور بجامعات جمهورية أذربيجان أن لهذا الكتاب أهمية خاصة في تاريخ الأدب والفولكلور؛ لأنه يعد أول عمل فلكلوري مدون باللغة التركية الأذرية وقد جمع ودون في طياته قدر كبير من فولكلور أذربيجان.

وقالت الباحثة “في العصر البهلوي الأول والثاني قسمت أذربيجان إلى محافظات مختلفة، ورفع اسم أذربيجان من عليها. وكان الهدف الرئيسي هو محو اسم مملكة أذربيجان وتقسيمها وكان يحكم على كل من يقرأ أو يكتب أو يطبع أو ينشر أية كتابات باللغة التركية بالسجن. كانت هذه السياسات غير الإنسانية سببا في نسيان جزء كبير من فولكلور أذربيجان وأدبها والقضاء عليه، على الرغم من هذا كان الكتاب والمثقفون عاشقين للكتابة بالغتهم الأم، وأدبهم الشعبي. وكانوا يعملون علي جمع فلكلور أذربيجان وتدوينه سرا وكانت أعوام 1323 ـ 1325 هـ. ش (1945 – 1946) العصر الذهبي للأدب والفلكلور الأذربيجاني؛ ففي نفس العام طبعت ونشرت مجلات وكتب مختلفة في الفلكلور والأدب باللغة التركية الأذرية بأقلام كتاب أمثال: علي أصغر مجتهدي، وسلام الله جاويد، ومحمد علي فرزانه، وحسين محمد زاده صديق، وعبدالكريم منظوري خامنه، وصمد بهرنكي، وعلي تبريزي، وحسين فيض اللهي وحيد ـ اولدوز ـ وعلي اصغر خرم، وعلي كمالي، وغيرهم من الباحثين في الفولكلور الأذربيجاني.

وناقشت خصائص الخرافات الأذربيجانية حيث طرحت رؤية حميد سفيد كَر الناقد والباحث في الفولكلور الاذربيجاني الذي يرى أن الخرافات الاذربيجانية من أقدم الخرافات الفارسية وأجملها من ناحية المضمون، وتعد جزءا من أفضل قصص الأدب الشعبي العالمية وأكثرها ثراءً من حيث المحتوي؛ وتبدو في هذه الخرافات صورة واضحة عن تجربة أهل أذربيجان، وأسلوب تفكيرهم وسماتهم الاجتماعية من عادات وتقاليد وأسلوب معيشة هذا بالإضافة إلى آمالهم وطموحاتهم على مر العصور المختلفة، كما تعرض تنوعاً مختلفاً للموضوعات والعمق التاريخي ومعلومات أخري كثيرة.

وتعلق الباحثة على رأي حميد سفيدكَر أنه يبدو متحيزاً بعض الشيء للخرافات الأذربيجانية؛ وقالت “ربما تكون الحكايات الخرافية الأذربيجانية حقيقة ذات بنية غنية ناضجة ومكتملة ليس في المضامين فقط بل في بنيتها الحكائية، ولكن لا يمكن تقبل جزم الناقد الإيراني بهذا الأمر دون إلقاء الضوء عليه من خلال دراسة بنية الحكايات الخرافية.

للخرافات الأذربيجانية خصائصها التي تميزها عن قصص الأمم الأخري ولعل أبرزها عبارات البداية أو المقدمات التي تأتي في بداية القصص، ويطلق على هذه المقدمات اصطلاح “دوشمه”، وهي عبارات جميلة وجذابة ومتنوعة وبعضها ممزوج بالفكاهة.

وتتميز هذه المقدمات بتنوعها من حيث عددها ومضمونها، ويستخدمها الرواة والحكاءون لجذب انتباه المستمعين. كذلك تتشابه عبارات النهايات مع عبارات البدايات في كونها مليئة بالكنايات والاصطلاحات الجميلة والبديعة، ويستخدمها الفنان الشعبي والراوي لجذب انتباه المستمعين وطلب رضاهم. وتتميز العبارات الخاتمة للحكايات الخرافية الأذربيجانية بخصائصها التي تجعلها تختلف عن جميع الحكايات الأخرى. وجزء الخاتمة في الحكايات الخرافية يتناسب مع المضامين والنهاية والابطال.

وقسمت الباحثة الكتاب إلى مقدمة يتبعها تمهيد، ثم خمسة فصول وملحق ونموذج من الترجمة ثم الخاتمة. وقد أشارت في التمهيد إلى تاريخ أذربيجان وأهمية دراسة الحكاية الخرافية التي نبعت منه.

أما الفصل الأول: فهو بعنوان الحكاية الخرافية في إيران وأذربيجان، وتناولت فيه التعريف بالحكاية الخرافية من الناحية اللغوية والاصطلاحية، وأسباب ظهور الخرافة في إيران وأهميتها، ثم انتقلت إلى الحديث عن مراحل تطور الخرافة الإيرانية وأنواعها في إيران، وبعد هذا تحدثت عن جمع الخرافة في إيران وأذربيجان، وخصائص الخرافات الأذربيجانية ثم التعريف بالخرافات موضع الدراسة ودراسة مضامينها.

وتناولت في الفصل الثاني “البنية السردية للحكايات” مفهوم السرد والتعريف بمصطلح السردية وبنيتها، وعرضت لزاوية الرؤية وأنواعها، والراوي، وأنواعه والتي تتحدد في الراوي العليم الغريب عن الحكي، الراوي المتضمن في الحكي. وتطرقت لأنواع المروي له والعلاقة بين الراوي والمروي له، ولأساليب السرد وأنوعها المتمثلة في الكلام المباشر وغير المباشر والتقرير السردي، والكلام الحر المباشر والحر غير المباشر.

وختمت الفصل بدراسة مقدمات الحكايات وخواتيمها وعناوين الحكايات موضوع الدراسة ومدى أهميتها وعلاقتها بالأحداث.

الفصل الثالث جاء بعنوان “شخصيات الحكايات” وتناولت الباحثة خلاله الشخصية في الحكاية الخرافية بأنوعها، كالشخصيات البشرية وفيها تتحدث عن البطل وأنماطه، عن المرأة في الحكايات بنوعيها الطيب والشرير، وكذلك عن الشخصية الأميرة.

بعد ذلك تتحدث عن عالم المخلوقات الخرافية المتمثل في الجنية والحية الضخمة والجان والعنقاء، وتشير إلى بعض الحيوانات التي يرد ذكرها في الحكايات كالفأر والجواد. ومن خلال دراسة أبعاد الشخصيات تتناول طرق تقديمها في الحكايات. لتختم بدراسة وظائف الشخصيات في ضوء المنهج البنيوي.

وخصصت الباحثة الفصل الرابع لـ “الزمن”، حيث درست أنواع الزمن الموجودة في الحكايات والتي تنقسم إلى الترتيب الزمني المتمثل في آليات الاستباق والاسترجاع ثم درست نوعا آخر من ضروب الزمن وهو التواتر وأنواعه الواضحة في الحكايات، وفي النهاية تطرقت لـ “الديمومة” وهي علاقة الزمن بنسق النص.

وتحت عنوان “الفضاء” جاء الفصل الخامس الذي تناولت فيه أنواع الفضاءات والتي تنقسم إلي الفضاءات المرجعية، والفضاءات التخيلية، العجائبية، ثم تناولت وظيفة كل نوع من أنواع الفضاء، واختتمت بدراسة سوسيولوجيا الفضاء وفيها درست علاقة فضاء الحكايات بالواقع الفعلي في المجتمع الأذربيجاني.

وقد خلصت الباحثة إلي عدة نقاط مهمة في نهاية البحث ومنها ما يتعلق بشخصية الدرويش في الحكايات الخرافية والتي كانت تمثل جانب الشر وهو ما يخالف دور شخصية الدرويش في الأدب الرسمي أو الأدب الشعبي عامة، كذلك من النقاط المهمة كذلك التي توصلت إليها في البحث دور الأبنية في الحكايات وعلاقتها بالدور التاريخي والسياسي الذي كانت تلعبه في الواقع الفعلي بهذه المنطقة من إيران، فعلي سبيل المثال لعبت القلاع دوراً تاريخيا مهما في أذربيجان، ولكنها في الحكايات كانت مثالاً ورمزاً للطغمة الحاكمة ورمزاً للشر الكامن بداخلها، وهذا كان تعبيرا واضحا للعقلية الشعبية تجاه هذه الأماكن. وغيرها من النقاط المهمة التي توصلت إليها الباحثة من خلال عرض الحكايات ونقدها وتحليلها.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى