المصري أحمد الفخراني: كل الجوائز سيئة إذا كانت ستنمط الكتابة وفن الرواية

عبد السلام الشبلي

يعود الكاتب المصري أحمد الفخراني إلى عالمه الذي بدأه في روايته «ماندرولا»، الحائزة جائزة ساويرس، مازجا بين الحقيقة والخيال في روايته الأخيرة « سيرة سيد الباشا» التي يقول إنها تدور في إطار الحلم أو الفانتازيا، مؤكدا أن الرواية في إمكانها أن تتقاطع مع شخوص حياتنا العادية.
يؤكد الفخراني على أنه «ثمة طريق آخر ممكن، عالم آخر ممكن، وسيلة أخرى للحياة لا ترغب في نفي أي وسيلة أخرى، وسيلة أخرى للكتابة، لا ترغب في نفي أشكال الكتابة الأخرى، لكنها تقول بوضوح: تلك الطريقة في الحياة، في الكتابة ممكنة، لا تنفوها».
المزيد في الحوار التالي:

■ دعنا نبدأ بعنوان الرواية الأخيرة «سيرة سيد الباشا» هل تعتقد أن هذه السيرة يمكن أن تنطبق على أي من البشر في هذا الكون، ولماذا؟
□ الرواية تدور في إطار الحلم أو الفانتازيا، لكنها قطعا مستوحاة من حياة الميديوكر، متوسطي الموهبة، كيف يفكرون، كيف يرون العالم، الحياة، الجنس، إلام يسعون، وكيف يتعاطون مع أزماتهم، أو يديرون تحكمهم أو مشاعرهم تجاه الآخرين، ربما يطمح النص لتعرية الجذور العميقة لقبح ما نحياه، بحسب تعبير الشاعر سامي إسماعيل. الخيال فيها مجرد قناع. بإمكانها قطعا أن تتطابق من تلك الزاوية مع شخوص في حياتنا العادية.
■ في روايتك الأخيرة هناك جنوح للخيال بما يشبه التي سبقتها قبل أربع سنوات، «ماندرولا» هل هذا الجنوح هروب من الواقع أم إسقاط عليه؟
□ لا أنشغل سوى بالواقع، في أي رواية كتبتها أو سأكتبها، الفانتازيا أو الخيال هي وسيلتي لمعالجة هذا الواقع، أستطيع التعبير من خلالها. «ماندورلا» مثلا، كانت مشغولة بهذا السؤال الذي انكشف عقب الثورة، ها قد جاءتنا الفرصة لتحقيق أحلامنا، هذا يشبه ما تحقق لأبطال الرواية، عن طريق فرصة أن كل ما يتخيلونه سيصير الحقيقة، لكن مع تدفق الأحداث في الرواية سنكتشف الآتي: إنهم لا يملكون أحلامهم، كل ما يفعلونه هو استكمال أحلام أسلافهم، أحلام الموتى، النص مشغول باللحظة تماما، كـ»سيرة سيد الباشا»، التي كتبت بعد تبين فشل الثورة وهزيمتها وصعود أشباح ووحوش ومختلين من معدومي المواهب إلى سدة المشهد، على سبيل المثال، تبنيهم لنظريات المؤامرة، شعب قد يجد رسائل ماسونية في دمية، يظن أن فشله نتيجة تآمر من جهات وقوى أكبر منه، نظريات المؤامرة التي سادت تلك الفترة، هي ما حاولت نسجه في الرواية، نظرية المؤامرة هي ميثولوجيا الميديوكر، العاجز عن تفسير هزيمته، أو تفسير ما حوله.
■ تتقاطع الرواية في الكثير من تفاصيلها مع شخصيات يعرفها الناس، ماذا تحاول أن تقول في هذه التفصيلة التي وردت في جل الرواية؟
□ تقصد الشخصيات التاريخية أو الفنية كمحمد علي، والت ديزني، مجدي وهبة، التي قدمت لها تاريخا مختلفا، ثمة لعب في الماضي والمستقبل لتلك الشخصيات، محمد علي مؤسس الدولة الحديثة في مصر، فكرت في تقديم شخصية أخرى بديلة لمحمد علي، أن يكون لاهيا، والت ديزني، بتفكيك تاريخه، وإعادة صياغته في قصة أخرى هو رمز لأشكال النجاح، التي قد لا تكون نجاحا ولكنه نمط يجعلنا لا نرى في المحاولات الأخرى نجاحا، وكذلك مجدي وهبة، الممثل الموهوب الذي تستغل حكايته من قبل أنصاف الموهبين للتدليل على اضطهادهم.
■ السيطرة على العالم هي هاجس قوى كبرى اليوم، إلا أنك رسمته بهيئة قومية للكوكب، هل تعتقد أن وراء كل ما يجري في العالم قوة خفية تحركه؟
□ لا طبعا، الفكرة مغرية روائيا، فقط. أرى أن نظريات المؤامرة فكرة عالمية، يسوقها الإنسان العاجز، وهي دليل على فشل العالم الرأسمالي، وشعور الإنسان بتهميشه وعجزه، فيحاول تفسيرها بوجود قوى خفية تتحكم فيه، هذا سبب استخدامي لها، لكن قطعا لا أؤمن بوجودها في الواقع. ظننت أن هذا واضح وبديهي.
■ تفرض «سيرة سيد الباشا» أفكارا ومعارف جديدة وتقوض أخرى، هل تبحث هنا عن عالم جديد في خيالك؟ أم أنك تؤمن فعلا بوجود ما بنيت عليه روايتك؟
□ لا أطمح إلى تقويض أي شيء، كل ما أرغب في قوله، ثمة طريق آخر ممكن، عالم آخر ممكن، وسيلة أخرى للحياة لا ترغب في نفي أي وسيلة أخرى، وسيلة أخرى للكتابة، لا ترغب في نفي أشكال الكتابة الأخرى، لكنها تقول بوضوح: تلك الطريقة في الحياة، في الكتابة ممكنة، لا تنفوها، هل يمكن لكل الأشكال، الوسائل، الأفكار، طرق الكتابة أن تتجاور. هذا طلب عادل، لكن ما أراه هو نفي لكل شيء خارج حدود ما نؤمن به.
■ يقول الناقد المصري إبراهيم عادل، إن «سيرة سيد الباشا»، تحول الألعاب الإلكترونية إلى حقائق وعوالم موازية، هل تعتقد أنه ثمة ارتباط بين هذه العوالم وحياتنا أردت أن تظهره في روايتك؟
□ طبعا، الحياة الافتراضية هي عنوان أساسي للحظة التي نحياها. الألعاب الإلكترونية التي تقدم حيوات بديلة، كانت وسيلة روائية مناسبة في ظني للتعبير عن هذا العالم، كما أنها تتفق مع طموحي «الطفولي» أو رؤيتي للحياة، أن يكون كل شيء لعبة، يمكن للخاسر فيها أن يبدأ من جديد، ولا يظن الرابح أنه امتلك الفوز للأبد.
■ «شمس المعارف» ، كتاب سيطر على الكثير من الروايات المصرية الحالية، حتى أن هناك رواية صدرت بهذا الاسم، ألا تعتقد أن إدراجها في نصك الروائي يجعلك تدخل في خانة التكرار و»التماشي مع سوق الإثارة» المسيطر على الرواية المصرية حاليا في الكثير من الأعمال؟
□ هل تظن حقا، أن روايتي تنتمي لهذا العالم؟ «سيرة سيد الباشا»، لا تنتمي قطعا لروايات الإثارة، أسئلتها الفلسفية، طريقة كتابتها تنفي عنها تهمة «الإثارة، لا تلجأ الرواية مثلا، لفكرة السحر، بل ما قصد بشمس المعارف هو الإحالة لموضوع الرواية، عن تنميط المعرفة واحتكارها، هل تلك الأسئلة تنتمي لعالم روايات «الإثارة والتشويق» أشك.
■ قلت في حوار أجري معك أنه «انتصار، أن تهزأ تماما مما يكبلك»، هل يعني هذا أنك تسخر في «سيرة سيد الباشا» من واقعك، وكيف تفصل لنا هذه السخرية إن وجدت؟
□ نعم.. قد يكون هذا جزءا من متعة الكتابة، الرواية والأدب، هما أرض للحرية في ظني، من القواعد. لا أعرف كيف صار الأدب فجأة مليئا بالقيود والكليشيهات الرخيصة، هكذا أرى الأدب والرواية، انتصار صغير على الإكليشيه والنمط، على الإجابات السهلة.
■ رغم حصولك على جائزة ساويرس عن رواية «ماندرولا» إلا أنك قلت مرة إنك لا تكتب نصا من أجل جائزة، هل تعتبر أن الجوائز الأدبية غير مهمة، ولماذا؟
□ المقصود باختصار أني عندما أكتب عملا لا أفكر بقواعد الجوائز، أكتب ما يجعلني أديبا يحمل مشروعا مميزا، أعمل على مناطق ضعفه وقوته بمعزل، عن فكرة فوزه بجوائز من عدمها، لكن طبعا أتمنى بعد الانتهاء من نصي أن أفوز بجوائز، هذا يسهل الأمر، وسط سيل من الروايات الجيدة والممتازة. لا أريد أن أعمم تلك الفكرة، لكن ظني أن الكاتب ينتقص من أدبه ومن قدر نفسه، عندما يفكر في الجوائز أثناء الكتابة، لكن موضوع الجوائز صار واقعا، كما أنها مفيدة في حال الحصول عليها لدعم الكاتب ماديا، كل الجوائز جميلة، كل الجوائز سيئة، إن كانت ستنمط الكتابة وفن الرواية. لكني لم أقل أبدا أنها غير مهمة، لكن علينا أن ننتبه أيضا للنصوص التي لم يحالفها الحظ في الحصول على الجوائز، هذا واحد من السلبيات، «نساء الكارنتينا» لنائل الطوخي في رأيي واحدة من أهم نصوص هذا الجيل، و«الطغري» ليوسف رخا كذلك، رغم عدم حصولهما على جوائز، ألوم الصحافة الثقافية التي تنقل رهاناتها وأضواءها سريعا على الروايات الفائزة، وتتناسي النصوص الممتازة التي لم يحالفها الحظ.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى