أحمد أبوخنيجر: الكتابة ليست علاجاً لأمراض نفسية بل طريقة حياة

تيسير النجار

«لكل ابن آدم حكاية خاصة تميزه، والشخص عديم الحكاية كأنه لم يمر بهذه الدنيا. وجودُنا في الدنيا كي نصنع حكاياتنا». هذا ما خطَّه الروائي المصري أحمد أبوخنيجر في رواية «العَمَّةُ أختُ الرِجال»؛ الحاصلة على جائزة ساويرس، وهو أيضاً حاصل على جائزة الدولة التشجيعية عن رواية «نجع السَلَعَوة»، وله أيضاً روايتان هما «فتنة الصحراء» و «خور الجمّال»، وصدرت له أربع مجموعات قصصية: «حديثٌ خاص»، «غواية الشر الجميل»، «جر الرباب»، «مساحة للموت». يقيم ويعمل في نطاق محافظة أسوان بأقصى جنوب مصر. يغلب على نتاجه الأدبي الانشغال بالبيئة الصحراوية والأبعاد الصوفية في العلاقات الإنسانية. له عدد من الدراسات في الأدب الشعبي، كما سبق أن كتب للمسرح.
هنا حوار معه:
> بقي الحفيد مع جدته المريضة وحدهما في رواية «خور الجمَّال» فقط ليعرف كل الحكاية التي تسردها في نوبات هذيانها، لماذا كل هذا الشغف بالحكايات لديك؟
– ظلَّ موجوداً ليكمل حكايته هو، يعمر الخور بطريقته الخاصة، يعيد دورة الحياة، ليبقى السؤال: هل سيقع في أخطاء السابقين ذاتها أم لا؟ بقيت الجدة وهي تعرف أن حكايتها مع الخور إلى زوال. بقيت حتى تؤدي دورها إلى النهاية.
> «تريدينه مثلك عبداً لأرض تتملكه فلا يقدر على مفارقتها أبداً، يصير مقيداً، قدره في يد الأرض التي عليه أن يطيعها دائماً»؛ هكذا رفض الأب اقتراح الأم في أن يصبح ابنها مزارعاً في رواية «خور الجمال»، ثم صار الابن عبداً للخور في النهاية، هل يعكس ذلك نظرتك القدرية للحياة؟
– أحياناً القدَر يكون مجرد ظروف وملابسات تؤدي إلى أن يسلك الإنسان طريقاً محدداً. يوجد نوعان من الفعل في «خور الجمّال» أولهما فعل الجمّال الذي جاءت الظروف من خارجه، وأدت إلى أن يقيم الابن مضطراً في الخور، ثانيهما فعل بنت الراعي؛ فهي؛ على النقيض؛ تحدَّت فكرة موت أبيها وقررت الانتقام. هي اقتحمت الخور باختيارها. طوال الوقت خلال الرواية الجمَّال مستسلم، وبنت الراعي مبادرة. نحن محصورون بين اختيار المقاومة أو الاستسلام في الحياة. وجود فكرة القدر معناه إلغاء الاختيار. كذلك محمود القلَّام في رواية «نجع السلعوة» استسلم للظروف التي فُرضت عليه، فخسر حياته. لو أنه تمكَّن من الاختيار لما حدث له ذلك.
> ختمت رواية «خور الجمَّال» بمرور الصبي بين الصخرتين، هل ترى أن الزمن يعيد نفسه؟
– طبعاً، وجود الإنسان مرتبط بالتكرار. نحن نعيد ما حدث منذ بدء الخليقة مراراً.
> لماذا لا تكتب عن المرأة المعشوقة والحب؟
– أنا أكتب عن الحب الذي أعرفه، وليس عن الذي تمَّ تصديره لنا، ذلك الحب الغريب الذي زرعته الدراما والسينما داخلنا. كتبتُ عن حُب العمَّة لمصطفى في «العمة أخت الرجال»، وحُب سعاد في «نجع السلعوة»، وعن حُب بنت الراعي في «خور الجمّال».
> سمع الراوي صوت ضحكة البطل وأيقظته من غفوته في رواية «فتنة الصحراء»، هل الزمن سرمدي في نظرك؟
– ذلك من تخيُل الراوي أنه يرى أبطاله ويسمعهم. في شكل شخصي؛ أعيش هذه المواقف. خلال كتابة روايتي «العمة أخت الرجال» في فصل «كتاب العصا»، بعد أن ضرب عثمان الرجل، تم طرده من البلدة، بقي السؤال: أين سيذهب؟ تمشيتُ حائراً وأنا أحدثه، جلستُ في مقهى وطلبت كوبين من الشاي، سألني النادل: لمَن الكوب الآخر؟ قلتُ: «صديقي سيأتي». ثم كان أن ظهرت امرأة ترتدي ملابس رجالية جعلتُها «نعيمة» بطلة الفصل الذي أكتبه، هو مَن ساقني إلى هذا المكان. سألني النادل من جديد عن صديقي، فأخبرتُه أنه أتى وأنه لم يلحظه. أتى في شكل أو آخر.
> الفنان بطبيعته متمرد، كيف نجحت في العمل داخل منظومة الأزهر كمدرس رياضيات؟
– أمارس عملي مثل أي وظيفة. الكتابة وحدها لا تؤمن العيش في بلادنا. معظم الكتاب يعملون شيئاً روتينياً. نجيب محفوظ كان موظفاً. استفدتُ كثيراً من بعض زملائي في الأزهر ومناقشاتنا في اللغة والدين رغم انغلاقهم، حتى تكفيراتهم أتعامل معها على سبيل الدعابة.
> إن عادَ بك الزمن، هل تنحاز إلى الاختيارات ذاتها؟
– لا أعرف. لم أطرح على ذهني الفكرة لأنها غير متاحة، حتى لا أتعب في خيالي. أتخيل ما هو ممكن وليس ما هو مستحيل.
> تصدَّر مجموعتَك «مساحة للموت»، الإهداء الآتي: «إلى كل من عنوا بتوريطي في الكتابة، منكم لله». ألم تشعر بالامتنان نحو الكتابة؟
– فكرتُ في كتابة إهداء تقدير لمَن ساعدوني في رحلة الكتابة. مَن وجَّهني نحو القراءة، وحتى مَن قيَّم كتاباتي وشجعني وساعدني في تطوير وجهة نظري. هذه الجملة تختزل قائمة طويلة من الزملاء والأصدقاء على المستوى الشخصي أو القراءة فقط. أقصد بالتوريط أن الكتابة عندما تصبح جزءاً أصيلاً من تكوين الإنسان تصير هماً، لكنه هم جميل. «منكم لله»؛ تحمل جزءاً من التقدير أيضاً.
> عرَضتَ في كتابك «ثلاثة مشاهد للعلَم» لعودة الشعور بالانتماء خلال ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، كيف ترى الوضع الآن؟
– أهم ما حدث في الثورة هو استعادة رمزية العلَم وقيمته الذي هو بدوره استعادة لفكرة الوطن المغيَّب، كان حلماً والآن انتهى وقت الأحلام، الثورة المصرية أنهت وجودها يومَ أن تركت الميادين وعادت إلى حياتها القديمة. حصل هذا يوم 11 شباط (فبراير) 2011. مَن أعطى الحق إلى الرئيس السابق حسني مبارك أن يتعامل معنا مثل تركة يورثها إلى المجلس العسكري؟ كان يُفترَض عدم ترك الميدان قبل إقامة الدولة.
> وماذا عن الانتماء؟
– الانتماء موجود دائماً. الانتماء لا يعني الولاء. الشخص الذي يسب البلد من الممكن أنه يريد لها مستقبلاً أفضل.
> هل الثقافة تكفي لمواجهة الإرهاب؟
– بالطبع، الإرهاب نتيجة الجهل وانعدام العدالة الاجتماعية. مصر ليس لها مستقبل من دون توحيد التعليم الأوَلي بإشراف عقول مصرية. يجب أن يُقدَّم الدين في المدارس في شكل مستنير؛ يدعم القيم الأساسية؛ خصوصاً التسامح وقبول الآخر.
> كم مِن الزمن نحتاج لتحقيق النتائج المطلوبة في هذا الصدد؟
– المهم أن نبدأ.
> لماذا لم تكتب الشعر مع القصة والرواية والمسرح؟
– المسرح والرواية متقاربان في الدراما والسرد. الشعر بنية مختلفة وتركيبة عقل مختلفة عن طبيعة تفكيري. في ظني؛ السرد معني بتفسير العالم والبحث عن علاته. أما الشعر فيقبض على جوهر العالم.
> أي الألقاب تفضل: الروائي، القاص أم المسرحي؟
– الروائي بالطبع.
> قال أحد الرسامين أن الخيال وحده لا يكفي ولا بد من توافر الموديل، هل من الممكن أن يكتفي الكاتب بخياله فقط؟
– ممكن. يكفي أحياناً مجرد مثير خارجي مثل رائحة أو صورة.
> هل غيَّرت الجوائز نظرتك إلى أعمالك؟
– لا، لم تتغير. للجوائز مكسبان؛ أحدهما المادي ويذهب سريعاً، والآخر المعنوي وهو الأهم، حيث إنه يبقى ويعطي الكاتب الطاقة ويحفزه نحو كتابة المزيد.
> هل الإبداع يأتي على حساب شخصية المبدع الخاصة؟
– نعم. الإبداع يرتقي بالإحساس والذوق حتى على مستوى بنية العقل والوعي. ليس بالضرورة أن يتم تغيير كلي.
> بعض الكتابة السيئة خرج تنفيساً عن غضب من الوضع العام مثلما نجد على مواقع التواصل الاجتماعي، هل تفضل ذلك أم تجد أنه أفسَد الذوق العام وطمسَ الجيد؟
– الكتابة ليست علاجاً للأمراض النفسية. هي طريقة حياة فقط. أي شخص من حقه أن يكتب ثم يطور كتابته. أما عن جودة أو العمل رداءته فذلك اختلاف معايير. فساد الذوق يتم علاجه بإصلاح التعليم.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى