جون برغر في «بدايات»

تواصل مجلة «بدايات» ذات التوجه الطليعي صدورها في بيروت متحدية الظروف الصعبة التي تواجهها الصحافة المكتوبة أو الورقية ويصر المؤرخ والمفكر فواز طرابلسي رئيس تحريرها وأسرة التحرير على المضي في هذا المشروع الإعلامي الثقافي، على رغم التحيات الكثيرة. وضم العدد الجديد من المجلة ملفاً مهما عن الكاتب البريطاني الراحل جون برغر تضمن نصوصاً متنوعة له: فان غوغ وإنتاج العالم، في استخدامات التصوير الفوتوغرافي، ضدّ هزيمة العالم الكبرى، طبيعة التظاهرات الجماهيرية، الإعلان التجاري واللوحة الفنية، علبة سيزان السوداء، عدالة الشعب الفلسطيني، الكتابة والترجمة واللغة… وقدمت المجلة الملف قائلة: «مطلع هذا العام توفي جون برغر، الناقد الأدبي والفنّي والراوي والرسام والشاعر البريطاني. من أبرز أعماله الأولى عام 1972 المسلسل التلفزيوني «وجهات في النظر» الذي صدر في كتاب فبات الآن أثراً كلاسيكياً لا غنى عنه لكل من يريد معرفة بثقافة النظر والفنّ الحديث. في العام ذاته، نال برغر جائزة بوكر عن روايته «ج».
بعدها غادر جون برغر لندن ليعيش في قرية جرديّة نائية في جبال الألب الفرنسية. من وحي تلك الحياة كتب ثلاثيته الرائعة عن ملحمة الحياة الفلاحية في العالم الحديث. وأعقبها بـ «إلى حفل الزواج»، روايته المأسوية عن مرض الإيدز. لكن هذا الروائي كان يحب أن يرى إلى نفسه على أنه «حكواتي» يعرف كيف يُنصِت لكلام الناس. مع جون برجر الناقد الفنّي نكتشف كيف يمكن للعين أن تتعلّم التقاط كلّ ما هو حميم ورهيف وجميل لأنه ناتج من كدح الإنسان وتوقه للحرية والفرح والمساواة. والأهم أنّ برغر يعلّمنا كيف للعين أن تقشع البداهة التي تتآمر على حجبها قوى الأمر الواقع، خلف كل أنواع الحِيَل والنّفاق والخداع والقمع والتّوريات.
وجون برغر الذي «يخفق قلبه مع أبعد نجم في السماء» على حد تعبير ناظم حكمت، أحد شعرائه المفضّلين، قضى العمر نصيراً وشريكاً فاعلاً في كلّ نضالات الشعوب وحركاتها التقدّمية واليسارية.
تبرّع بنصف جائزة «بوكل» لـ «الفهود السود» في بريطانيا، وكتب عن صورة تشي غيفارا شهيداً، مثلما كتب عن حياة طبيب في الريف البريطاني، راسل قائد الزاباتيستاتس المكسيكيّين، وكتب عن العمّال الأتراك في ألمانيا، عارض الحرب على العراق، ورسم «غيرنيكا قانا» ليعلن شجبه العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982.
زار فلسطين غير مرّة ومن وحيها كتب عن السجناء السياسيّين وأهدى إلى شباب فلسطين المقاوم الكونشرتو الخامس لبيتهوفن. ظلّ جون برغر يكتب ويصوّر ويناضل حتّى الرمق الأخير ضدّ ما يسمّيه «هزيمة العالم الكبرى» تحت وطأة العولمة النيوليبرالية. عاش التزامه الخلاّق بالماركسيّة في حياته وفكره. وظل يصرّ، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، على أنه لا يزال ماركسيّاً. بغياب جون برجر يفقد العالم إنساناً كبيراً ومُنتجاً ثقافياً خلاّقاً ومورداً لا ينضب من الزخم والعناد والأمل».
وتضمن العدد مقالات أخرى لعدد من الكتاب: إيجي تملكوران: تركيا أردوغان، أسماء الغول: ثمن العزلة الغزاوية، إسلاموفوبيا وغربوفوبيا، جمال جبران: يَمَن الإخوان المسلمين، سعاد حسني والمزيكا، هدى الشقراني: كيف غيرتني الثورات، أدهم سليم: أزمة المشهد المعماري في مصر، موريس غودولييه: البنى التحتية، المجتمعات، التاريخ، جلبير الأشقر: هل يستطيع الشعب إسقاط النظام والدولة لا تزال قائمة؟، ماهر جرار: «خيمة للحنين»، محمود درويش الأندلسي، أحمد علبي: يوميات على جبل صنين، طريف الخالدي: أنا القارئ وهذه كتبي: الجاحظ بعيون فوكو، طارق عبدالله: فن العود المصري: أنواعه، صنّاعه، عازفوه. ونشرت «بدايات» حواراً مع أرونداتي روي، بعنوان «الرأسمالية تكفّر الحلم بالمساواة»، ومختارات من مذكرات جارالله عمر، تحرير ليزا ودين، ونصاً من الكاتب والناشر رياض الريس، بعنوان «فيتنام 1966: يوميات الحرب والخوف».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى