كارمينيه كارتولانو يقلب المعادلة بين مصر وإيطاليا

ناهد خزام
احتفى الكاتب الإيطالي كارمينيه كارتولانو في كتابه الأول “مصريانو يوميات مصور إيطالي” بمصر وأهلها البسطاء من خلال سرده ليوميات حياته بالقاهرة ناقلا الواقع بعين أخرى، ومبرزا بلغة سهلة تفاصيل حياة المصريين وقدرتهم المدهشة على تجاوز المتاعب اليومية، مستعرضا بعمق حوارات وأحداثا قد تبدو هزلية، لكنها مفعمة بفلسفة البسطاء وحيلهم الذكية المتبعة للتغلب على المشكلات رغم بساطتها أحيانا.

وفي روايته الأولى، المعنونة بـ “مومو” يتناول المستعرب الإيطالي مصر المستقبل، تحديدا في عام 2037، من خلال سرد روائي طريف مفعم بالخيال.

تفترض رواية “مومو” التي تدور وقائعها في المستقبل للكاتب الإيطالي كارمينيه كارتولانو أن الأحوال قد تبدلت بين شمال المتوسط وجنوبه، ففي حين تنعم دول الجنوب بالرخاء الاقتصادي وفرص العمل تعاني دول الشمال – ومن بينها إيطاليا – من الكساد والتدهور.

والرواية الصادرة حديثا بالعامية المصرية عن “دار العين” في القاهرة والتي يهديها الكاتب إلى الفنانة التونسية هند صبري، يدور القسم الأول منها في إيطاليا، حيث يعيش بطل الرواية “مومو”، وهو شاب يعاني من البطالة كغيره من شباب إيطاليا.

• زمن مستقبلي

يبحث مومو عن عمل يوفر له حياة كريمة في بلاده، غير أن بحثه لا يكلل بالنجاح، ورغبة منه في تغيير هذا الوضع يفكر بطل الرواية في الهجرة إلى بلد غني من دول جنوب المتوسط، ويقع اختياره على مصر التي ازدهرت بعد نجاح الثورة في 2011، إذ يفترض الكاتب أن ثورات الربيع العربي قد نجحت في إحداث تغيير حقيقي وجذري في الدول التي اندلعت فيها، ما أدى إلى ازدهار اقتصاد هذه الدول وتسارع نموها.

وفي هذه الرواية يتقمص المؤلف بثقافته الغربية وجهة نظر من يعيشون على الجانب الآخر من المتوسط، ويطرح رؤيته حول الأسباب التي تدعو الشباب إلى المغامرة بحياتهم في سبيل الهجرة إلى بلد آخر، هي دعوة إلى التفكير في بواعث هؤلاء الذين لا يكفون عن محاولة عبور البحر، رغم علمهم بالمخاطر التي سيواجهونها، وهو ما فعله بطل الرواية، حين ترك أسرته وحبيبته ليهاجر إلى بلد آخر في مركب معرّض للغرق.

وتدور أحداث رواية “مومو” في المستقبل، تحديدا في عام 2037، حين يفشل الشاب مومو في إيجاد وسيلة للهجرة إلى مصر بالطرق الشرعية، فلا يجد أمامه سوى اللجوء إلى الوسائل غير الشرعية بالسفر عبر مركب صيد غير مؤهل لعبور المتوسط، ويجمع المركب أشخاصا آخرين من ألمانيا وفرنسا وإنكلترا يبحثون جميعا عن حياة أفضل في دول الجنوب.

وتحمل الرواية انتقادا للكثير من الأوضاع والسياسات الاقتصادية والعادات السلوكية للمصريين بطريقة غير مباشرة تتجاوز ما هو كائن لتشير إلى مواطن الخلل، كمركزية الاقتصاد وفرص العمل المحصورة في القاهرة وبعض المدن الكبرى فقط.

فحين يصل مومو إلى مصر يعمل أول الأمر في مزرعة للمانغو في مدينة الإسماعيلية، في حين تتفتح أمامه عدة خيارات أخرى للعمل في مدن مختلفة، ففي حديث مع أحد أصدقائه الإيطاليين الذين التقاهم في مصر يخبره بأن الاقتصاد المصري الآن يعتمد على عدد من المراكز الكبرى.

ويقول الكاتب الإيطالي بلغة تمزج بين العربية الفصحى والعامية المصرية “فمدينة طنطا مثلا أصبحت مركزا لإنتاج القطن المصري اللي بيتصدر بره مصر، والمنصورة بقت مشهورة بمدينة الإنتاج السينمائي الذي ينافس مهرجان البندقية”.

الخيال عند الكاتب يقلب المعادلة، حيث باتت دول جنوب المتوسط تنعم بالرخاء الاقتصادي في حين يعاني شماله الكساد.

يقترب مومو من حياة المصريين ويحب لغتهم وطريقتهم في الحياة التي تشبه طريقة حياة الإيطاليين، فشعوب حوض المتوسط تشترك في الكثير من الخصال، كما يقول، ولكن ما ينغص عليه حياته هو ظاهرة التحرش المتفشية في الشارع.

يواجه بطل الرواية واحدة من حوادث التحرش بنفسه، حين ينجح في إنقاذ فتاة من براثن بعض الشباب الذين أرادوا التحرش بها، وهي الحادثة التي تقلب حياته رأسا على عقب، إذ يظل طيف الفتاة عالقا في ذهنه، حتى أنه يقع في غرامها من دون أن يعرف حتى اسمها.

• ظاهرة التحرش

يستدعي مومو في مخيلته قصة مارك أنطونيو ويستعيد تفاصيل عشقه لكليوباترا كمرشد له في غرامه، يبحث عن الفتاة في كل مكان، ويضع الخطط والتصورات، يهيم على وجهه في شوارع القاهرة، وأثناء انشغاله بالبحث يتوصل مع بعض أصدقائه المصريين إلى حل مبتكر لظاهرة التحرش، إذ يشكلون فريقا يقبض على المتحرشين ويضعهم في أقفاص زجاجية لفضحهم.

وتنتشر الفكرة وتصبح لغزا محيرا للسلطات ووسائل الإعلام ولا يكف الناس عن الحديث عنها مشيدين بأصحابها، ويلتقي مومو أخيرا بالفتاة في غمرة احتفال الجماهير بفوز مصر على إيطاليا في التصفيات النهائية لكأس العالم، ويذوبان معا في بحر الناس والجماهير المحتفلة في الشوارع، في صورة رومانسية يختتم بها المؤلف أحداث الرواية.

تحمل الرواية الكثير من الانطباعات التي يمكن أن تدور في ذهن الرجل الغربي عن الشرق، من العادات والتقاليد وطريقة التفكير إلى الموسيقى والأغاني، وصوت أم كلثوم وفيروز، إلى كيفية تقبل الغربي للغة العربية كتابة ونطقا، فالخط العربي قد يمثل لغزا لمن يطالعه أول الأمر بحروفه المتصلة وتراكيبه ونقاطه الكثيرة، إذ يشبّهه بطل الرواية بالخطوط المتعرجة على جهاز رسم القلب، قائلا “الحرف بيتولد من الحرف اللي قبله كأنه طفل بيتولد.. اللغة العربية لغة القلب، والنقط دي كلها دم الولادة”.

وتعد رواية “مومو” العمل الروائي الأول لكارمينيه كارتولانو، خلافا لكاتبه السابق “مصريانو يوميات مصور إيطالي” (2012) الذي يعد سردا ذاتيا وانطباعيا ليوميات إيطالي عاش في مصر وعشق أهلها.

وكارمينيه كارتولانو مصور وكاتب ومترجم إيطالي، درس اللغة والأدب العربيّين في إيطاليا، يعيش ويعمل بين القاهرة وروما منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي، خاض تجربة في مجال التشكيل معتمدا على الصور الفوتوغرافية، وشارك في عدد من المعارض الجماعية بين القاهرة وروما، وأقام معرضه الفردي الأول في القاهرة عام 2011 تحت عنوان “لو”.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى