موسيقى مصر والسودان .. روابط تضرب في عمق التاريخ

في مقدمة كتاب “موسيقى مصر والسودان” لمؤلفه الدكتور عبدالله إبراهيم صالح، يوضح: “إن الروابط المصرية السودانية تضرب في عمق التاريخ، فالسودان هي البعد الاستراتيجي الجنوبي لمصر عبر العصور، كما أن التفاف الشعبين المصري والسوداني حول النيل أثر على الطابع الثقافي لكل منهما”.

واستطاع الكاتب في هذا الكتاب برصيده الفني الكبير وخبرته في هذا المجال أن يغوص في بحر الموسيقى السودانية التي تقترب كثيرا من موسيقانا النوبية تحديدا.

ويشير إلى أول الآلات الموسيقية، فيذكر: أولا: السمسمية والطنبورة، قائلا: (الطنبورة) آلة موسيقية وترية قديمة ذات أصول نوبية، وتعني في اللغة النوبية كلمة مركبة من جزئين (تو – بور)، وتو تعني البطن، وتور تعني الأجوف، وبهذا يكون المعنى البطن الأجوف، وتعد الآلة الأقدم على الإطلاق.

ويروى أن أول من استخدم آلة السمسمية من أهل السويس هو الفنان السويسي (كبربر)، وتسمت أوتار السمسمية من اليمين إلى اليسار (البوقة – المتكلم – المجاوب – الشرارة).

وثانيا يشير إلى الطنبور، قائلا: للطنبور عدة مسميات في بلاد السودان، وفي كلها ذات الخصائص التصنيعية والتصويتية، مع اختلاف أطوال وأحجام الصندوق المصوت (الصحن) وشكله (دائري، مضلع، مربع، مستطيل، مثلث).

وعن استخدام الطمبرة في طقوس الزار، يقول: لآلة الطمبرة مناسباتها التي تعزف فيها وبخاصة التي ترتبط بالطقوس (الوثنية والروحانية) ذات الخصائص العلاجية والنفسية والعضوية، إن صح التعبير (كالزار / الظار)، وأحيانا يطلق لفظ (الظهر) بفتح الظاء والهاء.

أما عن الإيقاعات والمشاهير، يشير الكاتب إلى إيقاع المردوم، قائلا: استمد ضرب المردوم اسمه من الرقصة الشعبية الشهيرة – رقصة المردوم – في غرب السودان بمناطق جنوب كردفان وأجزاء من دارفور وأيضا يسمى (المردوع).

بمحلية أم روابة التي تغنى بها د. عبدالقادر سالم، ويقول مطلعها:

مكتول هواك أنا من زمان

مكتول هواك يا كردفان

أتمنى يوم زولي القبيل

يقطع معاي دربا عديل

رحلة عمر ومشوار طويل

نمشيه في رحل الدروب

في كردفان

وقد عرف المديح النبوي في السودان منذ دخول الإسلام أراضيه، وقد جادب قرائح المشايخ ومحبي وعاشقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبارى الشعراء في ذلك، وبخاصة حين ظهور الطرق الصوفية كأنماط تؤصل للدين في بيئات المجتمعات التي ولدت فيها.

وقد اتخذت أنواع الغناء في المدح (الغناء الديني) أشكالا عديدة منها (المديح النبوي، الإنشاد، الذكر، الصيحة)، وغيرها.

ومن الأنماط الغنائية، يذكر: غناء الجابودي، تتعدد أسماؤه من منطقة لأخرى بمناطق غرب السودان، يعرف بالجابودي في كردفان والعطوى في دارفور.

وهناك أيضا (غناء السباتة)، هو نمط غنائي تراثي تغنيه البنات اللاتي لم يتزوجن أو من هن في سن تسمح لهن بغنائه، وأصبحت له مغنيات معلومات تعرف الواحدة منهن بلقب مغنية سباتة، حيث مضامين النصوص الغنائية التي تحكي عن أمنيات البنت في فارس الأحلام، وزوج المستقبل، وما يجب أن يقدمه لها كمهر زواج أو نوع حياة تتمناها، قبل السيارة الفارهة والبيت العمارة، وأوصاف المهن المرجوة كطبيب أو مغترب بدول الخليج والمهجر.

وبالنسبة لغناء الحسيس، يقول: الحسيس نوع من الغناء عند قبائل الكبابيش، دار حامد، الكواهلة، الشنابلة، والحمر، وهو شبيه بغناء الكرير والجواري السابقين، ويختلف عنهما في أن يؤدي سرعة الإيقاع التي تزيد عنهما أثناء تأدية الغناء والرقص عليه. ومن شروطه الفنية والمتعارف عليها من حيث نصه الشعري أنه يبنى في ثلاث شطرات – بيت ونصف – وتؤدى أغانيه في مناسبات الزواج والختان، وتكون موضوعات أشعاره مماثلة لسابقيه في الغزل والكرم والفروسية والفخر والأنساب وموضوعات تتصل بشؤون المجتمع.

وتعتبر أم صلبونج نوعا من الرقص والغناء تؤديه بعض القبائل بكردفان مثل (البديرية، والداجو) وراقصة أم صلبونج تعتمد على القفز إلى الأعلى ويؤديها ثنائي من الجنسين من الشباب.

ويتبادل الثنائي الذي يؤدي الرقص إلى ثنائي آخر، بينما تقوم الفتيات بأدوار الغناء ونص الأغنية قصير جدا لا يتجاوز شطرة واحدة.

يذكر أن كتاب “موسيقى مصر والسودان” للدكتور عبدالله إبراهيم صالح (عبدالله شمو)، صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، ويقع في نحو165 صفحة من القطع المتوسط.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى