دور النشر في مصر: تجارية تحبط المشاريع الأدبية للكتاب الشباب

عبد السلام الشبلي

يجمع معظم الكتاب المصريين الشباب، على أن الخطوة الأولى لدخول عالم النشر بأول أعمالهم الأدبية هي الأصعب، حيث يختنق كثيرون منهم بحبال قاسية تتعلق بإمكانية اختيار دار النشر المفضلة لديهم، وعرض الكتاب الذي قد يلقى صدى محبطا فضلا عن المساومة على ثمن الطباعة، التي يعتبرونها الأصعب بين كل المشكلات التي تعترضهم، حين تصبح منتجاتهم الأدبية مجرد سلع تباع وتشترى، ويطلب فيها ثمن لكي تمنح فرصة التداول بين القراء.
إلا أن أكثر ما يثير السخط بالنسبة للكتاب الجدد الوقوع في براثن دور النشر التجارية، التي لا تكتفي بتحويل العمل الأدبي إلى سلعة وحسب، إنما يصبح معها سلعة بائرة تسكن المخازن المعتمة، بدون أن تكون هناك خطة حقيقية لتوزيعها، بينما تقوم دور نشر أخرى بمنح الأمل الواهم للكتاب المتحمسين لرؤية كتبهم الأولى، فتحصل على ما تريد مقابل الطباعة التي لا تتجاوز نسخا معدودة تمنح للكاتب الذي يدفع ثمنها بدون أن يدري. ورغم وجود عدد من دور النشر الجيدة عموما، إلا أن ما يسيطر عليها بشكل عام، قبول الأعمال التي قد تحقق مبيعات أو انتشارا أكثر على حساب الأعمال الشابة التي لا تجد من يتبناها فتتورط في الأماكن الخطأ لتدفع الثمن أدبيا وماديا ومعنويا.

دور نشل

لا يمكن فهم الحالة التي تسيطر على سوق طباعة الكتب في مصر إلا في كونها تجارية بحتة، كما يؤكد الكاتب حسن عبد الهادي، مشيرا إلى أن النشر صار «عمل من لا عمل له»، ليكون الاستغلال عنوان هذه المرحلة في عمل دور النشر، خصوصا الجديدة منها، التي لم تتوقف عن استغلال الكتاب الحقيقيين، بل تعدت ذلك إلى منح من لا موهبة له فرصة الظهور في الوسط الأدبي، مستغلين حاجته إلى هذا الظهور الزائف، برسم أحلام وردية تضخم لدى الكتاب الشباب المتحفزين لنشر أول أعمالهم، أيا كان محتواها. ويرى عبد الهادي أن تسمية «دور نشل» هي الأصح بالنسبة لهذا الصنف منها. ويؤكد حسن أن الحالة العامة لدور النشر في مصر غير متوازنة وتفتقد الكثير من التنظيم، خصوصا في ما يتعلق بالدور الجديدة التي أنشئت في السنوات الأخيرة، وهي لا تملك أدنى معايير الاحتراف في هذا العمل المهم، أدبيا واجتماعيا، مشيرا إلى أن الكتاب الجدد يجب أن يكونوا أكثر حرصا على التريث في النشر كي لا يقعوا في فخ «السبوبة» الذي تتبعه هذه الدور.

لغة تجارية سيئة

أما بالنسبة للكاتب أحمد عابدين فإن دور النشر المصرية، خصوصا الحديثة منها، تسقط في حالات كثيرة في امتحان اللغة المستخدمة في التعامل مع الكتاب الشباب، حيث يغلب عليها الطابع التجاري ذو التفاصيل التي تسيء لشخص الكاتب وتسبب له الإحباط، مؤكدا أن الكاتب يقع دوما بين فكي دور النشر التي ترفض أعماله، أو تلك التي تطلب منه الدفع لأجل الطبع. ويشير عابدين إلى أن التلاعب بالكتاب الشباب هو أساس بعض دور النشر التي تتخذ من مواقع التواصل منصات لها، بدون وجود حقيقي على أرض الواقع، مؤكدا أن الكثير من أصحابها يعملون من غرف معيشتهم مدعين وجود دار نشر عريقة، ستقدم كتابها إلى الوسط الثقافي المصري بكل قوة، ليتفاجأ الكاتب بعد ذلك بأنه وقع ضحية دار نشر لا أصل لها ولا يمكن ملاحقتها بطبيعة الحال. ويعتقد عابدين أن مصر تعاني اليوم من سوء تنظيم لعملية الطباعة والنشر الأدبي، حيث تغيب الرقابة عن دور النشر الصغيرة، التي لا تمت للحركة الثقافية بأي صلة، مشيرا إلى أنها أصبحت مطبخا لإعداد خطط النصب والاحتيال على الكتاب الشباب اللاهثين إلى فرصة نشر تقدمهم للقراء.

بين الثقافة والربح

لا ينكر الكاتب المصري عبد الفتاح أمين وجود عدد لا بأس به من دور النشر التي تحترم عملها في مصر، إلا أن ذلك لا يمنع دورا أخرى من استغلال حاجة الكتاب الشباب لنشر أولى أعمالهم، وهنا تبدأ عملية الاستغلال التي ربما تكون بدفع الكاتب تكلفة طباعة كتابه أو جزء منه، مع عدم منحه نسبة من البيع في حال تحقق ذلك.
ويرى أمين أن الدور المحترمة تمنح الشباب فرصتهم حيث يقوم عملها على إحداث توازن ضروري بين نشر الأعمال الجيدة والأكثر مبيعا، فضلا عن تقديم الكتاب الجدد إلى القراء، ما يؤكد على الجانب الثقافي والرسالة الحقيقية لدار النشر. يشير أمين إلى ضرورة أن يكون الكاتب واعيا لأساليب دور النشر التجارية، بألا يتعجل لنشر كتبه، ورفضه للمساهمة المادية في طباعة ونشر كتابه لما بذله من مجهود فيه، فضلا عن كتابة عقد يلزم الطرفين بشروطه، ومتابعة ما يقدم من وعود بالنشر والتوزيع من دار النشر المتعاقد معها.

تشابك لا بد منه

لا ينكر الناشر أحمد سعيد عبد المنعم التشابك الضروري بين الثقافة والعملية التجارية الحاصلة في سوق النشر، إلا أنه يفند تلك العملية بطريقتــــــين يشتغل بهما أصحاب دور النشر فــــي مصــــر والوطن العربي عموما، مؤكدا أن هناك من يسعى بخطط طويلة المــــــدى إلى كسب ثقة الســــوق، من خلال عناوين ذات قوة لكتاب لهم جمهورهم وذلك يأتي أكله على المدى البعيد، وآخرون يعمــــلون على الربــــح الســـريع من خلال كتب تجارية مطلوبة من جزء غـــير قلــــيل في السوق، فضلا عن طرق أخرى يعتبرها سعيد ملتوية، من خلال الحصول على ثمن الكتاب المطبوع من الكاتب نفسه عبر استغلال شغف الكتاب بالنشر لأول مرة.
ويرى عبد المنعم أن الأزمة الحالية في مصر تكمن في عدم وجود مرجعيات كبرى في سوق النشر، تؤخذ كمثال يحتذى في هذه الصناعة المهمة، فضلا عن موجة دور النشر الجديدة التي فضلت الناحية التجارية على الثقافية، فاعتمدت على أقلام لا ترقى إلى الإبداع، فقط لكونها تدفع.
مشيرا إلى أن المسؤولية في هذه الظاهرة تقع على الكاتب غير الواعي بضرورة معرفة دار النشر قبل التعامل معها، وعـــدم التوجه إلى دور نشر محترمة تقيم العمل بعيدا عن الجانب المادي، خائفا من قسوتها التي قد تؤدي إلى رفض العمــــل حال لم يستحق النشر.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى