«الأراجوز» بطل الفولكلور الشعبي ولسان السينما المصرية الساخر

كمال القاضي

قدمت السينما المصرية ألواناً كثيرة من الفلكور الشعبي، وخصت بالاهتمام شخصية الأراجوز، فوضعتها في أفلام مهمة يأتي على رأسها فيلم «الزوجة الثانية» للمخرج صلاح أبو سيف، كما أن فيلماً روائياً آخر للمخرج هاني لاشين دارت أحداثة بالكامل حول الأراجوز أيضاً وقام ببطولته النجم العالمي عمر الشريف وحمل عنوانه الاسم نفسه.
الأفكار التي طرحت سينمائياً اتخذت من الشخصية الفولكلورية الافتراضية وسيلة للنقد السياسي الاجتماعي، وعرضت بشكل رمزي رؤى عميقة للمشكلات الملحة والهموم على مستويات مختلفة، ورغم الفوارق التعبيرية والفنية، ظلت لهذه الأفلام مكانتها، فالخلاف عليها لم يكن يعني رفضها، بل مثل في حينه نوعاً من الاهتمام والانشغال بها، باعتبارها أفلاماً نوعية متميزة لا تعتمد المباشرة لغة أساسية في الخطاب السينمائي.
من خيالية السينما الروائية إلى واقعية الفيلم التسجيلي تتباين شخصية «الأراجوز» حسب التناول، ووفق الرؤية العامة للسيناريو والإخراج، كما هو في تجربة رانيا حمدي كاتبة ومحمود حسن فرغلي مخرجا، في فيلمهما الأحدث عن اللعبة الشعبية الأكثر جماهيرية وحيوية بين الأطفال، والعنوان كما يتضح من الخط التسجيلي يتتبع مسيرة لعبة «الأراجوز» وتطورها، فالشخصية الحاضرة بقوة في الموالد والاحتفالات ذات الطابع الشعبي لها أصل في التراث المصري، الفني والإنساني، وتعد مصدر رزق مهم بالنسبة للمحترفين من محركي العرائس القطنية، حيث يروي طارق بطل الفيلم، تفاصيل ارتباطه بهذا الفن الذي ورثه عن أبيه وورثه أبيه عن جده، وفي سياق روايته يلمس نقاطاً مهمة من خصوصية الأراجوز ولغته الساخرة، ويقدم فاصلاً من ألاعيبه الشهيرة مثل «حرامي الشنطة»، تلك الحدوتة التي تكشف لصوص الحقائب ومهاراتهم في السطو على ممتلكات الغير بخفة يد واحترافية.
وتتعدد الألعاب والحكايات في جعبة الأراجوز، ونلمح بجانب شهادة البطل «طارق» الذي صارت كنيته مشتقة من اسم اللعبة الشهيرة، فأخذ الطابع الحركي نفسه وتميز بالمرح والدعابة. نلمح اندماج الأطفال وتجاوبهم التلقائي السريع مع ما يقوله لاعب العرائس بصوته الذي يخرج من الأنف، كأن الكلام ليس صادراً منه، وهو جزء من فن الإقناع وتقمص الشخصية، بحيث تتلاشى الشخصية الحقيقية للفنان، الذي يحرك العروسة وتبقى العروسة ذاتها في مواجهة الطفل، لتقيم معه حواراً متبادلاً يثير الضحك والخيال ويبعث على الفكاهة ويبدد الملل.
يركز المخرج على البطل طارق لإثراء شهادته التوثيقية بالمعلومات والقصص، وفي الوقت ذاته يتجه بالكاميرا لينقل جانباً عملياً من ممارسات الأراجوز على المسرح في مقابلة ذكية بين الرواية والفن، وفق نقلات السيناريو الذي يسير في اتجاهين متوازيين. يحرص المخرج محمود حسن على التصوير في الأجواء الطبيعية للمولد للربط بين «الأراجوز» كبطل رئيسي داخل الكادر السينمائي والبيئة التي نشأ فيها والمؤثرات الداعمة للحالة الفنية التسجيلية الحية، فضلاً عن الاعتناء بالخلفية، كالمراجيح وألعاب النيشان والباعة الجائلين ورواد المولد من البسطاء والكادحين النازحين من الريف والحضر إلى المناطق الشعبية في العاصمة، كمهبط أساسي لهواة الفرجة وعشاق الطقوس الفلكلورية وأحد مكوناتها.
لقد رسم المخرج بالتعاون مع كاتبة السيناريو لوحة تشكيلية بديعة التكوين، وأفرد المساحة للكاميرا للدخول في العمق فبدت تفاصيلها أكثر دقة ووضوحا، ما ضاعف من وقعها على المتلقي وساهم في جاذبيتها وأدى إلى التفاعل معها والانفعال بها، ومن هنا جاء التميز وحدث التماهي بين الواقعي الراهن والملموس وما هو فني، أكسبته الصورة السينمائية جمالاً إضافياً، فغدا مزيجاً فنياً يغازل العين بغير إزعاج ويبهج الروح بنشوة مستمده من طبيعة الفن كوسيلة للإقناع.
تخلص الفكرة الكلية للفيلم إلى مفهوم مفاده احترام الإبداع في عمومه، حتى لو كان إبداعاً بدائياً في آليته وأدواته كالعرائس البسيطة، فهي لا تخلو من جمال ولا تقل في تأثيرها ودهشتها للطفل عن تلك الفنون التي تنتمي للرسوم المتحركة وتتولى إنتاجها شركات عملاقة مثل والت ديزني .
كما أن الرؤية التي قدمها المخرج محمود حسن فرغلي تعلي من شأن الفنون المحلية وتقترب من الذائقة الفطرية للطفل، بغض النظر عن مستواه الاجتماعي ونشأته الثقافية، وهي الرسالة المعنية بشكل حقيقي في الالتفات لفن من هذا النوع ينتمي لجمهوره من الصغار.

Share

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى