السخرية والفانتازيا في «حب على طريقة الكبار» لعزالدين الماعزي

عبد الرحيم التدلاوي

على واجهة باب مجموعة القاص عز الدين الماعزي، جاء التنبيه التالي: الحب في زمن الكبار، وهو تنبيه بمثابة عنوان، يشير فيه القاص إلى مسألة جوهرية ترتبط بوجود الإنسان، وتعد أهم مقوم لديه، كما تعد قيمته الكبرى، إنه الحب، هذا الشعور النبيل الذي يتدفق من القلوب الطاهرة باتجاه قلوب أطهر، بغاية تحقيق التواصل والاندغام، وهو حب يرتبط بزمن محدد، إنه، هنا، هو زمن الكبار، مما يدعو إلى استحضار زمن آخر، قد يكون امتدادا وقد يكون مقابلا إن لم نقل، مناقضا، أقصد به، زمن الصغار، فقد يكون الحب في الزمنين متضادا.

مفهوم الحب في اللغة

إن لمفهوم الحب معاني عدة فسرتها لغتنا العربية على الشكل التالي: الحب: نقيض البغض، والحب: الوداد والمحبة، كالحباب بمعنى: المحبة والمودة. وكما يمكن أن يكون الحب ذا طبيعة جنسية، يمكنه أن يكون عاطفة يؤدي تنشيطها إلى نوع من أنواع اللذة، مادية كانت أو معنوية. تتميز مجموعة «حب على طريقة الكبار» بالواقعية الانتقادية، حيث تتحول إلى مرآة صادقة تعكس كل تناقضات المجتمع، وترصد صراعاته الجدلية، وانحطاط الإنسان فيه، بفعل تردي القيم. ولإبراز ذلك بشكل جلي، قابل بين عالمين: عالم الكبار وعالم الصغار؛ بين عالم القسوة والعنف، وعالم البراءة والمحبة والسلام.
كما تتميز بخاصية السخرية والوصف الكاريكاتيري والمفارقة الصادمة، مع انتقاد للعنف بمختلف أشكاله.. ولإبراز التناقض الحاد بين الحب والعنف المولد للكره، نتوقف عند نص «حب على طريقة الكبار» حتى نتلمس موقف السارد من هذه القضية: جرت عادة المحبين على نزع بتلات الوردة بقصد معرفة عواطف الحبيب غيبا، فالبتلات تتضمن أجوبة صريحة عن موقف الطرف الآخر في علاقة الغرام؛ فإذا كانت البتلة الأخيرة مقترنة بلفظ: تحبني، فإن العاشق يسر، ويتفاءل خيرا، حتى إنه يمتلك شجاعة المبادرة؛ وإذا انتهت بكلمة: لا يحبني، اعتمد سياسة الابتعاد مرفوقا بحزن عارم. إذن العاشق يقرأ العلاقة من خلال هذا الفعل، بيد أن السارد يتخذ موقفا معارضا لهذا السلوك، إذ يرى فيه عنفا غير لائق، ينزل بأجمل رمز، ألا وهو الورد، فالفاعل لا يصل إلى البتلة الأخيرة وقد استمد الجواب المقنع، بل يصل إلى التعرية العنيفة التي ترمز إلى عنف علاقته. والجدير بالملاحظة في هذا المقام، أن فعل القول في الحوار غير مشفوع بنقطتي التفسير، بل جاء متبوعا بنقاط الحذف، وخلف هذا الفعل يتم التأكيد على غياب التواصل، وبفعل غيابه يحدث الكسر والعنف، ويؤكد غياب أي شعور تجاه الطرف الآخر. فالحب انسياب شعوري يرفض كل أشكال العنف.
والحق أن المجموعة تقف موقف المعارضة لفعل العنف المشين في الكثير من نصوصها. وتقدم بدله المحبة الصادقة، ذات المشاعر النبيلة، كما في نص «يد على القلب»، حيث ترد في نهايته الجملة التالية: تضع يدا على القلب والوجاس في اليد والقلب على الأطفال. وبقليل من التركيز والتكثيف، يمكن إعادة صوغها بالشكل التالي: تضع قلبها على قلب الأطفال. وبهذا تتجلى المحبة في أصفى معانيها.
يستقي القاص الماعزي نصوصه من الواقع، يعيد بناءه فنيا وجماليا بطريقة تجعله يحمل تصوراته، وأفكاره، ومواقفه، وتساؤلاته.

مسألة السخرية

تعد السخرية من أهم المكونات الجوهرية للقصة القصيرة جدا، تسعى إلى انتقاد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية. وقد وظف القاص هذه التقنية في نصوصه مستخدما الإضمار والحذف والجمع بين الفصحى والعامية كما في نص «فييرا»، حيث ترد الجمل الموصولة منقوصة بدون جمل الصلة، تاركة للقارئ فرصة ملئها بما يراه مناسبا للمعنى: امرأة على حمار، تنزلق رجل الحمار الأسود أسفل الحفرة التي …/ والمرأة التي …/ ينحدر الاثنان بسرعة.
والملاحظ أن السارد منحنا مشهدا مؤلما يتجلى في سقوط المرأة والحمار، ويتقوى الألم بإخراج المرأة من الحفرة، وترك الحمار فيها. كما تحضر السخرية في نص «خيبة 2»، باعتماد مقابلة بين المكان المقدس، والفعل المدنس؛ فسرقة الحذاء، فعل يدعو للسخرية، ويحث على تقويمه. كما تحضر في نص «موت سامورائي».

مسألة المفارقة

ترتكز المفارقة على الجمع بين المتناقضات، وتنبني على تنافر الظواهر والأشياء، وذلك في ثنائيات متعاكسة ومفارقة في جدليتها الكينونية والواقعية والتخييلية.
والمفارقة قرينة السخرية، والجسر الذي يقود إليها، فمن دون المفارقة لن تتحقق السخرية. ونجد هذه المفارقة في قصص عزالدين الماعزي، كما في قصته «الماء الصالح للحمل». فالملاحظ أن الكاتب قد وظف في قصته المفارقة القصصية الإبداعية، وذلك عن طريق تشغيل الأضداد: ماء صالح للشرب، مقابل، ماء لم يعد صالحا للشرب. تحمل جرة ماء من الساقية، مقابل، أنابيب الماء الصالح للشرب. وتوقع هذه المفارقة دلالات القصة ومضامينها الإبداعية بقصد إبراز التفاوت الطبقي، ومعاناة الطبقات المسحوقة، خاصة تلك التي تقطن البادية، والمجبرة على الذهاب إلى الساقية لجلب الماء وحمله في عربات إلى المنزل ليصير غير صالح للشرب بفعل الماعون وطريقة التعبئة والحمل والتخزين.

الواقع والخيال

يتميز نص « La vache qui rit» بخاصية التعجيب الفانتازي الناجم عن تداخل الواقع والخيال، بغاية انتقاد تشييء الإنسان، وتحويله كائنا غريبا عن عالمه، ولا غرو، والحالة هذه، أن يتصف بالقسوة والعنف: جانب الطريق مدت الأستاذة يدها للسيارات التي تمر ذابلة كأوراق الخريف. وقف السائق…سألها إلى أين..؟ حددت له الوجهة فتح لها الباب الخلفي، ركبت.. وجدت نفسها بجانب بقرة ضاحكة».

1 ـ تشتمل مجموعة «حب على طريقة الكبار» للماعزي، على ست وثلاثين قصة قصيرة جدا، تتمدد على مساحة ثمان وسبعين صفحة؛ لا تتعدى الصفحة الواحدة من الحجم المتوسط. والمجموعة صادرة في طبعتها الأولى سنة 2006 عن مطبعة وليلي.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى