القاهرة تحتضن أعمال 50 خطاطا من مصر وأوروبا وآسيا

شريف الشافعي

الفن قادر دائمًا على أن يقف على خط النار، وها هي رسالة التحدي الحضارية يطلقها من “بيت السناري” الأثري في وسط القاهرة خمسون فنانًا تشكيليًّا من مصر ودول أوروبية وآسيوية في معرض جماعي دولي للخط العربي بعنوان “جمال وسلام” الذي افتتح الأحد الـ22 أكتوبر ويمتد إلى نهاية الشهر، في رهان جديد للقوى الناعمة على تصدير الصورة الصحيحة للواقع العربي والإسلامي من خلال أبجديات الثقافة.

 

سحر الحروف

من أسرار الخط العربي أن عشاقه من الفنانين والمتذوّقين قد لا يكونون عربًا أو على قدر واف من الإلمام بقواعد وضوابط اللغة. هذا الخط العربي، الذي عرفه التاريخ فنًّا خالصًا، يعود ليتشكل في معرض “جمال وسلام” بآليات حداثية وكلاسيكية جنبًا إلى جنب، وفي مزج مع التصوير، ليؤكد الخطاطون المشاركون قدرة هذا الفن على التجدد.

على الجدران العتيقة في “بيت السناري” التاريخي في حيّ السيدة زينب، بالقرب من المسجد والمزار الإسلامي الشهير للسيدة زينب، تتجاور لوحات وخطوط خمسين فنانًا في معرض “جمال وسلام”، من مصر والعراق وإيطاليا وفرنسا وإندونيسيا وتايلاند، حيث جمعهم سحر الحروف العربية، وخطوطها المتنوعة، وتركيباتها الهندسية المتعددة، وزخارفها ذات الطبيعة الخاصة.

الفنان جودت محمد، هو قوميسير معرض “جمال وسلام”، الذي يقام تحت إشراف مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع نقابة الخطاطين العامة، ومن أبرز الفنانين المشاركين فيه: أنتونيلا ليوني (إيطاليا)، فيلكس جان (فرنسا)، نئ سوف جئ ياما (تايلاند)، جلال الدين شهفوترا (إندونيسيا)، غلام أوغلو وأيسر البياتي والشريفة فاطمة ذنون (العراق)، ومن مصر: أحمد شركس، داليا محسن، أحمد حافظ، عادل محمد حسن، إسلام الصعيدي، حمادة المجيحي، خالد البعو، مروة المنسي، مصطفى خضير، نسرين عزت، وفاء العايدي، وغيرهم.

“جمال وسلام”، مثلما يدل عنوانه، معرض للفن المجرد من جهة ورسالة تحمل مضمونًا من ناحية أخرى، فالجمال هنا طريق إلى السلام، والسلام فضاء يتيح التعاطي اللامتناهي مع الجمال.

هذا المعرض ليس نهاية المطاف في هذا المجال، فثمة أنشطة أخرى كما أوضح الفنان جودت محمد قوميسير ممثل نقابة الخطاطين العامة، منها معارض أخرى مشابهة ومسابقات وجوائز في مجال الخط العربي.

وقد أسست مكتبة الإسكندرية مركزًا يعنى برعاية فنون الخط العربي هو “مركز دراسات الخطوط”، ويقوم المركز بفعاليات متعددة لتعزيز ودعم فن الخط العربي ورعاية الخطاطين بالتعاون مع النقابة العامة للخطاطين بمصر، وأعلن المركز عن برنامج ضخم لرعاية فن الخط العربي على المستويين المحلي والدولي خلال الشهور المقبلة.

وسيجري في هذا الصدد إصدار موسوعة ضخمة للنقوش العربية في سوريا للباحث فرج الحسيني، فضلًا عن مطبوعات وفعاليات أخرى.

على هامش معرض “جمال وسلام” تقام ندوات ثقافية حول تأثير الخط العربي في الفنون الأخرى وعلاقة الخط العربي بتكنولوجيا إنتاج الصحف وبالحرف التراثية وتأثير الخط العربي على تطور الفن التشكيلي وتاريخ الزخرفة الإسلامية والخط الديواني وتصنيع الأحبار، فضلًا عن ورش فنية لمختلف مجالات وأدوات الخط العربي.

وتتعدد تجليات الخط العربي وفنونه في الكتابة والزخرفة والإبداع التشكيلي عبر مجموعة من الخطوط الشهيرة على رأسها الخط الكوفي الذي يعد أقدم الخطوط، وخط النسخ الذي استخدم في كتابة المصاحف، وخط الثلث وخط الرقعة الذي صار أكثر الخطوط انتشارًا، والخط الديواني والخط الفارسي.

يستلهم معرض “جمال وسلام” إيقاعات الخطوط العربية المتعددة، ويوجّه رسالة مقاومة مباشرة تهدف إلى محاصرة القبح من خلال جماليات الحرف واللغة، واحتواء العشوائيات المحيطة بواسطة نشر الهندسة البصرية الراقية وتصدير صورة إيجابية للفنون العربية والإسلامية.

 

تيارات فنية

ليس هناك من دليل على احتفاء الحضارة العربية والإسلامية بالفنون أكثر من التعامل الفني من خلال جماليات الخط العربي مع النصوص الدينية ذاتها من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، فضلًا عن القصائد والأمثال والحكم والأقوال المأثورة في التراث العربي والإسلامي. وفي هذا الإطار دارت أعمال معرض “جمال وسلام” بتنويعاتها الخطية والتصويرية التي استوعبت تيارات مختلفة مزجت بين الأصالة والمعاصرة.

الفنانة الإيطالية أنتونيلا ليوني، التي تقيم في القاهرة وتدرس في “أكاديمية الخطوط العربية” من فرط عشقها للخط العربي وجمالياته الساحرة خصوصًا في كتابات المصاحف، قدمت في معرض “جمال وسلام” لوحة اختطت فيها الآية القرآنية “والله متمّ نوره ولو كره الكافرون”، في تكوين تشكيلي هرمي، يشرق فيه اللون الأحمر، فيتوحد المضمون النوراني بالشكل المشعّ.

ويقدم الفنان العراقي مهدي علي عسكر “غلام أوغلو”، عضو نقابة الفنانين والخطاطين العراقيين، تشكيلًا بصريًّا مركبًّا، يتسع للخامات المجسّمة من خشب وأقمشة ومواد، ليتيح للوحته إمكانات أوسع للزخرفة والتزيين، فيما تحمل الكتابة البارزة آيات قرآنية تفيض بالشفافية، وتتسم رؤية الفنان بالتوازن البصري، والحرص على إفساح المجال للتناغم ذي الطابع الهارموني الموسيقي.

ولا تقف اللغة عائقًا أمام الفرنسي فيلكس جان، الذي يقدم الحرف العربي على نحو غير هيّن في تلقيه، إذ يعنيه في المقام الأول التركيب البصري وليس إمكانية قراءة الحروف، فالخط العربي غاية فنية بحد ذاته، وقيمة تشكيلية للإنسانية في أيّ مكان، وليس وسيلة لفهم لغوي نمطي غير متاح لغير العرب من البشر.

كل هؤلاء تعلموا الكتابة بالخط العربي بعد فترة طويلة من الدراسة والمعايشة حتى أتقنوا أسرارها وأبعادها الدقيقة، فخرجت كتاباتهم كرسومات ولوحات تدل على عمق هوى صاحبها.

وتتعانق المربعات والمثلثات والدوائر المستلهمة من وحدات الزخرفة في الفن الإسلامي مع الحروف العربية في أعمال المصري عادل محمد حسن بالمعرض، ويقدم الفنان ما يمكن وصفه بالبناء البصري أو المعمار المتكامل في طرح تشكيلي جديد يفرغ الحروف من دلالاتها التوصيلية ليحوّلها إلى عناصر ترميزية مندمجة مع مثيلاتها في الكل الهندسي.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى