معرض نحت في دمشق يجسد مراحل الحلم خلال سنوات الحرب

زينة شهلا

بأعمال تجمع بين الاحترافية، وفي الوقت ذاته عدم التكلف في التعبير، وبمواد متنوعة وحضور واضح لحالات إنسانية لصيقة بالواقع السوري بشكل خاص، جاء معرض النحات يامن يوسف الفردي في صالة فاتح المدرس وسط العاصمة السورية دمشق.
ورد في الورقة التعريفية عن المعرض «يبحث عمل يامن يوسف في القدرة على التعبير عن الشكل البشري، لنقل وترجمة لغته إلى شكل منحوتة، والعمل على الجمع بين المعرفة النحتية التقليدية والمهارات التقنية مع القضايا المعاصرة، وبالتالي محاولة خلق الأعمال التي هي ردود فعل على الحياة اليومية عملياً مع العديد من المواد، بما في ذلك البرونز والخشب والمعدن والجص والحجر والورق المعاد تدويره».

المعرض تضمن تسعا وعشرين منحوتة أنجزها الفنان السوري، وهو من مواليد عام 1982 وخريج كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 2006، من مواد مختلفة على رأسها الخشب والبازلت والبرونز، وشكلها بأحجام متوسطة وصغيرة تناسبت مع حجم الصالة وطريقة العرض، وبتنويعات تراوحت بشكل عام بين أجساد إنسانية مكتملة أو أجزاء منها. أما مواضيع تلك الأعمال فتمثل بمعظمها مشاعر إنسانية أطلق عليها يوسف خلال لقاء مع «القدس العربي» يوم الافتتاح وصْف «الحلم بمختلف مراحله».
«لا أعتبر أن أعمالي واقعية لكن مواضيعها واقعية بدون شك»، يقول الفنان في حديثه ويضيف: «وهذه المواضيع في مجملها ركزت على أحلامي وأحلام كل الأشخاص الذين أشترك معهم في الحياة في هذه المساحة، وقد أنجزتها في مراحل زمنية مختلفة خلال سنوات الحرب الثماني الأخيرة منذ عام 2011 وصولاً لليوم. جميعنا نعيش وعشنا فترات من الأحلام في هذه السنوات، فهي الفكرة التي أعتقد أنها تعيش معنا بشكل مستمر». تختلف حالات تلك الأحلام من منحوتة لأخرى وفق المرحلة التي تمثلها، فالحلم يبدأ ببذرة أفكار كما في عمل يحمل اسم «بذرة» ويصور جناحاً يخرج منه رأس كبير نحو الأعلى. في أعمال أخرى يطير الحلم أو يلحقه صاحبه ثم يستقر معه، لكن الحلم ينكسر في عمل آخر، ربما ككثير من أحلام السوريين المنكسرة اليوم، وربما يحترق صاحبه بصمت وهو ينتظره بدون جدوى، أو يبحث عنه وعن وجهته في الحياة بشكل عام. في عمل آخر عنوانه «نصف قارب نصف إنسان» يبدو شخص له وجه بشري وجسم أشبه بسفينة خشبية، وكأنه يتوق للانعتاق أو الهروب نحو عالم آخر. وفي منحوتة تدعى «الدمية» يبدو الفنان وكأنه ضائع بين أحلام قديمة وواقع بعيد كل البعد عن تلك الأحلام.

ووفق الفكرة التي يرغب يوسف في العمل عليها، والمادة المناسبة التي تتواجد معه في الزمان والمكان نفسيهما، يخرج عمل يعتبره الفنان «مزيجاً بين الفكرة والمادة، وأشبه برد فعلي الخاص على ما أعيشه في اللحظة ذاتها، الذي أقوم بتجسيده من خلال تلك المادة وصولاً لمنتج فني أطرح من خلاله نفسي وأفكاري».
وفي الوقت ذاته، يفضل الفنان أن يكتفي بتسليط الضوء في حديثه حول المعرض على فكرة الحلم، بدون أن يغوص في تفاصيل أكثر، تاركاً للمتلقي تكوين الانطباعات التي تتركها كل منحوتة داخله، سواء كانت وحدة أم انتظاراً أم معاناة أم أملاً وحباً.
شارك يوسف ومنذ تخرجه في العديد من المعارض الفردية والجماعية وكذلك في ملتقيات نحت وورشات عمل داخل سوريا وفي بلدان الجوار وأيضاً في عدد من البلدان الغربية ومنها، فرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، لكن حاجته للتوجه للجمهور السوري داخل سوريا اليوم دفعته لإقامة هذا المعرض في دمشق وهو معرضه الثاني في المدينة.
يرى يوسف أن سوريا اليوم تمر بمرحلة بالغة الصعوبة، ولعلها من أصعب الفترات التي يعيشها السوريون منذ بدأت الحرب. وبذلك، «طرحت على نفسي تساؤلاً حول ما يمكنني القيام به أو إنتاجه، ونحن نعيش كل هذه المعاناة، ولم أجد سوى الفن وسيلة للحفاظ على الإنسانية داخلنا، وطريقتي لأقول بأنني موجود هنا، وهذه المنحوتات هي ردة فعلي على ما نمر به».
كما أن اختياره لمرسم فاتح المدرس ـ رغم صغر حجمه – ليعرض أعماله جاء من تقديره لهذا الفنان والأثر الذي تركه على الحركة الفنية في سوريا. «لهذا المكان قيمة معنوية كبيرة بالنسبة لي أكبر من قيمته المادية، فهنا كان يعمل شخص بمقام فاتح المدرس وينتج أعمالاً ذات قيمة فنية عالية، ويسعدني أن يكون مكاناً أضع فيه منحوتاتي أمام الجمهور السوري اليوم».

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى