العرض المصري الراقص «دموع حديد»: خيال زها حديد يفوق تصورات وليد عوني

محمد عبد الرحيم

زها حديد (31 أكتوبر/تشرين الأول 1950 ــ 31 مارس/آذار 2016) معمارية عراقية الأصل، تحمل الجنسية البريطانية، نالت العديد من الجوائز العالمية، في مقدمتها جائزة (بريتزكر)، التي تعادل جائزة نوبل. وتأتي أعمالها علامة فارقة في فن العمارة. وهناك العديد من الدراسات والمؤلفات التي تناولت جماليات ومفاهيم تصاميم حديد المعمارية، إلا أن السمة الأولى لهذه الأعمال الفنية التي أنتجتها حديد يتمثل في الخيال وتجاوزاته اللامحدودة. هذا الخيال الذي أدى بدوره لأن يكون كل عمل من أعمال هذه المرأة يبدو أقرب إلى عمل تشكيلي، يمكن مطالعته في أحد المعارض ــ أقامت حديد بالفعل عدة معارض احتوت تصميماتها المتنوعة من عمارة وديكور وأكسسوارات ــ وبما أن الأمر فني في الأساس، فمن الممكن أن يتم استعراض تجربة المرأة وأفكارها من خلال عرض فني آخر، يحاول تأويل هذه الرؤية أو حتى الوقوف على أهم سماتها. ويأتي العرض المسرحي الراقص «دموع حديد» كمحاولة لاستعراض ما قدمته وأضافته زها حديد لفن العمارة العالمي، من خلال أفكارها ورؤاها الجمالية.

تم تقديم العرض من خلال فرقة الرقص المسرحي المصري الحديث، وأقيم على المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية في القاهرة. العرض أداء.. محمد عبد العزيز، رشا الوكيل، محمد مصطفى، باهر أحمد، عمرو البطريق، شيرلي أحمد، نور الهنيدي، وأحمد محمد. تصميم هندسي صوفي كونان، إضاءة ياسر شعلان، ديكور ومؤثرات بصرية رضا صلاح، وصوت محمود عبد اللطيف. العرض من تصميم وإخراج وليد عوني.

ألعاب الخيال وتجاوزاته

يبدو من تصاميم زها حديد، مدى الخيال المتجاوز للمألوف والعادي، والمُستمد والمعتمد بالأساس على مفردات الفن التشكيلي. وهناك من يرجع ذلك إلى التأثر بمفاهم التفكيك، أو ما بعد الحداثة، بل حتى تجاوز المدارس الفنية والفلسفية المتداولة. فهناك رؤية جمالية تنتهجها حديد، وتتحكم في كل تصاميمها بغض النظر عن المسميات. تأتي هذه التصاميم وكأنها كائنات تسبح في فراغ، ولعل الخطوط المنحنية هي الأبرز والأكثر إدهاشاً في بنايات حديد، فلا خطوط مستقيمة ولا أعمدة كما هو مألوف، وكأن المبنى شكل آت من عوالم أخرى لم تعهدها العين، إنحناءات تكاد تسيل، وكأنها لم تحط أو تنتهي وتستقر على الأرض، لحظة مستقبلية لا يمكن الإمساك بها، قادرة دوماً على الاستمرار وإعادة التشكُّل.
فكرة الاستمرار هذه تبدو الأهم، وهو ما يحيل إلى فكرة (التأنيث) تأنيث العمارة، والتخلص من كل ملامح الذكورة التي تتبناها العمارة منذ قرون ــ الخطوط المستقيمة ــ وهل نستبعد فكرة الذكورة والأنوثة، التي راودت دوماً خيال فناني العمارة الإسلامية، التي تجسدت في القباب المنحنية والمآذن المنتصبة بجوارها، كشكل من أشكال التحايل والتجسيد، من خلال المقدس. هذه الفكرة وما تبعها من تصميمات زها حديد المتواترة، التي تؤكد عليها مراراً هو ما أوحى إلى تأويلات وليد عوني مخرج العرض إلى الشطط في التأويل، ووضع تصورات وتصاميم استعراضية تبتعد إلى رؤية وخيال حديد، مستكيناً إلى الدارج والمألوف، بل والمُستهلَك من أفكار تعبيرية.

 

لتكن صوفية

حاول عوني أن يُترجم تجربة زها حديد، وأن يختلق لها معادلات بصرية، اعتماداً على تصاميمها، وقد اختصرها في منحوتات سابحة في الفضاء، ومحاولة ربطها بالفكر الصوفي ـ بمعنى خطوط دائرية تبقى صوفية، نلعب بقى على كده ــ هذا ما أثّر في خيال وليد عوني، وجعله يدور في حلقة ضيقة، وأهدر فرصة كبيرة من محاولات خلق لوحات بصرية من خلال أجساد الراقصين تحاول التعبير عن روح المرأة التي أبدعت هذه التكوينات. ولعل المقارنة لن تكون في صالح عوني على الإطلاق، وقد استعان برسومات زها حديد في خلفية العرض، ليبدو الفارق شاسعاً بين خيال حر وآخر حبيس رؤية مسبقة. ففكرة (التأنيث) هي أساس هذه الأعمال، وفكرة الآلهة الأولى، قبل أن يصبح الإله ذكراً يبسط رؤيته الذكورية على العالم، فكرة العودة إلى الأصل ــ زها حديد عراقية الأصل ــ وحاولت بذكاء بعث هذه الآلهة في تصاميم مستقبلية، تثير الدهشة والارتباك، حتى بعد التدقيق والنظر تجدها كجزء خفي من الثقافة واللاوعي الجمعي للإنسان أينما كان، بدون الاقتصار على بيئة اجتماعية معينة. فما علاقة هذا برقصات الصوفية ودوران الدراويش حول أنفسهم، وهذه العلامات التي تم استهلاكها وقد نحاها الغرب بعد زمن من الولع بها، وتسويقها لكونها تمثل الوجه الناعم للإسلام، الذي لطالما عانى الغرب من تبعات الفكر الإسلامي على أرض الواقع.
من مفردات العرض أيضاً صوت زها حديد وعباراتها التي تستعرض من خلالها بعضا من رؤيتها ومفهومها للفن والحياة، وبعض المقطوعات الموسيقية والمؤثرات المباشرة، كصوت دقات الحديد، وكأننا في عملية إنشاء هذه البنايات، كذلك موسيقى غربية موسومة بالصوفية، والحركات المعهودة لدارويش تركيا، الذين نطالعهم في كروت البوستال، أو الاحتفالات السياحية كمعلم من معالم هذه البقعة من الأرض. فبأي شكل من أشكال الخيال حاول عوني أن يتواصل وتجربة المرأة، وأن يعيد رسمها من خلال عرض راقص لا ينتمي إليها إلا بالاسم فقط؟

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى