الدوحة محط أنظار المثقفين في العالم الإسلامي

ثمّن عدد من المثقفين اختيار الدوحة لتكون عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي 2021، من قِبل منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو »، مُؤكدين على أن هذا الاختيار يأتي عن جدارة واستحقاق، لما تتمتع به من مقومات تؤهلها لإقامة فعاليات مميزة على مدار العام الجاري. وأشاروا في تصريحات خاصة لـ الراية إلى أن الدوحة ستكون محط أنظار المثقفين في أنحاء العالم الإسلامي، الأمر الذي سيُسهم بدوره في الارتقاء بالثقافة الإسلامية، وتعزيز مكانتها، فضلًا عما ستحققه هذه الفعاليات من فرص للاطلاع على ما تشهده الدوحة من مُنجزات حضارية وتطور في الحراك الثقافي في مُختلف المجالات الإبداعية، بالإضافة إلى ما ستعمل عليه ذات الفعاليات في توسيع الرؤى الفكرية وإثراء المخزون المعرفي والثقافي، والترويج للقيم الإسلامية القائمة على العلم والكرامة الإنسانية. وأوضحوا أن الدوحة اختيرت عاصمة للثقافة العربية عام 2010، وأقيمت على أرضها فعاليات ثقافية عديدة، عكست جوهر الثقافة العربية، ما جعلها نموذجًا لمثل هذه المناسبات.

ثقة دولية يقول الكاتب والروائي د. أحمد عبد الملك، أستاذ الإعلام في كلية المجتمع: إن اختيار الدوحة كي تكون عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي، يحمل أكثر من دلالة، فدولة قطر برزت خلال العشرين عامًا الماضية، وباتت رقمًا مهمًا على الساحة الدولية، نظرًا للمُبادرات العديدة التي أطلقتها لرأب الصدع بين العديد من دول العالم، خصوصًا دول العالم الثالث، كما أن دولة قطر حافظت على اتزان علاقاتها الدبلوماسية مع كل دول العالم، ما أكسبها ثقةً دولية نعتز بها جميعًا. مضيفًا: أثّر ذلك على المجال الثقافي والفني، فالدوحة اختيرت عاصمة للثقافة العربية عام 2010، وأقيمت على أرضها فعاليات ثقافية عديدة، عكست جوهر الثقافة العربية، ما جعلها نموذجًا لمثل هذه المناسبات.

ولا تفوتني الإشارة إلى دور قطر في تنظيم المؤتمرات العالمية، والتي يلتقي فيها كبارُ صنّاع القرار في العالم، بالإضافة إلى المفكّرين والمتخصصين من كل بقاع الأرض. ويؤكد عبد الملك أن اختيار الدوحة عاصمة للثقافة الإسلامية، يأتي من منطلق مُلاءمة الدوحة واستعدادها لمثل هذه النشاطات، لما تتمتع به من روح خلاقة، في مجال العمارة الإسلامية، والتسامح الديني، وتعدد الجامعات، وما تزخر به المتاحف، ومنها المتحف الإسلامي الذي يُعتبر تحفة عمرانية وفكرية في المنطقة. ويرى أن أهمّ عنصر من عناصر تأهُّل قطر لهذه المناسبة، هو الإنسان القطري الذي يتمتع بالروح الإسلامية والعادات والتقاليد الأصيلة، والسلوك الحضاري الذي يشهد به الزائرون إلى قطر، وأيضًا تشهد به الجامعات الأجنبية التي يدرس فيها الطلاب القطريون، الذين يحملون إرثهم الثقافي الإسلامي، وعاداتهم وتقاليدهم النبيلة.

أما كيف يستفيد المثقف من هذه المناسبة. فيؤكد الروائي القطري أنها فرصة للاطلاع على تراث الأمة الإسلامية، فالمثقف في قطر يرنو للتحاور مع ضيوف عاصمة الثقافة الإسلامية، وهذا يُحفّز المثقف على إثراء بحوثه، ويُشجعه على تنمية مهاراته الأدبية والفنية. ولا ضير من إشراك الفنون التشكيلية، والسينما، والمسرح، والرواية، والقصة، وغيرها من أصناف الإبداع في هذه المناسبة، وهذا يخلق التلاقي بين ثقافات العالم الإسلامي.

وجهة للمثقفين

من جانبه يقول الكاتب والمؤرّخ الدكتور خالد بن محمد البوعينين: إن اختيار الدوحة عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي 2021 يعكس تلك المكانة الكبيرة التي تتمتع بها في نشر الثقافة العربية والإسلامية، انطلاقًا من ذلك الانتماء الأصيل لدولة قطر للعالم الإسلامي، وما تتسم به ثقافتها من قيم أصيلة، تنطلق من جذور راسخة، فضلًا عن انفتاحها على مُختلف الثقافات، بجانب سعيها الدائم لإشاعة الحوار، وما تتمتع به من معالم تراثية وتاريخية، تعود إلى عصور إسلامية متفاوتة، بالإضافة إلى ما تزخر به من متاحف، تضم بين جدرانها العديد من المقتنيات الإسلامية. لافتًا إلى أن كل هذه وغيرها من مُحدّدات جعلت الدوحة جديرة بهذا الاستحقاق الكبير، الذي نسعد به كثيرًا كمثقفين ننتمي إلى هذا البلد، العريق، صاحب الثقافة الإسلامية، المُمتدة الجذور عبر العصور. مُؤكدًا أن هذا الاستحقاق سيجعل الدوحة على مدار العام شعلة من الحراك الثقافي، كشأنها دائمًا، وهو الأمر الذي سيترتب عليه استقطاب الزائرين من مُختلف الدول الإسلامية، لتصبح الدوحة هي وجهتهم، وهو ما سيكون له ما بعده من مخرجات ونتائج، تجعل الدوحة محط أنظار الزائرين في دول العالم الإسلامي، فضلًا عن مثقفيهم ومبدعيهم. مضيفًا: ستظل الدوحة محط أنظار المبدعين والمثقفين في العالم الإسلامي، كما هو حالها دائمًا، انطلاقًا من تلك السمة التي تميزها بأن تظل وفية لانتمائها الثقافي العربي والإسلامي.

أهداف سامية

بدورها، تعرب الباحثة الأكاديمية في الحضارة والإعلام خولة مرتضوي عن سعادتها بانطلاق فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2021، لتُحقِّق أهدافها السامية في نشر الثقافة الإسلامية، وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها، وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية في مجالات الآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية، وتعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب. مضيفة: إن حضارتنا كانت ولا تزال «ولاّدَة» تمنح الكثير للآخرين وتضيء شتَّى الدروب المعتمة، ولا يبقى إلا أن يعود المسلمون لريادة تلك الحضارة الإنسانية من جديد؛ تلك الحضارة التي بناها الإسلام وحافظ عليها الآباء والأجداد، وأهملها الأبناء والأحفاد، فأنكر فضلها على العالمين الغرب ومازال.

ولفتت إلى أن انتشار الثقافة العربية الإسلامية في مختلف البلاد التي دخلها الإسلام، جعل كثيرًا من معالم الثقافات المحلية القائمة تتكيَّف مع مقوّمات الثقافة العربية الإسلامية؛ فأصبحت الطقوس والتقاليد والأعراف تنسجم مع ثوابت الثقافة العربية الإسلامية، حتى ولو اختلفت فيما بينها في المُمارسة والتطبيق، على أن هذا الاختلاف لا يصل إلى مجال العقائد والقيم والمقاصد، كما هو الشأن مع الثقافات غير الإسلامية القديمة والحديثة، وبذلك تكون أهمّ خاصية تتميّز بها الثقافة العربية، أنها امتزجت بالثقافات الأخرى التي كانت سائدةً في عهود الإسلام الأولى، وتفتَّحت لعطاء الأجناس والأقوام وأهل الديانات والعقائد التي تعايشت مع المجتمع العربي الإسلامي، فصارت بذلك ثقافةً غنيةَ المحتوى، مُتعدّدةَ الروافد، متنوعةَ المصادر، ولكنها ذات روح واحدة، وهويّة متميّزة مُتفرّدة. وأضافت قائلة: إنَّ المُكوِّن الاستراتيجي الثقافِي يأتي كواحدٍ من أهمِّ المكونات التي تهتَمُّ بها الدُول لتحقيق أمنِها القومي الشامِل، وذلِكَ لما للتحولات الثقافية من دورٍ حيويِ كبير في بناء التشكيلات والهيكليَّات والاستراتيجيَّات الأمنيَّة، فهي درعٌ من دروع الأوطان، فلا مستقبل ولا حضارة ولا أمان لشعوبٍ بلا ثقافة، فالثقافة دورُها أن تبني الشعب والأمَّة وبالتالي تبني الدول، وهي كذلك تقوم بدور طوق النجاة من أي تهديدات أيدولوجية أو معنوية تواجهُها. وتؤكد مرتضوي على أن فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2021 بالجهود الجادة والمساعي النبيلة، ستحقِّقُ جزءًا ولو يسيرًا في مسيرة بناء إنسان النهضة أو إنسان الحضارة القطري؛ عبر الترويج للقيم الإسلامية الخالدة القائمة على العلم والكرامة الإنسانية، وتعزيز الموروث الثقافي الإسلامي. وتعرب عن أملها في استمرار هذه المساعي الطيّبة لما بعد 2021، فنحن نحتاج كثيرًا إلى برامج ومناشط مدعومة محليًا وأمميًا لتشييد النهضة الإسلامية الرائدة من جديد.

المصدر: الراية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى