نبضات.. احتلال الذاكرة

في تاريخ الغناء العربي، شطحاتٌ حتى بالنسبة لكبار المُبدعين. تاريخ الغناء لا يخلو من تلك النماذج. مثلًا واحد من أبرز الأسماء سيد درويش، الذي قدَّم خلال عمره القصير «31 عامًا» عددًا من الأغاني لفنانات عصره مثل نعيمة المصرية ومنيرة المهدية، وحتى المؤلف الذي صاغ مفردات الأغنية الخالدة «بلادي بلادي» يونس القاضي ساهم في صياغة أغنية قد لا تليق باسمه الآن، نعم في عصرنا، ولكن لكل زمان ظروفه، من يطوي الزمان قبل نصف قرن أو أكثر ويعود إلى عصر الأسطوانات، بخاصة البلاستيكية، ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء ويسأل الإعلامي تيسير عبدالله يكشف العديدَ من الأسماء ممن أسهموا في ترديد بعض الأغاني التي تحمل المعانيَ التي لا يتقبلها الذوقُ العام الآن، حتى المطرب الكبير طلال مداح أسهم في غناء واحدة من تلك الأغاني أو أكثر.
إذَنْ الزمنُ والظرف يحددان نوعية الأغنية، والذي يعود إلى عام 1988، يعرف كيف أن مطربًا اسمه «علي حِمِيدة» باع 6 ملايين نسخة من أغنية «لولاكي» !!، وكيف فجر مطرب عراقي الساحة الغنائية من خلال «البرتقالة».
أما عن شعبان عبدالرحيم فحدّث ولا حَرَج، فقد «بطَّل السجائر» وها هو عبدالباسط حمودة، يقتحم الساحة برائعته «هاها.. هو هو»، أغاني الملاهي، التي قدمت أيام الاستعمار في معظم البلاد العربية في حاجة إلى دراسة، سواء في بلاد المغرب العربي، أو مصر أو بلاد الشام، أو العراق، هناك مطربة تونسية هي «حميدة سبيكة» غنت أغنية خليعة، لا تسأل أين الرقابة، كان ذلك أيام الاستعمار الفرنسي، والغريب في الأمر أن التاريخ يعيد نفسه الآن، مثل الأغنية التي غنتها مايا غنام بألفاظ لا يتقبلها الذوق العام في واقعنا الحالي المعاش، وأزيد القارئ بيتًا من الشعر أن هناك مسابقات ومهرجانات للأغاني التافهة، وجوائز!! وفي مصر شهرة وأجور خرافية لمطربي المهرجانات!! نعم لقد ولى زمن منيرة المهدية، وسيد درويش، ورتيبة أحمد.
وكذلك جمالات كفتة وهي تقول: وجع قلبي… أموت وعيون حبيبي خضر.. وأخيرًا الفنان القدير محمود عبدالعزيز في فيلم الكيف: يردد: الكيمي كا.. الكيمي كو.. وأقول مع ذلك عاشت في ذاكرتنا الحميمية.
من هذا فإن هذه الأغاني لا يقتصر انتشارها على مجتمع عربي دون آخر، ولا على مطرب معين، بل حالة عامة في واقع عام، في لحظات من عمر الزمن. يرى البعض أنها نتاج لحظات الانكسار مثلًا، كما يذهب إلى ذلك بعض المؤرخين وعلماء الاجتماع.

hrasheed@al-rwaq.c

** المصدر: جريدة”الراية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى