ويبقى الأثر

د. عائشة الكواري
Latest posts by د. عائشة الكواري (see all)

في حياتنا المليئة باللحظات المؤثرة والأشخاص الذين يمرون فيها، نجد أنفسنا غالبًا في مواجهة محطات الوداع التي قد تتكرر كثيراً، فتجبرنا على وداع من اعتدنا على وجودهم، كوداع أحد أفراد الأسرة أو أحد الأصدقاء أو أشخاص مؤثرين في حياتنا، نحن مؤمنون بالقضاء والقدر ولكن يبقى الفقد بغيابهم هو الألم الملازم لنا ولشعورنا، وهذه هي طبيعة الحياة بين صيحات الولادة وبكاء الرحيل، وبين كل هذه التفاصيل وتلك، هناك أشخاص وإن غادروا حياتنا لا يغادرون ذاكرتنا وقلوبنا ويبقى أثرهم باقيا ما بقيت الحياة.
رحل عنا الأخ الكبير والأستاذ الخلوق والدكتور العالم ربيعة بن صباح الكواري، عن عمر قضاه في العلم والتعلم ونشر المعرفة، عن عمر أفناه في رص لبِنات الخير وتكريس مفهوم العطاء ومد جسور المودة والإخاء بين الجميع، في عمر امتد بين تواصل اجتماعي بناء وتفعيل واقعي لدور المثقف الواعي الذي عاش بين أفراد المجتمع وخلق وعي باستخدام قاعات الدراسة لنقل العلم بكل أمانة وإخلاص إلى الأجيال القادمة من خلال محاضراته التي لا ينساها طلبة قسم الإعلام في جامعة قطر، وبين توعية المجتمع المحلي والإقليمي من خلال حضوره الدائم وتواجده الإيجابي في الكثير من الفعاليات والمحافل المحلية والإقليمية والدولية أيضاً، ومن خلال حضوره عبر وسائل الإعلام المختلفة مسموعة تارة، ومرئية تارة أخرى، ناهيك عن الاعلام المقروء وإيمانه التام والكامل في إن الحرف والكلمة الصادقة قادرة على التأثير في المجتمع، فتبنى العديد من القضايا فكان النائب لقضايا المواطن، وكان الصوت الحي لهم، يطرح التحديات ويقدم الحلول ويشارك في اتخاذ القرار.
لن ينسى أبناء قطر الدكتور ربيعة بن صباح رحمه الله لأنه باختصار كان ابن هذا الوطن المخلص والأب المعطاء وصاحب اليد البيضاء والحبر الذي لم ولن يجف حتى بعد رحيله، لأنه كتب فوثق لحظات هامة في تاريخ قطر، ووثق صورا من أعلام قطر ورجالات هذا المجتمع الذي كان لهم دور بارز في بناء الوطن في الماضي والحاضر، فاستحق لقب ذاكرة الوطن، حيث كان المرجع لنا جميعاً ولكل من يريد البحث في تاريخ وثقافة قطر، كان رحمه الله قريبا من الدارسين والباحثين متواضعا معهم، مؤمنا بأن خير العلم هو نقله للآخرين فلم يوقفه عن ذلك شيء، ولهذا فإن مقالاته التي قرأها الجميع ويشهد لها الكثير ستبقى رافداً لنا ومرجعاً للباحثين وأساساً نرتكز عليه، فهي لم تولد من فراغ، بل كان يعمل ميدانياً وأذكر هنا حرصه رحمه الله على زيارة كبار السن في مجالسهم منذ زمن وتدوين الأحاديث والتفاصيل والذكريات وكل صور الموروث الشفوي في أوراقه ودفاتره ليحفظ ثقافة وطن من باب أن حفظ التراث أمانة.
في الكتابة عن الدكتور ربيعة بن صباح الكواري نحتاج للكثير من المجلدات، فهو الأخ والأب والمسؤول وهو الناصح الأمين، والقدوة والملهم الذي استند إليه الكثير، لم يبخل علينا برأي وشاركنا تحقيق الأهداف ذات يوم ووقف بجانبنا كثيراً، لهذا لمسنا كيف أجمع الكثير على حبه وكيف اكتظ مجلس العزاء بالمعزين، وكيف امتلأت المنصات الإلكترونية بحروف النعي، كل ذلك لم يأت من فراغ بل جاء من عمل دؤوب في الدنيا لن ينقطع أثره وإن رحلت عنا بإذن الله، رحمك الله يا بوصباح وأسكنك فسيج جناته وجزاك الله عنا خيراً على ما قدمت من أعمال.. آمين.

** المصدر: جريدة”الشرق” 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى