ما بين السطور.. الدوحة مدينتي

أعشقها، أعشق نسماتها وسماءها..

مدينتي التي تغفو على سطح الخليج، كدُرّة جميلة تتلألأ بين الموانئ والبحور..

لؤلؤة لم يلتقطها أي غواص، ولم تلمسها أي يد، ولم تضعها أي حسناء فوق جيدها،

مدينتي التي كانت ذات يوم، هادئة كالقمر، ناعسة، كالنجوم، لا تعرف الضجيج والزحام، لا تعرف إشارات المرور المزدحمة دائمًا.

أحببتها كما كانت، ترسو على شاطئ المياه الزرقاء الصافية، لم تلوثها جماهير المعجبين والمحبين، ولم يخطف بريق أنوارها المتلألئة، أي حدث صاخب، أو مهرجان..

عرفتها وأنا أسير بين رمالها الدافئة، حافية القدمين، أبحث بين الصخور والتراب عن صَدَفة ما، سقطت من غواص مُتعب عليل، أو نجمة بحر ضالة، أو ربما سمكة صغيرة تعثرت في طريقها إلى مناسبة سعيدة.

كم كنت أهوى صمتها الدائم، وهي تصحو كل صباح، بعد أن تدغدغها أضواء الشمس الباسمة الضاحكة، لتطل من الأعلى علينا ونحن منغمسين في لذة الأحلام والمنام.

مدينتي التي شرعت أبوابها وموانئها اليوم، لكل العابرين من كل جهة من الكرة الأرضية، والذين ضاقت بهم الشوارع، والحدائق والأسواق.

هم ليسوا أنا، فهم يحبون إثارة الضجيج والزحام في كل مكان، حتى تفر من بين أعينهم طيورُ الحمام، والعصافير الساعية إلى الراحة والاسترخاء بعد عناء يومها الطويل..

هم لا يحبونها مثلي أنا، هم فقط يطلون بكل جوارحهم عليها، لأنهم سمعوا بها، وبصَمتِها، وجمالها الهادئ الساحر.

هم سمعوا بفجرها الجديد الذي انبثق في الألفية الجديدة، ليطل من نوافذها المُشرَّعة على البحر من كل مكان.

هم سمعوا بجمالها وفتنتها التي طغت على المدن الأخرى، ما أضاف لجمالها جمالًا أكثر، وأضاف إلى سحرها، سحرًا أجمل.

هي مدينتي التي أحببتها، منذ تَفَتَّحت عيناي الصغيرتان عليها منذ عقود من الزمان..

عرفتها حين كانت البيوت مشرعة للآخرين، حين كانت الشوارع ملعبًا للصغار والكبار، حين كانت القلوب صافية ونقية مثلها.

حين كان الصمتُ أجمل صفاتها، والهدوء ملبسها اليومي، والسلام والأمان يطوقها من كل زاوية وشارع.

عرفتها حين كانت الحافلة الحمراء تتوقف قرب المسجد الصغير، لنلقي بأحمالنا وكتبنا وأقلامنا في جوفها في طرقنا إلى مدارسنا الجميلة.

لكنهم لم يعرفوها، إلا حين انطلقت الأقمار الاصطناعية، فخلعت عنها ثوب الهدوء، وأعلنت عن وجودها أمام الكاميرات المفتوحة، فرآها الصغير والكبير، و شاهدها الغني والفقير.. وأعجب بها القريب والبعيد..

ورغم ذلك ما زلت أحبها، رغم تلك الوفود التي لا تكف عن وضع أقدامها على رمالها، وفي شوارعها الفسيحة.

رغم كل ذلك الضجيج، والزحام، والغبار، أعشقها، وأتمنى أن يعود إليها صمتُها وسلامُها، لأتمكن من غمس قدمي بين رمالها الناعمة، والسهر تحت نجوم سمائها وقمرها..

أحبها فمن يحبُّها مثلي أنا؟

hissaalawadi@yahoo.com

المصدر: جريدة”الراية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى