وهن على وهن

تداول الناس على حسابات الواتس أب، فيديو قصيرا لولد يصلي بجوار والده ويبدو أنه وقت الدعاء، فالتقطت الكاميرا لحظة عفوية، ينظر الولد لوالده بنظرة سريعة، ثم يمسك يد والده، فيقبلها، في تعبير صادق وعفوي لحبه لوالده وعطفه على هذا الحب. ولعلنا دائماً نذكر بفضل الأم ودورها وأهمية برها، قال الله تعالى: {وَقَضَىٰ رَ‌بُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ‌ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْ‌هُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِ‌يمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّ‌حْمَةِ وَقُل رَّ‌بِّ ارْ‌حَمْهُمَا كَمَا رَ‌بَّيَانِي صَغِيرً‌ا} [الإسراء:23-24].

ففي هذه العبادة تعظيم لخلق الله والشفقة على خلق الله. فقد قال رسول الله عليه الصلاة و السلام: « فاطمة بضعة مني « فالولد قطعة من الوالدين، فوصى بهما عند الكبر باللطف والتقدير، بعد أن تذهب القوة، ويصبح الطفل قادرا على اختيار تصرفاته، فيعظم الخطأ حتى لا يقع. ويحثهم على التذلل للوالدين، وتذكيرنا بأنهم صبروا على تربيتنا صغاراً، وفي لقطات صغيرة للطفل وهو في جوف أمه، بين مرض وضعف وتأثر على قوتها، فكان حملها وهنا على وهن، فهي الضعيفة، وتزداد ضعفاً بحملها، والصبر على مشاركة هذا الطفل جسدها، في سد احتياجاته، حتى يأتي للدنيا، فلا يعرف غير دقات قلبها، ولا يسمع غير نبرة صوتها، يتفقدها أن ابتعدت. نعم إنها الأم الوالدة وإنه الأب الوالد، وهما الرمزان للحياة وهما السبب في الوجود الذي جعله الله عز وجل. قبلوا أيادي أمهاتكم وآبائكم، فمهما بقي من عمرهما فحتماً هو أقل مما مضى.

سمحت لي تجارب الحياة أن أرى أمهات كبيرات في السن، قد تعتقد أنه انتهت كل معاني الحياة لديهم إلا حبها لأبنائها ولعلهم أصبحوا رجالاً مسنين، فيكون سبب بقائها ( ما شبعت من عيالي) عندما تكون الحياة فقط من اجل أن تراهم، وأن تفرح بهم بسعادتهم ندرك كيف تذهب كل الأمور الوقتية لتبقى الحقيقية فقط، أخرج الإمام البزار أن رجلًا كان في الطواف حاملًا أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل «أديت حقها»؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلًا جاءه فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك» (متفق عليه). أسمحوا لنا أن نفرح ونفخر بهذه التوصية عالية المقام من رسول الله، واسمحوا لنا أيها الآباء أن نشعر بالتفضيل، إلا أنه حمل كل التقدير للوالدين في آيات القرآن وحديث رسوله.

@maryamhamadi

** المصدر: جريدة”العرب” 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى