“مارلين مونرو” لخادمتها.. للكاتب إبراهيم جابر إبراهيم

الجسرة الثقافية الإلكترونية-خاص-

ذلك الفتى الإنجليزي بالجاكيت الكاروهات الأخضر، الذي يحضر وجبة الغداء لمدير الإنتاج.
الفتى الذي لا يهتمُّ لي حين يفتح طاقم الفيلم فمه مبهوراً وأنا أدخل موقع التصوير، ويظلُّ هو منشغلاً بشيءٍ سخيفٍ ما، ويبتسم لي من بعيد كأنني خالته الصغرى !
هذا الولد الذي لا يربكه إسمي ولا يَجفل من أنوثتي بقدر ما تشغله عاملةُ المونتاج السمينة التي يقف بانتظارها ساعتين كاملتين.
لو تعرفين كم أنا مشغولةٌ بهذا الفتى الذي تفوح منه كل يوم رائحة الطعام التجاري، لو تعرف الصحف، والأغبياء الذين يتكهّنون على أي جنبٍ تنام أشهر امرأةٍ في العالَم !
فتى غير حالمٍ بالمرّة، .. لم يجرّب مرةً أن يلقي عليَّ تحية الصباح، لأنَّه لا يحلمُ بأن أردَّها.
هذا الذي يستحقّني.
سمعته مرة تحت النافذة يتحدث الى زميله ساخراً من اسمي، قال له إنه يشبه آلة الأكورديون !
وراح يردِّده بمرح ” ماااا .. مارلييين ..مونرووو “. هل سمعتِ كيف ؟ هل تعتقدين ذلك يا “غاب” . هل انا آلة أوكورديون !
الفتى الإنجليزي له انف صغير يا “غاب”. أصغر من أنف “جون كينيدي”. له أم وأب أيضاً. وحين يضحك يصبح فمه شهوانياً.
هل تعرفين .. أحلم بأن أقضي ما تبقى في ذلك الأوتيل الرخيص، غرفة صغيرة وبلا ستارة للحمّام. وأريد راديو فقط .
وان تصلني رسالة كل شهر، او اثنين، منك أنتِ يا “غاب” تطمئنين أنَّني لم أقتل أحداً بعد .
اليوم كان يضع وردةً صغيرةً في عروة جاكيته. وقد دخَّن سيجارة بعد تصوير المشهد الخامس. كنتُ أراقبه. وهو يضحك كالمغفّل. في كل مرةٍ يراني أنظر اليه يلتفتُ بسرعةٍ خلفَه متسائلاً الى ماذا أنظر !
في هذا العالم الآن أكثر من مليون رجل يفكرون فيَّ ، في هذه اللحظة، يحلمون برائحتي، يُقلّبونني في رؤوسهم. وأنا وحيدةٌ يا “غاب”. لا أعرف هاتفَ واحدٍ من هؤلاء الحمقى الذين يعتقدون أنني صعبة المنال الى هذا الحد ّ !
بالأمس فقط اقترب مني لأول مرة، كان يريد توقيعاً منّي على صورة لي، لأحد أقربائه، وكان يقول باستهجان ” الانجليز يعتقدون أنك طابع بريد ولستِ حقيقية سيدة مونرو” !
ضحكتُ بتحفظ، ثم ضحكتُ بصوتٍ عالٍ .. لكنه أخذ الصورة بغير احتفال ومضى.
هل انا طابع بريد ؟ ظللتُ أفكّر طيلة الليل. أتذكر قبل سنتين قال أحد المعجبين وهو يقصد أن يمتدحني أنني “أمريكية اكثر من الهمبرغر” !
هل يمكن العثور على رجلٍ لا يعرفني يا “غاب”. رجل لا يحب السينما. رجل لا تنطلي عليه حيلة شَعري الأشقر، كما لا تنطلي عليه حيلة ” الولايات المتحدة “.
ما الذي يعجبه في عاملة المونتاج السمينة !
هناك أيضاً مليون امرأة الآن يُقلّبن “كينيدي” في رؤوسهن، هذا الثمل الذي نام في الصالة منذ العاشرة مثل ورطةٍ ثقيلة.
هل أنا مثل “آلة أوكورديون” ؟ هل أمريكا صعبة المنال ؟ ألا توجد حياة بلا مُخرجين خلف هذا السور يا “غاب”. لو أننا نخرجُ الآن . تعالي نخرجُ الآن. ونهرب مع اثنين من سائقي الشاحنات. أو لا نهرب.
فقط نخرجُ الآن.
ونتجنَّب هذا الصداع.
أمس كانت عاملة المونتاج تنظر لي بحسرةٍ مشابهة.
المسكينة تحلم أن ترى صورتها على ملصق أو شاشة إعلان.
كم مرةً تستطيع أن تَكذب أمريكا يا “غاب”.
أنا سأخرج الآن، ساحمل هذا الولد الأبله على دراجّتي وأخرج.
سآخذه بعيداً عن هنا، هذا الذي لا يلتفُّ عنقه حين تمرق عنه ” ماااا .. مارلييين .. مونرووو “.
هل تعتقدين ذلك يا “غاب” .. هل تعتقدين أنني “آلة أوكورديون” !
هذا متعب يا … هل تحبينني أنتِ ؟ أنت مثل “الولايات المتحدة” يا “غاب” ؛ كل همّك ان أصحو صالحةً للعمل.
لا أحد يفهم : أنا أحلم بأن أكون “عاملة مونتاج”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى